حركة الاستشراق الماسونية
وهدم الموروث الإيماني للكتب السماوية
محسن الخزندار
إن المسلّمة الأساسية للإيمان هي كمال النص المقدّس باعتباره كلام من الرب لا يقبل التأويل أو التفسير والإيمان هو التصديق المقرون بالثقة والاطمئنان للنص فإذا ما ظهر خلل أو منافاة للوقائع في هذا النص، فسيلجأ المؤمن إلى مُسَلَّمة تستدعي الشك فيه .
ولا جدال في واقعية هاتين المسلمتين وبالأخص الثانية فإذا زادت الهوة بين الوقائع والنص المقدس، فسيلجأ هذا المؤمن إلى الظنون والتفاسير والتراقيع وبما يفوق طاقة النص ليجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما:
- أن يعود إلى النص المقدس الأصلي ليقبله كما هو ويغلق قناعاته عليه، أو أن يهجر النص جملة ليبحث عن مقدس آخر يستجيب لما تولد عنده من حقائق وظنون .
من هذا نستطيع القول إن قبول الحقيقة أو نكرانها مرهون بقوة الموروث الإيماني.
وهذه هي القاعدة الطبيعية للتعامل مع المأثور في المجتمعات التي تتطور بمعزل عن المؤثرات المحيطة. وهذا مستحيل، خصوصا في هذا الوقت بالذات حيث زادت الكثافة السكانية على الكرة الأرضية لابد من احتكاك أو تأثير بهما والاحتكاك والتأثير ينشآن غالبا على المصالح، لذا لازمت السياسة هذا المأثور وغالبا ما احتوته منذ فترة من الزمن .
ويمكن صياغة القاعدة الطبيعية أعلاه بشكل آخر إن قبول الحقيقة أو نكرانها، مرهون بقوة الموروث الإيماني ذاته، وبمقدار مسايرته للسياسة أيضاً وفي بحوث كتاب العهد القديم تحديدا طغت السياسة على الموروث فغيرت أسسه.( )
فنتيجة لأوضاع عديدة أهمها إفرازات الحروب الصليبية والنهضة الأوربية الحديثة، كان مستشرقو الغرب المسيحي أول من عالج المأثور التوراتي علميا، وأول من بدأ الدراسات الأحفورية (الأرخيولوجية) في المناطق التي يفترض أن قصص التوراة غطتها، وبالأخص الساحل الشرقي للمتوسط. ونتيجة لذلك فهؤلاء المستشرقون كانوا أول من انتبه إلى الخلل ما بين النص التوراتي والوقائع، وبالأخص جغرافيا التوراة ذاتها. ولا أشك بأن هؤلاء المستشرقين، صاروا ولو لمرة واحدة وجها لوجه مع الحقيقة المرة التي تنفي البيئة المستحدثة لقصص التوراة، ونتيجة لذلك صاروا وجها لوجه مع احتمالين لا ثالث لهما:
- أن يرفضوا الموروث ويتساوقون مع الوقائع أو أن يمعنوا بطمس الوقائع تساوقاً مع السياسة، أي ما يجوز تسميته: مؤامرة اللاهوت ورفض الموروث وهذا ما سلكه بالطبع المستشرقين ، مما شكَّل نصف المعتقد اليهومسيحي. ناهيك عن إنه دخل الموروث اللاهوتي، ومن هنا فإزالته أصعب بكثير من العمل بالاحتمال الثاني، أي بالتآمر على الوقائع! ومما يدعم عامل التآمر هو غرق المنطقة التي غطتها قصص التوراة، في سبات طويل، مهد الطريق لمؤسسات تسلَّلت إليها مع النهضة.
وحركة الاستشراق الماسونية هي من أخطر المؤسسات التي عملت على تزييف الحقائق الأثرية وتزييف الخرائط الجغرافية ورسم خرائط جديدة لمنطقة الأحداث.
بل الأخطر أنها تمكنت من إعادة تسمية المواقع بأسماء قادة أو أحداث جدد وما إلى ذلك .
