في نقد موسم أصيلا الثقافي
أوراق أصيلية:
أبو الخير الناصري
تجب الإشارة في البداية إلى أن كل محب لمدينته لا يمكنه أن يعارض تنظيم موسم ثقافي أو فني بها يكون من مقاصده إضفاء مزيدِ إشعاعٍ على المدينة والمساهمة في تنميتها.
بيد أن الدفاع عن تنظيم مواسم ثقافية وفنية لا يعني الانصهار في سياسة المنظمين والانتصار الأعمى لهم، بل إن هذا الدفاع ينبغي أن يكون عن بَيِّنة وعلى بصيرة، وذلك بألا نُعَطل حاستنا النقدية أمام هذه الأنشطة الثقافية والفنية، وأن ننظر إليها وإلى رسالتها وما يُنفَق عليها من أموال نظرة موضوعية تشير إلى مواضع الحُسن وتثني عليها، وتنبه على مكامن الخلل والضعف لكي تُستدرَك في المراحل الموالية تجويداً للعمل وحرصاً على منافعه للمدينة.
وعليه فإن النظر الموضوعي لموسم أصيلا الثقافي الدولي يقتضي أن نذكر إيجابياته وسلبياته معا، دون أن نتنبى خطابا عَدَميا لا يرى في الموسم خيرا أبدا، ودون أن نستلذ خطابا تمجيديا لا يرى فيه عيبا أبدا.
- أولا: من إيجابيات الموسم
إن من إيجابيات هذا الموسم الثقافي أنه حَوَّل هذه المدينة العريقة إلى قبلة دولية للمثقفين والأدباء ورجال الفن والإعلام من مختلف دول العالم، يقصدونها في فصل الصيف لتقديم بعض إنتاجهم، وللمساهمة في تدارس قضايا فكرية، وأدبية، وفنية يستفيد من النقاش فيها عدد من المواطنين من داخل أصيلا وخارجها ممن يتابعون ما يُنظَّم من ندوات وأمسيات فنية.
كما أن من إيجابياته أيضا ما قامت بإصداره المؤسسةُ المنظمةُ له من مؤلفات كان من آخرها كتابٌ عنوانه (عربة الحلم) جُمِعتْ فيه أشغالُ ورشاتٍ في كتابة القصة، والشعر، والمقالة، والمسرح، والخبر استفاد منها أطفالٌ أصيليون أشرف على تأطيرهم الأدباء والنقاد المغاربة: محمد عز الدين التازي، وبنعيسى بوحمالة، ومحمد الهرادي، والعربي بن جلون، ورشيدة بنمسعود، ومحمد أقضاض، وعبد الحق ميفراني.
إن هذا العمل – وبغض النظر عن جوانب النقص فيه – يعد من النقط الإيجابية للموسم في دورته الأخيرة؛ لأنه عملٌ ذو بُعْد إبداعي وبعد تربوي نبيل. وهو مكسب معنوي للمدينة يكرس صورتها بوصفها مدينة للثقافة والفن، وهي الصورة التي ساهمت في تشكيلها وترسيخها جمعياتٌ أخرى إلى جانب مؤسسة منتدى أصيلا كجمعية قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي، وجمعية ابن خلدون للبحث التاريخي والاجتماعي، وجمعية الإشعاع الأدبي والثقافي وغيرها.
وإضافة إلى هذا المكسب المعنوي الذي ينبغي أن نعمل على الحفاظ عليه وتطويره، فإن من إيجابيات الموسم كذلك إسهامه قليلا في استقطاب أناس من خارج أصيلا يشكل قدومُهم إليها خطوة في سبيل تسريع عجلة الاستهلاك وتحريك النشاط السياحي، وذاك ما يحقق بعض المكاسب المادية لعدد من السكان.
- ثانيا: من سلبيات الموسم
ولأن النظر الموضوعي لا يكتمل دون ذكر السلبيات فإنني أتخذ من أمرين اثنين عاينتُهما خلال الدورة الأخيرة لهذا الموسم منطلَقا لذكر بعض عثراته.
1- أما الأمر الأول فأقصد به نوعية المداخلات في بعض الأنشطة لضيوف تبيَّن عند قدومهم أنهم إنما جاؤوا للسياحة والتجوال، ولم يبذلوا أي جهد مشكور في إعداد ورقة في الموضوع الذي دُعُوا للمساهمة فيه.
