الحقد الغربي على الإسلام
د. فوّاز القاسم / سوريا
يوماً بعد آخر ، يتبين للعالم أجمع ، مدى الحقد الغربي عموماً ، والأميريكي على وجه الخصوص ، على كل ما يمت إلى الإسلام ، عقيدةً ، وثقافةً ، وأرضاً ، وتاريخاً …
ولقد نال العرب _ الذين هم جوهر الإسلام ومادّته ووعاؤه _ من هذا الحقد الصليبي الأعمى ، النصيب الأوفى .!
ولقد رأينا في الثمانين سنة الماضية ، وبالتحديد منذ سقوط الخلافة الإسلامية ، من حقدهم وتآمرهم ما يدوّخ الرؤوس ، وأخذ حقدهم أشكال مختلفة ، ومظاهر متنوّعة ، ابتداءً من الاحتلال العسكري لبلاد العرب والمسلمين ، وتقاسم البلاد العربية في معاهدة سايكس بيكو ، كما يتقاسم اللصوص سرقاتهم ...!!!!
ولقد كان اقتطاع الغرب لفلسطين الحبيبة ، قلب العروبة والإسلام ، وتسليمها لحفنة من اللصوص الصهاينة والسفاحين ، ليعيثوا فيها تقتيلاً وتشريداً وتخريباً واحداً من أهم مظاهر ذلك الحقد الصليبي الأسود ..!!
ثم ، مروراً بالغزو الثقافي والفكري ، ومحاولاتهم المستميتة لطمس هوية الأمة الحضارية _ المستمدّة من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله الكريم ( ص ) وتاريخ الأمة الخالد _ وتسويق أنماطهم الأخلاقية المنحطّة إلى بيوت العرب والمسلمين عبر وسائلهم الإعلامية الخبيثة ، التي تديرها أخطر عصابات المافيا في العالم ، وذلك تحت شعارات ماكرة خادعة ، من أمثال : العولمة ، والحريّة ، والتحضّر ، والنظام العالمي الجديد ...إلخ
ولعل من أبرز مظاهر ذلك الحقد الصليبي أيضاً ، ما مارسه الغرب من سرقات مفضوحة لنتاج الشعوب العربية والإسلامية ، وذلك إبان الاحتلال الصليبي الغادر لبلاد تلك الشعوب المظلومة ، ولا نتعدّى الحقيقة إذا قلنا : بأن أساس مدنية الغرب ورفاه شعوبه ، إنما قام على حسابنا وحساب أمتنا …!!!
فلقد سرقوا منا أصول البحث العلمي ، ومناهج التفكير التجريبي ، التي هي من أهم مفاخر العرب والمسلمين …
كما سرقوا الأفكار والتجارب والمخطوطات والمكتبات … وسرقوا مرتكزات الإقتصاد العربي والإسلامي ، سواء الظاهرة على سطح الأرض ، أو المدفونة في جوفها ، كالنفط والمعادن والآثار وغيرها …!!!
ومن أبشع مظاهر حقد الغربيين على العرب والمسلمين ، ما مارسوه ويمارسونه يومياً من مظاهر الظلم والاعتداء على حريّة الفرد العربي المسلم وكرامته ، تلك الحرية التي كفلتها كل القوانين والشرائع الأرضية والسماوية .!!!
ولعل أبسطها ، حرية العيش الآمن على أرض الوطن بدون ضغوطات أو تهديدات خارجية ، وحرية اختيار طريقة الحياة ، ونظام الحكم ، بما ينسجم مع العقيدة والتراث والثقافة العربية والإسلامية ، وحرية الثقافة ، والكتابة ، والنقد ، وإبداء الرأي، وتداول السلطة بصورة ديمقراطية سلمية ، بدون أية عقد أو تداعيات أو مؤامرات .
ومن العجب أن يتسع مفهوم الحرية في الغرب ، حتى ليمنحونها للقطط والكلاب ، بينما يستكثرونها على العرب والمسلمين ، حتى ليحرموهم من شرب الماء النقي واستنشاق الهواء الصافي …!!!
أخيراً وليس آخراً ، تفجّر حقدهم الأسود على شكل حروب مهووسة طالت الكثير من البلاد العربية والإسلامية ، ابتداءً من فلسطين الحبيبة ، وأخصّ غزة المجاهدة ، فالصومال ، فالسودان ، فأفغانستان ، ثم استداروا إلى العراق الحبيب ، فاحتلوا أرضه ، وذبحوا شعبه ، ودمروا مرتكزاته ، وسرقوا ثرواته ، ولقد كانت جرائمهم المنحطة في الفلوجة و( أبو غريب ) وبغداد والنجف وغيرها من المدن العراقية وصمة عار في جبين الإنسانية ، كما كانت تدلل على مدى حقدهم واستهتارهم ووحشيتهم ضد العرب والمسلمين ...!!!