بمقارنة خارطتين لحوض الرافدين في مكتبة مدينة مالمو السويدية، أحداهما موضوعة قبل عام 1920 والأخرى عام 1990م نلاحظ أن أسماءً في غاية الخطورة على تاريخ المنطقة، مثل: أرواد، جوفير، مصر، كنانة، أورشليم، دمشق، كبتوريا ،،الخ، هذه الأسماء إستبدلت بأخرى، لتسدل الستار على الوقائع التاريخية، فتتيح الإمكانية لظهور الوقائع المفبركة على مبررات سياسية. وليس هذا فحسب، بل وفي هذا السياق أيضا، أو أخطر منه، يتوجب توجيه البحث اللاهوتي شطر التيه كلما خص الأمر جغرافيا التوراة.
والأمثلة هي مقتبسات من كتب مؤلفين تراثيين تُؤخذ بحوثهم كالمفاتيح في اللاهوت اليهومسيحي منها :
أولا: عام 1869م اكتشف الباحث أوبرت رقيمات كثيرة مكتوبة بلغة يبدو أنها ليست آشورية ولا بابلية ولا كلدانية. وبعد بحث بين هذه الرقيمات تدل على وجود شعب قديم في وادي الرافدين، أقدم من البابليين والأكديين واسمه (السومريون) وحضارته هي التي مهدت للحضارات التالية. حين صرخ باحث يهودي إسمه جوزيف هاليفي مرعوباً في وجه أوبرت ومؤكداً له أن: ((لا شعب غير الشعب السامي قد بنى حضارات العراق، وأن اللغة السومرية هذه مجرّد اختراع مصطنع قام به الساميون أنفسهم لأغراض سرّيّة وكهنوتية) ( ).
المهم إن الأحافير توالت وأثبتت حقيقة الشعب السومري، وأنه هو من بنى الحضارات وأسس لها، وليس ما إصطلح على تسميته خطأ بالشعب السامي. لذا ذهبت صرخة هاليفي سدى.
فالباحث اليهودي هاليفي هذا، لم يكن باحثا، تهمه الوقائع التشريحية حيث لجأ هاليفي ومَن سار على خطاه إلى الترقيع، عبر البحث عن أصل غير شنعاري (رافدي) للسومريين ليثبت ان الشعب السامي الشنعاري هو الذي بنى الحضارة وليس السومريون وهذا فيه مغالاة وانصراف للحقيقة .
ثانيا: (( ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبيله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب، فيقضي بين الأمم وينتصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل، لا ترفع أمة على أمة سيفا،، وإمتلأت أرضهم فضة وذهبا ولا نهاية لكنوزهم وإمتلأت أرضهم خيلا ولا نهاية لمركباتهم وإمتلأت أرضهم أوثانا ))( ) وهذا الوصف الدقيق، إعتبره التوراتوسياسيين نبوءة بمملكة المسيح عليه السلام رغم أنه لم يذكر اسم المسيح عليه السلام . فإذا تركنا كلمة (صهيون) جانبا، فسنجد أن هذا النص هو نبوءة دقيقة جدا بمملكة محمد صلى الله عليه وسلم. فكل الأمم تجري على كل ضامر - دابة أو تسير (رجّالا) حجاجا إلى بيت الله – الكعبة- المحاطة بالجبال والمرتفعة عن البحر أيضا. وكانت تعبد فيها الأوثان. وكل الناس يصعدون جبل عرفات للابتهال والدعاء. وكل ما حول الكعبة حرام لا يدخله سلاح، وخيول مكة ومن والاها سارت إلى الأقطار بلا عدد وحصر لتفتح البلدان. وكنوز أرضها (النفط والمعادن) تظهر الواحد تلو الآخر. وأحد أسماء مكة هو (دار السلام) أي (أورشليم). أما صهيون أو (سي اي يا ن ) أو ( سه يان ) فمنها حقيقة خرجت الشريعة، شريعة سيدنا موسى وشريعة حمورابي وشريعة سيدنا يحيى وشريعة سيدنا المسيح. وهي ليست صهيون السياسة، بل صهيون الحقيقية - مدينة داود الشنعارية!
ثالثا: واليهود كانوا من أنقى أجناس الشرق الأدنى غير النقية لأنهم لم يتزوجوا بغيرهم من الأجناس إلا كارهين، ومن أجل هذا حافظوا على جنسهم. أما نساء اليهود فهن من أجمل نساء الأمم القديمة. واللغة العبرية هي من أعظم اللغات الطنانة الرنانة على ظهر الأرض، ألفاظها مليئة بالأنغام الموسيقية القوية رغم ما فيها من حروف حلقية ( ).