إن خواء بعض التدخلات المقدمة في ندوات الموسم (ولا نذكر ههنا أسماء لكي لا نُحرج أصحابها) تُوَلّد في ذهننا سؤالين اثنين:
أولهما السؤال عن شعار (الثقافة في خدمة التنمية) الذي يرفعه الموسم ومدى إسهام (المداخلات الخاوية) في تحقيقه. وبصيغة أخرى: لَمّا كان الشعار الذي رفعه الموسم منذ سنوات هو (الثقافة في خدمة التنمية)، وكان من أبعاد التنمية تنمية وعي الفرد والجماعة فأيّ تنمية لوعي المواطن الأصيلي وغير الأصيلي تتحقق بالاستماع إلى من دُعي إلى الموسم على نفقة المؤسسة المنظمة له، ثم جاء "ليدردش" ويقول أي كلام، أو لِيَعْترفَ أمام دهشة الجميع أنه لم يقرأ أي كتاب لِمَنْ أتى لتكريمه، وأن ما استمع إليه من مداخلات لأصدقائه سيحفزه لقراءة ما صَنَّفه المُكرَّم من أعمال أدبية!؟ ألا ينبغي أن يطالب منظمو هذا الموسم مَنْ يختارونهم للمشاركة بملخّصات للورقات التي يعتزمون تقديمها قبل حضورهم ومشاركتهم حتى يضمنوا نوعا من الجدية التامة في الندوات!؟
وثانيهما السؤال عن نفقات الموسم وضرورة ترشيدها. وبعبارة ثانية: لمّا كان بعض الضيوف إنما يحضرون للاصطياف ولا يجعلون من مقاصد حضورهم تقديم ما يفيد الناس فلماذا لا يُستغنى عن دعوتهم؟ أليس الاستغناء عن حضورهم سبيلا لادخار بعض أموال الدعم المُقدَّم للمنتدى من لدن المجلس البلدي لأصيلا (وهو الدعم الذي يقدره بعضهم بمائتي مليون سنتيم) قَصْدَ تسخيره في أداء ما بذمة المجلس من ديون، وقصد استثماره في مشاريع تعود على سكان المدينة بالنفع !؟ (ومُسوِّغ طرح هذا السؤال هو ذاك الارتباط الوثيق بين مؤسسة منتدى أصيلة والمجلس البلدي للمدينة، خصوصا من حيث الأشخاص الذين يمثلون المؤسستين ويساهمون بأكبر قسط في صناعة القرارات داخلهما).
وإذا كنا طرحنا سؤال ترشيد النفقات في صلته بضيوف لا يقدمون ما يفيد فإن السؤالَ نفسَه يصير أكثر إحراجا حينما نتذكر أسماء لضيوف حضروا إلى الموسم دون أن تكون لهم أي مشاركة في أي من أنشطته، وكذلك أسماء لبعض الصحافيين الذين لا يكتبون سوى السطرين أو الأسطر القليلة المرتبكة مرفقين إياها بصور كثيرة لعلها تغطي على خواء ما يكتبون.. !!
صحيحٌ أنْ ليس المجلس البلدي لأصيلا وحده مَن يموّل هذا الموسم، ولكن حسن اختيار ضيوفه، وترشيد الإنفاق على أنشطته سيُسْهم في الارتقاء بمستوى ما يُقدّم فيه، وسيسهم في ترك جزء من أموال البلدية في ميزانيتها، وهذا أَنْفَعُ للمدينة وسكانها إذا ما أُحْسِن تدبير هذا المال المدخر وإنفاقه كما ذكرنا أعلاه.
2- وأما الأمر الثاني – وهو غير بعيد عن سابقه – فأريد به أسماء المدعوين إلى الموسم كل عام. فمما يثير الانتباه أن بعض الأسماء يتكرر حضورها في دورات متتالية، وكأنما لا وجود لغيرها في المشهد الثقافي.
ولعل هذا الحضور المتكرر لهؤلاء أن يكون سبيلا للتساؤل عن معايير اختيار المدعوين للمشاركة: هل هي معايير قائمة على الكفاءة والتفوق المعرفي، أم هي الصداقة التي تجمعهم بالمشرفين على الموسم؟
ومن الحق أن نقول هنا: إذا كان معيار اختيار المشاركين هو الكفاءة فما أكثر الأكْفاء في المشهد الثقافي العربي ممن يكون في دعوتهم إغناءٌ للموسم وأنشطته وتخليصٌ له من تكرار بعض الأسماء، وإذا المعيار هو الصداقة فذاك خطأٌ من أخطاء المشرفين على الموسم...
تلكم أمثلةٌ فقط من إيجابيات هذا الموسم الثقافي الدولي وسلبياته أحببتُ أن أذكرها مجتمعةً في هذا المقال مساهمةً مني في رسم طريقٍ للخروج من دائرتين اثنتين هما: دائرة الخطاب العَدَمي الذي لا يرى للموسم أي فضل، ودائرة الخطاب التمجيدي الذي لا يرى فيه أي عيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.