لماذا نعطي المحتاج؟
د. محمود نديم نحاس
يظن كثير من الناس أن إعطاء المحتاج الطعام والشراب أفضل من إعطائه المال، بحجة أن المحتاج قد يسيء التصرف فيصرف المال في غير موضعه. ورغم أن هذا ينطبق على بعضهم، لكن يأتي التساؤل المهم: ما الفرق بين هذا المحتاج وبين السجين الذي يعطونه طعامه وشرابه؟
لقد ثبت عملياً أن الإنسان تنخفض معنوياته عندما تنخفض قوته الشرائية، إلى أن تتحطم معنوياته تماماً عندما يفلس أو عندما تركبه الديون، حيث تصيبه الكآبة ويضيق صدره. والأسوأ من هذا هو أن الناس ينظرون إلى الفقير نظرة تختلف عن نظرتهم للغني. ربما يحلمون أن يحصلوا من الثاني على شيء، وما هم بحاصلين. وفي المجالس، عندما يدخل الغني ترى كل واحد يريد أن يعطيه مكانه ليجلس، أما الفقير فللأسف تجد بعض الناس لا يقفون ليسلموا عليه، فضلاً عن أن يقدموا له مكاناً! هذه هي طبيعة البشر، وما هي بطبيعة مستحدثة، فقد ورد في حديث سهل بن ساعد الساعدي الذي رواه البخاري (مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، وإن قال أن يُسْمَعَ. قال: ثم سكتَ، فمرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حريٌّ إن خطبَ أن لا يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن لا يُشَفَّعَ، وإن قال أن لا يُسْمَعَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا).
وقد قال الشاعر:
إن الدراهم في المواطن كلها *** تكسو
الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة *** وهي السلاح لمن أراد
قتالا
وتعرف زوجات الموظفين الحالة النفسية للأزواج يوم استلام الراتب، وكيف تكون طلباتهن مجابة، تبدأ بالذهاب إلى السوق وشراء الحاجات الضرورية، وتعقبها الأمور الترفيهية. وتنعكس الحالة النفسية على الزوجات والأولاد، فيشع البيت فرحة وسروراً. لكن ما إن ينفد الراتب، حتى تنعكس الأمور، ويصبح كل واحد في البيت عصبي المزاج. وصدق من قال: الفلوس تغير النفوس. والعجيب أن هذا ينطبق على الأطفال. فترى الطفل إذا أعطيته بعض الفلوس يتوقف عن المضايقة.
ومن هنا فإن تقديم الطعام والشراب للمحتاج لا يكفي، ولا بد من تقديم بعض المال ليتصرف به كيف يشاء، فهو بشر مثلنا. على أن أفضل ما نقدمه للمحتاج هو أن نسعى لتوظيفه أو توفير العمل له، بدلاً من تركه عالة على الآخرين.
وربما من الضروري أن ننتبه أن المحتاج ليس هو المتسول الذي اعتاد على هذه المهنة، وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا في حديثين لأبي هريرة رضي الله عنه رواهما البخاري (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناسِ، تَرُدُّهُ اللُّقمةُ واللقمتانِ، والتمرةُ والتمرتانِ، ولكنَّ المسكينَ: الذي لا يجدُ غِنًى يُغْنِيهِ، ولا يُفْطَنُ بهِ فيُتَصَدَّقْ عليهِ، ولا يقومُ فيسألَ الناسَ)، (ليس المِسكينُ الذي تَرُدُّه التمرةُ والتمرتان، ولا اللُّقمةُ ولا اللقمتان، إنما المِسكينُ الذي يَتَعَفَّفُ. واقرَؤوا إن شِئتُم. يعني قولَه: "لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا"). ومادامت هذه صفتهم فالأقربون أولى بالمعروف، إذ يجب على الناس أن يتعهدوا أقاربهم ويتعرفوا على أحوالهم، ثم يبحثون عن الأبعد فالأبعد.