والمفروض أن المؤرخ، كالسيد ديورانت، لا يكتب إلا ما عاشه، أو ما بناه على مصادر موثوقة إذا كان يعالج تاريخا سابقاً ، لكن السيد ديورانت كتب صدى صرخة هاليفي، لذا جانب الحقيقة كثيراً.
فنقاء الجنس اليهودي، مشكوك فيه مقدما إذا ما صدقنا قول التوراة بأن نسل سيدنا إبراهيم أبي اليهود الأول وسارة أم اليهود الأولى من إلعازر الدمشقي وفرعون وأبيمالك. والنقاء اليهودي، وإن صدقنا التوراة ذاتها، مشكوك فيه منذ سيدنا موسى على إعتبار أن موسى ذاته ليس إسرائيلياً بل لاويا واللاويون ليسوا من بني إسرائيل كما يقول سفر العدد وهم أساسا كهنة إسرائيل ذوو القرار. وبنو إسرائيل وحسب معطيات التوراة كانوا قبائل مترحلة والنسل فيها يعود للفراش، أي يكون المولود فيها تابعا لزوج الأم، وإن حملت به من غيره.وحتى اليوم ما زالت بين اليهود عادة جعل النسل للميت، فإذا مات شخص دون أن يولد له، فيجامع أخوه أو الأقرب إليه أرملته لتلد ويحمل المولود اسم ولقب المتوفى. وهي الحالة التي عوقب عليها النبي أونان بالموت لأنه جامع شامار زوجة أخيه لكنه لم يطرح في رحمها .( ). والنقاء الإبراهيمي أو اليعقوبي في النسل اليهودي سيكون مستحيلا إذا. ولا ندري كيف سيجيب السيد ديورانت، لو شاهد ثلاثة يهود: أشقر وحنطي وبنّي وخارج الحالة المختبرية، لا يمكن تحسين صفات جنس بتضريبه على بعضه. بينما في المختبر وحيث الأمر خاضع للسيطرة، يمكن تنقية صنف ما وليس جنس من المحاصيل أو الحيوانات، بعملية الإختيار المقننة. وهذه العملية تتم بقتل (أو إبعاد) الأجيال الدميمة وإنتقاء الأقوى قسريا. وهو ما لا يمكن إجراؤه على الإنسان، حيث لا يقتل الدميم ولا يبعد. وتضريب الجنس على بعضه، كالحالة السائدة بين اليهود المنعزلين عن المجتمعات الأخرى، وحسب معطيات علم الوراثة سيؤدي إلى الدمامة غالبا وهو ما يؤخذ على بعض السلالات الفرعونية الحاكمة التي كان العديد من أفرادها دميماً بسبب محاولة إنقاء الدم الملكي. ولا يوجد جنس أو صنف أو نوع لا يخضع لقوانين علم الوراثة، يهوديا كان أم غوييميا. ولم يلحظ أحد في عالم اليوم أن خلقة الأصوليين اليهود تختلف عن غيرها من الخلق. وسجلات ملكات جمال العالم أقوى البراهين. كما أن السيد ديورانت، لم يعش ذلك الماضي السحيق ولم يكن في الشرق الأدنى القديم لنعتبر ما قاله عن جمال نساء يهود ذلك الماضي ناتج عن ذوقه الشخصي أو معاييره الخاصة لعلم الجمال. ولم تقل بجمال نساء اليهود أشعار الغناء القديمة البابلية والسومرية والآشورية وغيرها. وعلى العكس فالتوراة ذاتها، وفيما عدا قولها عن سارة إنها شابة حسنة، قالت وبصريح العبارة أن قبائل اليهود التي قادها سيدنا موسى كانت مصابة بأمراض جلدية أهمها البرص.