ولا يزال تهديدهم للأمة مستمراً ، ولا تزال القائمة مفتوحة ، والله وحده هو العالم ، على من سترسو ماكنة الموت والدمار الصليبية في الأيام القادمة ، فقائمة ( الإرهاب )عندهم طويلة ، وماكنة الموت والدمار ما ضية ، وهي لا ترسو إلا في ديار العرب والمسلمين السنة حصراً ...!!!
ولا أظنني بحاجة أن أذكّر بأن الغرب الصليبي نفسه ، كان قد زحف على العراق الصابر ، بقضّه وقضيضه ، تقوده عصابة المافيا في البيت الأبيض في تسعينات القرن الماضي ، في حرب كونية حاقدة ، ألقوا فيها كل ما تراكم لديهم عبر التاريخ من الحقد والشر والهمجية ، وتفتّقت عقولهم المريضة ، ونفوسهم الشريرة ، عن كل وسائل الغدر والعدوان والساديّة ، بما فيها الوسائل المحرّمة دولياً ، وذات التدمير الشامل …
ولقد استهدفوا بحقدهم الأسود كل شواخص الأمة في العراق ورموزها : العسكرية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والعمرانية، وغيرها ، بدون أي سند قانوني أو أخلاقي …
ولم تسلم من غدرهم وحقدهم ، حتى المدارس والمساجد وملاعب الأطفال …!!!
بل لقد وصل غدرهم وحقدهم وخسّتهم ، إلى الحقول المزروعة وقطعان الأغنام .!
ولقد شهد العالم أجمع ولا يزال يشهد جرائمهم القذرة في أفغانستان المسلمة ، البلد الأفقر في العالم ، الذي يموت أبناؤه من المرض والبرد والجوع في الطرقات العامة ، وبدلاً من أن يقدّم له من يسمي نفسه بالعالم المتحضر ، المساعدات الإنسانية ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح البريئة التي هدّها المرض ، وأنهكتها الحاجة ، إذا بهم يلقون عليه آلاف الأطنان من المتفجرات الحاقدة، التي أتت على البقية الباقية من مفردات الحياة لديه ...!!!
وهاهو تحالفهم الصليبي الجديد يستهدف سورية الحبيبة هذه المرّة ، ويستفتح أولى هجماته الحاقدة على الشعب السوري الأعزل المنكوب ، وبدلاً من أن يساعدوا هذا الشعب المظلوم في التخلّص من العصابة القرمطية المجرمة ، التي تسومه جميع أنواع القهر والقتل والتدمير والتشريد ، وعلى مدى أربعة سنوات عجاف ، إذا بها تمطره بآلاف الأطنان من وسائل التدمير والإبادة ، من البحر والأرض والجو ، تحت حجج حقيرة وسافلة ، مثل مكافحة التطرّف والإرهاب …!!!
ولقد أخبرنا القرآن العظيم بهذه الحقيقة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، حين قال : (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)) (البقرة:120)
(( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) (البقرة:217)
طيب ... هذا هو الداء ، فماهو الدواء ..!؟
كيف نتصدى لموجات الحقد الصليبي المتتابعة ضد أمتنا ونتغلب عليها ...!؟
إنني أعتقد أن علاج هذا المرض يجب أن يتم على محورين اثنين :
الأول : العرض الجيد لديننا وعقيدتنا وأخلاقنا وقضايانا العادلة في الغرب باللغات التي يفهمها ، من خلال فيالق من الدعاة والكتّاب والمثقفين والإعلاميين ، ونحن في عصر الفضائيات وثورة الاتصالات والانترنيت ...
ولا ننس هنا أن نشجّع ونتعاون مع النماذج الشريفة في أوربا ، من الذين ذكرنا نماذج منهم أعلاه ، ونفيد منها ...
والثاني : تحصين أمتنا وتقويتها بجميع عناصر القوة المادية والمعنوية ، حتى لا يطمع فيها طامع ، ولا يتطاول عليها متطاول ، فكما يقول المثل : المال السائب يعلّم الناس السرقة ، والحائط الواطئ يعلم الناس القفز عليه وتسلّقه ، والأمة الضعيفة تعلّم الناس التحرّش بها والاعتداء عليها ، وخاصة إذا كانت غنيّة بالخيرات بما فيها النفط ...!!!
وإلى هذا المعنى وجّهنا القرآن العظيم قبل أربعة عشر قرناً ، حين قال : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) (الأنفال:60)
وفي الختام نؤكد أيضاً بأننا على ثقة تامة بعدل الله ، وأن الله يمهل ولا يهمل ، وأنه للظالمين بالمرصاد ، فهو يملي لهم لحكمة يعلمها هو - ولعل من حكمته سبحانه تمحيص الأمة ، وفرز عناصرها ، ومعرفة الصادقين من الكاذبين فيها - ولكنّه إذا أخذهم في النهاية فلن يفلتهم ، وإن أخذه أليم شديد …
(( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) (هود:102)
وسيأتي اليوم _ لا نشكّ في ذلك _ الذي تنتصر فيه يد القدر الجبارة لملايين المظلومين من أمتنا ، الذين حرمهم الظلم الصهيوني والصليبي من أبسط مقوّمات الحياة …
بسم الله الرحمن الرحيم (( ويقولون متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم.