لقاء مع بائع متجول

لقاء مع بائع متجول

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ المدينة المنورة

  اعتاد الصحفيون والإعلاميون لقاء ذوي المناصب العليا من زعماء ووزراء ومسؤولين وأصحاب نفوذ ومديري شركات وغيرهم وإجراء مقابلات معهم ونشرها للملأ حتى يستخلص القارئ العبر من سيرهم أو حتى ينظروا على الأمة ما يرونه من تطلعات ورؤى صائبة .

وأما لقائي أنا هنا فكان مع شاب مغمور لم يتجاوز العشرين بعد، يرمقه العابرون بنظرات مختلفه منهم من يجادله ولا سيما النساء ومنهم من لا يكترث به ..

رأيته على رصيف شارع اليرموك بمدينة دمشق يمد بسطته المتواضعة المؤلفة من بعض الملابس القطنية الداخلية والجوارب والقبعات الصوفية ، لم يشد انتباهي في بادئ الأمر لأنَّ الكثيرين مثله منتشرون على الأرصفة هنا وهناك  بل ربما يسببون الإزعاج للمارة ولأصحاب المحلات الذين يتصلون بالبلدية لمطارتهم، ولكنه شد انتنباهي هذا الشاب مرة لما رأيته يجلس على حجر الرصيف وخلفه بسطته المتواضعة  يفتح كتابا لمحت عليه شعار جامعة دمشق يدير الكتاب حيث ضوء البلدية والمحلات المجاورة ، سرعان ما أجريت معه مقابلة ظن أنني في بادئ الأمر استهزئ به ولما أيقن أنني أعمل في الإعلام ارتاح لي كثيرا وكان هذا الحوار:

ما اسمك يا بني؟ : اسمي وسام جبولية .

كم مضى من عمرك؟

  عمري الآن تسعة عشر عاما.

ما الكتاب الذي تقرأه ؟

إنه كتاب مدرسي أذاكر به فأنا طالب بالمعهد المصرفي في السنة الثانية الأخيرة فاختباراتنا الشهرية بعد عطلة العيد؟

ما حالتك الاجتماعية ؟

أعيش مع والديَّ وأربعة إخوة ، ثلاثة شباب وبنت واحدة  والدي ميسور الحال ومتوسط الدخل يملك محلا تجاريا في دمشق لبيع الملبوسات القطنية وغيرها.

ألا يستطيع والدك تأمين مصروفك اليومي ؟

بلى يستطيع ، ولكنني أحب أن أعتمد على نفسي ، فأنا لا أطلب من الوالد شيئا بل أحيانا أساهم في مصروف البيت ، أدفع رسوم الدراسة وأشتري الكتب والقرطاسية وكل ما أحتاجه .

كيف توافق بين الدراسة والعمل؟

الوقت فيه بركة إذا أردنا أن نستفيد منه فأنا أصحو كل يوم مبكرا وأذهب إلى معهدي أستمع إلى أساتذتي حتى الساعة الثانية ظهرا بعدها أعرج على البيت لتناول الغداء ثم أذهب لمحل والدي أساعده حتى المساء وكثيرا ما أمتطي دراجتي وأذهب إلى المحلات الصغيرة أوزع عليهم البضاعة التي يطلبونها من محل والدي أو غيره  وأبقى أطوف على المحلات  عارضا عليهم المنتوجات حتى أذان المغرب، ثم أعود أدراجي للبيت أدرس وأتناول عشائي ثم أنام ، وفي أيام الأعياد أمد بسطي كما ترى عند تزاحم الأقدام .

منذ متى تعمل يا وسام؟

أعمل وأنا في الصف السابع أي منذ ثلاثة عشر عاما ، أعمل في المهنة نفسها .

هل الوالد راض عنك؟

نعم الوالد والوالدة راضيان عني ويدعوان لي بالتوفيق كل يوم.

ما ذا تشعر وأنت تعمل:

أشعر بالفرحة واللذة لأني أشعر أنني منتج في هذا المجتمع وحتى إن لم أبع شيئا  وفي الأيام التي لا أذهب فيها للعمل أشعر بالكآبة والذنب.

ماذا تشعر وأنت تدرس قرب بسطتك؟

أشعر بالفخر والعزة أذكر رجالا بنوا أنفسهم من الصفر وصاروا من رجال أعمال وأتمنى أن أحقق هدفي.

ما هي خططك القادمة؟

خطتي أن أتابع دراستي الجامعية ،وأن أخدم العلم ، وأن ألتحق بدورات الكمبيوتر واللغات.

 ما هو هدفك يا بني ؟:

 وأن يصبح عندي معملا للألبسة القطنية الداخلية .

إنسان معجب به ؟

أنا معجب برجل من بيت الشراباتي يملك محلا تجاريا  بسوق الحريقة لبيع الجوارب وهذا الرجل لم يرث شيئا من والديه اعتمد بعد الله على نفسه بدأ من الصفر، وصار الصفر أصفارا ولكن على يسارها أعدادا صحيحة.

هل زملاؤك في المعهد يدرون ببرنامجك اليومي وما موقفهم منك؟

نعم أكثرهم يعرف وهم يشجعونني ولا سيما زميلاتي في الدراسة.

هل تدخن يا وسام؟

لا والحمد لله، فالدخان ضار بالصحة والبيئة والجيب .

هل ترى هذا المحل الذي تبسط أمامه؟

نعم إنه محل مجوهرات .

صاحب هذا المحل يا وسام بدأ بالعمل والدراسة كما بدأت أنت من الصفر، علَّم وتعلم  وبصبره واجتهاده وعصاميته نال ما كان يحلم به ، صحيح إنه لم يصل ما وصل إليه طلعت حرب وعبد الحميد شومان و الحريري  ولكنه وصل إلى غنى وقناعة يشكر الله عليها صباح مساء

شكرا لك يا وسام على هذه الدقائق التي أخذتها من وقتك وأتمنى من الله أن تصبح في الغد من رجال الأعمال المشهورين ، وأرجو أن ترتشف معنا الشاي كلما صببناه في الأكواب   .

هذا هو وسام إنه وسام بالفعل مثال الشاب الطموح الذي يبني مستقبله بيديه يوافق بين الدراسة والعمل، الذي يقول " ها أنا ذا" ، ليس كأغلب شباب اليوم الذين يتغنون بأمجاد الماضي ويعتمدون على كان أبي.