ولو قال مختص لغة وفي هذا العصر بأن اللغة العبرية هي أجمل اللغات لوجد من فنده أو ناقشه. لكن ديورانت سجل الحدث كمسلّمة، حين لم يحشر أية واحدة من أدوات الإحتمال كـ ربما، يقال، قد،،الخ. وكثرة الحروف الحلقية (ع، ح، خ، هـ) حسب قول ديورانت هو أحد معوقات جمالية اللغة. لكن هذا يسري على كل لغات العالم، ما عدا اليهودية. بل هذه الحروف الصعبة عينها جعلت العبرية من أجمل اللغات. ثم لم يمتدح ديورانت اللغات العربية، الفارسية، الهندية التي تحتوي على الحروف الحلقية ذاتها؟
وحتى أيام السبي البابلي، لا وجود لليهود بالمعنى المتعارف عليه، مثلما لا يعرف أحد حتى الآن موقع دولة إسرائيل ولا اسمها التاريخي الحقيقي ولا فترتها الزمنية. كل ذلك افتراء على التاريخ وممالأة لإسرائيل .
رابعا: ومملكة ميتاني التي حاربت فرعون مجهولة، وهي تجاور مملكة بإسم عرقاتا, فراس السواح - الحدث التوراتي، ديورانت، ساكس وغيرهم وهكذا أخفيت مملكة من التاريخ بسبب حرف واحد هو أصلا منسوخ. فالحروف: ت، ث، س، ش، هي ذات أصل واحد وتتبادل النطق حسب الألسنة. والأسماء: شامار، سامار، ثامار، تامار مثلا هي اسم واحد، غيّره اللسان وحسب. ومثل هذا ناتانيا، ناثانيا، ناسانيا، ناشانيا ،،الخ. وحتى لو لم نر أن عرقاتا موجودة إلى اليوم وبالاسم ذاته شرقي نهر الكارون، فالأولى البحث في الخارطة عن الاسم ميتاني الذي يمكن أن يرد على شكل: ميساني، ميثاني، ميشاني. وجميع هذه المواقع كانت موجودة ومتكررة، ومازالت حتى اليوم، ما بين جبال الطيب ونهر دجلة إبتداءً من جنوب الكوت حتى القرنة. بل والموقع موسيان موجود إلى اليوم على الحدود الإيرانية العراقية (40كم شمال شرق عمارا). وإلى اليوم يطلق على هذه المنطقة إيرانيا اسم دشت ميسان وعراقيا سهول ميسان وهو أصلا اسم المحافظة التي مركزها مدينة عمارا الحالية.
أما سبب إخفاء ممكلة ميتاني فهو معلوم، وهو لعبة لاهوتية. فهي تضم أخطر المدن التوراتية من قبيل:يعزر التي تجسس فيها موسى على العموريين، عمارا، هورا، صهيون، حوريب، مديان ،،الخ. فإذا ما تبين أن هذه المدن موجودة شرقي دجلة وليس جنوب شرقي المتوسط، فستسقط وبلا مراء أسطورة الوعد الرباني بفلسطين.
خامسا: الهوامش التي بنيت على الصرخة ذاتها، حيث هي في بعضٍ منها مجانبة تامة لروح وجوهر النص المراد تفسيره على سبيل المثال( ):
"لذلك أحبتك العذارى أي الأمم أدخلني الملك إلى حجاله أدخلني يهوة إلى المعبد بنو أمي غضبوا علي أي الكلدانيون بزمن نبوخذ نصر جعلوني ناطورة للكروم إشارة إلى عبودية السبي إن لم تعرفي أيتها الأجمل بين النساء بمعنى إسرائيل هي الأمة المختارة وأرعى جدائك عند مسكن الرعاة أي على جبل صهيون مقر ملوك إسرائيل تصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان أي الزينة بعد العودة من السبي من فضة جوائز بيتنا أرز وروافدنا سرو الأرز والسرو من المواد البنائية المستعملة من قبل سيدنا سليمان لبناء المعبد والقصر ويعني الشاعر اقتران يهوه وإسرائيل على جبل صهيون كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي تأكيد يهوه بأن إسرائيل لا تزال تتمتع بين البنات بمزية الاختيار أدخلني بيت خمره أي فلسطين بيت خمر يهوه إمسكوا لنا الثعالب الصغار هم جيران السوء السامريون والعمونيون مفسدة للكروم والعرب والفلسطينيون من هذه الطالعة من البرية كأعمدة طلع من البرية أي صعد من أورشليم وهنا من دخان رمز إلى العودة من السبي كخروج ثان هوذا تخت سيدنا سليمان حوله ستون جبارا يقول المفسرين المقصود هنا ليس سليمان التاريخي وليس يهوه بالطبع بل اسم سليمان استعمل كرمز لفترة سلام وسعادة مرتبطين بنهاية العالم اخرجن يا بنات صهيون وأنظرن الملك سليمان هو الملك التاريخي والعرس عرس سيدنا سليمان بالتاج الذي توج به أمه يوم صوفي بين الملك والأمه التي تتوجه عريه كلك جميل يا حبيب ليس فيك عيب إن إسرائيل قد طهرت نهائيا بسبب السبي أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة الجنة المقفلة أو الحديقة المسورة تعني ينبوع مختوم إسرائيل الجديدة بخصبها والأقفال والختم هما الحق الحصري للزوج على زوجته دخلت جنتي يا أختي العروس كلُّ الأحباء هم الإسرائيليون أيها الأحباء حبيبي أبيض وأحمر معلّم بين ربوة وصف الحبيب المهم نوعا ما يحتوي على ذهب أبريز إشارات مستمرة إلى معبد أورشليم وحوض شبه النحاس أي بحر الشبه هن ستون ملكة وثمانون سرية وعذارى بما أن الحبيبة هي إسرائيل فالحريم هي إذن بلا عدد الأمم الغريبة من عبدة الأصنام لنبكرن إلى الكروم هناك أعطيك حبي بهذا الإقتران يتحقق الوعد الجديد والنهائي بين يهوة وإسرائيل تحت شجرة التفاح شوّقتك هناك خطبت تفسره توراة القدس بأن يهوه يوقظ لك أمك هناك خطبت لك والدتك إسرائيل وشجرة التفاح هو رمز لفلسطين وهكذا يرى القارئ الفرق الشاسع ما بين نص النشيد وبين التفسير - الترقيع المقحم والمفتعل له الذي وضعه كهنة التوراة ليبرهنوا على وعد وبلد تائه. مع العلم إنّ التوراة التي من المفروض أن يهوى قالها لسيدنا موسى، هذه التوراة تحدث بأدق التفاصيل عن الزواج والنكاح والأكل، أحيانا بفظاظة وأخرى بإسهاب وتكرار، وأحيانا بتخصيص لا يقبل الجدل كالقول: ((ثور ابن بقر، يقتل قتلا، موتا يموت )) هكذا تحدثت وبإسهاب عن أمور ثانوية صرفة بينما تركت ركائز دينية مثل التفسير أعلاه للتكهنات، أو مسوغا لصرخة هاليفي ( ).
سادسا: يورد الأستاذ هنري ساكس عن الملك الآشوري تغلات بلاصر الأول 1114 – 1076 قوله: تنفيذا لأوامر إلهي آشور فقد قهرت البلدان الواقعة بين الزاب الأدنى والبحر الأعلى الذي في الغرب مضيت إلى لبنآني حيث قطعت أخشاب الأرز لبناء( معبد آنو) وحدد ثم تحركت نحو آمورو وأخذت كل بلاد آمورو تلقيت الجزية من جوبال وسيدوني وأرمادا وعبرت بسفن أرواد عند شاطئ البحر إلى مدينة ساموري على مسافة ثلاثة أميال مضاعفة داخل البر وقتلت النهيرو التي يسمونها هناك حصان النهر، في بلاد آمور. وفي طريق عودتي أخضعت بلاد حاتي وفرضت على ملكها الجزية وتعليقا على هذا النص يقول ساكس: قد أهدر المفسرون الكثير من الحبر والورق ليعرفوا ما المقصود بالنهيرو هل هو الدلفين أم هو نوع من الحيتان، وأن سيدوني هي صيدا ،،الخ ثم يضيف قائلا: إن التاريخ الأرخيولوجي يسكت سكوتا تاما عن الملكين سيدنا داوود و سيدنا سليمان ولم يعثر لهما على أثر، وإثر ذلك راحت دولة إسرائيل تحت حكم سيدنا داود و سيدنا سليمان تتوسع لتمتد حتى نهر الفرات لفترة وجيزة مما يدل على وهن الآشوريين( )وهكذا، فالتاريخ الأحفوري قطع بلا وجود للملكين الإسرائيليين سيدنا داوود و سيدنا سليمان لا في الشام وساحل المتوسط الشرقي ولا فيما دعي بـإسرائيل لاحقا. وهذه حقيقة يعترف بها الأستاذ ساكس. لكنه رغم ذاك اتخذ إدعاء التوراة بامتداد سلطة هذين الملكين الإسرائيليين إلى الفرات، إتخذه دليلا على ضعف سلطة الآشوريين! أي إنه اختلق دليلا كاذباً للبرهنة على تحليل علمي.
وساكس يعتمد نص تغلات بلاصر أعلاه كبرهان أحفوري ويعتمد محتوياته كلها لكن ليس فيما يخص ((النهيرو)) الذي عرّفه هذا النص وبما لا يقبل الجدل على إنه حصان (فرس) النهر. مع ذلك أثار ساكس الشك عمّا إذا كان النهيرو هو الدلفين أم الحوت. ذلك لأن ساكس يعتنق التفسير السياسي للتوراة، الذي يقول إن هناك ساموراً واحداً تاريخيا وهي في إسرائيل الحالية. وإسرائيل الحالية هذه على ساحل البحر. وفي البحر لا يعيش فرس النهر بل الحوت والدلفين. ولابد من تكذيب الأحافير لتصدق بالمقابل التوراتوسياسة. وقد قطع التاريخ والجغرافيا معا بعدم وجود ميناء اسمه أرواد على ساحل المتوسط الشرقي ولا مدينة اسمها سامورا في البحر ليركب إليها تغلات بلاصر من ميناء أرواد هذا. وصور التي إفترضها ساكس وغيره هي سامورا، صور هذه حقا كانت تبتعد عن الساحل، ولكن بأقل من كيلومتر واحد حيث ربطها الإسكندر بطريق ترابي فجعلها ضمن الساحل اللبناني لا يحتاج الوصول إليها سوى ست ساعات بتوقيتنا الحالي ولنا عودة مع مواقع نص تغلات بلاصر لاحقا.
إن فرس النهر يعيش في الأنهار والمناطق الغدقة حيث النباتات الكثيفة في منطقة ساميرو الحقيقية 200كم شرق الأهواز المحاطة بالأنهار وأهمها فروع الكرخة والكارون.
وهناك مغالطات كبيرة وخطيرة فيما ذكرناه أعلاه وخاصة تفسير الكلمة السومرية البابلية (( سار )) التي لها أخطر الأثر على ميثولوجيا التوارة.
مع ذلك كله فإن صرخة هاليفي هذه، لم تطن في آذان الباحثين من اللاهوت اليهودي المسيحي وحسب، بل تخطته لباحثين، يفترض أنهم أبعد ما يكونون عن الإستشراق التوراتوسياسي في بحث التراث.
وأورد بعض الأمثلة التي تعزز ما جاء أعلاه من مجموعة من مفكري الاستشراق الماسوني العرب من أمثال فراس السواح ،أحمد الدبش ،فاضل الربيعي ،.سيد القني ، كمال الصليبي:-
أولا: رغم فطنة فراس السواح ودقة تحليلاته، أراه تأثر في موقع واحد على الأقل بالفكر السائد. فقد أورد نصا من (أنشودة دبورة) الواردة في سفر القضاة، على الشكل التالي: ((جلعاد في عبر الأردن سكن. ودان لماذا بقي مرتاحا. وأشير لماذا أقام على ساحل البحر وفي فُرضه سكن ( الحدث التوراتي ص 222) )وللنشيد نصٌ هو: ((جلعاد في عبر الأردن سكن. ودان لماذا إستوطن لدى السفن. وأشير أقام على ساحل البحر وفي فُرضه سكن )) مما يتبين مما تقدم أن أي السيد السوّاح أبدل كلمة السفن بكلمة مرتاحا حيث أن التوراة لم تقل مطلقاً أنه عبر الأردن أي هو نهر الأردن الحالي،( ) والنص العبري للتوراة أورد كلمة (نيوت) فقط، والتي تعني السفن وليس غيرها، كما ذكر الأستاذ فراس نفسه لكن الفكر التوراتوسياسي السائد يدعي أن سبط دان سكن عند نهر الأردن الحالي. ولا تمخر السفن البحر الميت الذي ينتهي به نهر الأردن كما هو معلوم قديما وحديثا. والأستاذ فراس أبدل كلمة (سفن) بـ (مرتاحا) تماشيا مع ادعاء هذا الفكر وليس مع وقائع الجغرافيا. ووقائع الجغرافيا ستثبت أن دان سكن عند البحر حقا - عند آب دان، على الجانب الشرقي لشط العربــة مما يُدحض ادعاء السَّواح .
ثانيا: في صفحات متفرقة من كتابه ((النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة)) قال الدكتور قمني ما يلي: إن خليج السويس هو الخليج العربي، وكان عدد ملوك بابل العرب وعددهم 9 (تسعة) الذين حكموا نحو 225 عاماً و أن كلمة حمورابي تعني الحمار فهي مُركبة من (أبي والحمور) أو من البتراء لأن تلالها حمراء وهو ما يشابه لغويا إسم الحمار، ومن الحمار جاء اسم الحميريين ويذكر أن كان تبادل الرسائل نشيطا بصفة خاصة مع ملكي بابل كادشمان إنليل وبورنا بورياش،، وهذان الاسمان أفريقيان والبان والتين هما شجرة واحدة ووادي السدير هو وادي سيت أو سيترويت وهو وادي الساتير حيث قامت مدينة الفرعون رعمسيس وفيثوم، وفيها قصر الفرعون السديرالذي تغنت به العرب إلى يومنا هذا وتبين رب الخورنق إذ أشرف يوما وللهــدى تغمير سره حاله وكثر ما يملك والبر معرضــا والسديــر والبحر المعرض هنا هو قناة سيزوستريس، وقصر الخورنق هو قصر الكرنك وهو القصر الشتوي الذي يسكن به فرعون مصر بينما السدير هو قصره الصيفي وفيهما قال الشاعر دعبل الخزاعي: ولقد شربت من المدامة بالصغير وبالكبير فإذا إنتشيت فإنني رب الخورنق والسدير، ولقد كان في مصر بركاناً في زمن موسى لكنه همد ونهبت الناس أحجاره لذا لم يبق له أثر، ويقول معجم أوكسفورد أن البيرسيا شجرة مقدسة في فارس ومصر والحُور بلغة العراقيين تعني غَرْب أي جهة الغرب، وإسحق هو الأله الضاحك أو الضحاك ( ).
وتراث العرب التاريخي والأدبي يقول إن قَصْرَي الخورنق والسدير في الحيرة، وإن الخورنق عربيا تعني جرو الأرنب، والسدير كلمة معربة من (سه دلّي) الفارسية التي تعني: ذي الثلاث شعب كما جاء في لسان العرب كما لم تذكر المصادر بوجود ملك أفريقي على بابل. وتنفي مبادئ الجيولوجيا، أن بركانا ما في جبل كاترين كان ناشطا وهمد ومسح عن الأرض نهائيا بسبب نهب أحجاره. ذلك وبكل بساطة، أن أحجار البركان، مهما صغر حجمه تكفي لبناء مدينة بكاملها، وهذه الأحجار لا تتعرى وتذوب بسهولة، فأين هي المدينة المبنية بالأحجار البركانية حصرا؟ والدكتور قمني مسلم ولابد أنه يعرف الآية القرآنية " والتين والزيتون " التي تحكي عن التين ومواطنه، بحيث لا حاجة للبحث في معجم أكسفورد أو غيره. وكلمة الحور في جنوب العراق فعلا تعني الغرب ولكن بفتح الراء وليس تسكينها. وشجر الغَرَب هو الحور النهري تحديدا. أما ضحك الفَرْج المشار إليه، فنضع مسؤوليته على من تجرّأت وتحدثت عن خصوصيات ضحكها( ).
ثالثا: وكان كلام فاضل الربيعي قد جاء فيه أخطر الانحراف حيث قال ما يلي: ((وبطبيعة الحال لم تكن اليهودية أبان ظهورها في الجزيرة العربية كديانة توحيدية تعمل خارج نطاق معتقدات القبائل العربية القديمة، ولعل في نسبة بناء مدينة تدمر إلى الجان وإرم إلى القهرمانات وأنن إلى الآلهة ما يشير إلى أن المدينة في الأصل كانت منشأة ذات مصدر إلهي. فالخلط بين إرم ودمشق على عهد معاوية كان مقصودا من قبل الجماعات الخارجة عن جماعة المسلمين وقتها والذين سكنوا الصحراء بعيداً عن المدن ، لقد كان عليها أن تقوم بهذا الخلط المقصود تعبيرا عن رغبتها في استرداد الجنة الأرضية التي خربها سيل العرم في مأرب. الظن أن الخروج الإسرائيلي كان سيستهدف أصلا العودة إلى المكان المقدس الأول. ومن الجائز أن نقرأ قادش على أنها مكة، وأن شعب إسرائيل يندرج في مجموعة قبائل العرب البائدة، محاولة مسيحية من قبل للانتشار في الجزيرة لمواجهة يهود فارس و إضرام النار بإبراهيم هو إشارة ميثولوجية على تحطيم مدينة لذا خرج إبراهيم من المدينة المحطمة بفعل الطوفان إلى الصحراء، وخروج بني إسرائيل من جنة مدمرة إلى الصحراء، والخروج الإسرائيلي يشكل بنظرنا تعبيراً دينياً من تعبيرات وتجليات عقيدة خراب الجنة أو الطرد منها لتأسيس جنة بديلة. والخروج الإسرائيلي برأينا مجرد صدى من أصداء التجربة التي عاشتها العرب البائدة قبل ظهور إبراهيم بوقت طويل في عصر الهجرات الكبرى أو ما يعرف بالهجرات السامية التي أسست سلالات حاكمة في بلاد ما بين النهرين والشام) (إرم ذات العماد ص 48، 67، 83، 149، 262، 376)
ومما تجدر الإشارة أن الفرق الزمني بين غزو أبرهة الحبشي لمكة، وبين فتح المسلمين لفارس، هو 70 سنة فقط. فأين ذابت اليهودية خلال هذه الفترة الوجيزة في دولة فارس المترامية الأطراف، فلما فتحها المسلمون، لم يجدوا غير الزرادشتية والشامانية والمجوسية وكأن فارس كانت تنتظر الإسلام لدرجة أن كلمة ( فتح ) تكاد لا تناسب ذلك الواقع، حيث إنتشر الإسلام بسرعة البرق في كل فارس المترامية الأطراف، وأصبحت مرفداً للفكر الإسلامي بحيث خرَّجت العديد من فلاسفته وعلمائها وإذا كان اليمن مصدر اليهودية فمن أين أتته؟ ولم ذابت إسرائيل في اليمن ولم يبق لمملكتها أثر يذكر، وكم هي نسبة معتنقي اليهودية في الجزيرة العربية التي إنتشرت اليهودية( )
منها ولا بد أنها جرأة عالية في التطاول على كل الديانات السماوية من الأستاذ فاضل حين عالج المأثور الديني عبر مجال الحلم والأسطورة؛ الفرع الذي هو أعقد مجالات السايكولوجيا. ونحن لا نراه توفق باستنتاجات أعلاه كأن يكون خروج إبراهيم من النار حيـّا هو انعكاس لحلم الخروج من المدينة المدمرة لغرض البحث عن الجنة، وأن النار ذاتها هي انعكاس عن رمز أسطوري للطوفان، وأن الخروج الإسرائيلي انعكاس لحلم . وهنا نذكر أن طقس الخروج من النار، لازال قائما إلى اليوم في الشامانية والمجوسية. حيث تحرق فرشة من الحطب، ثم وحين يهفت اللهب يسير العابد على الجمر. وبالتالي لا مبرر لإنساب حادثة خروج سيدنا إبراهيم من النار للحلم المعكوس ولا لنقيضها بافتراض أن النار هي الطوفان، أي غمر الماء. وإبراهيم كلداني كما يفهم عنه وعاش قرب مدينة كلد (خلد) التي كانت تمجد عبادة آتون (الشمس) وأحد تجلياتها النار وأنه عاصر تلك الحقبة .
رابعا: والاستنتاجات الأكثر مدعاة للحيرة والأسف التي وردت في كتاب السيد كمال الصليبي:التوراة جاءت من جنوب الجزيرة العربية في كتابه التوراة جاءت من جنوب الجزيرة العربية وخفايا التوراة وهي استنتاجات أدخلت لأول المرة عنصراً جديداً في تناول التراث، ألا وهو الخرافة الملبسة بفذلكة السبق الصحفي. وأعني بالسبق الصحفي هو تقديم الحدث وكأنه اكتشافٍ ما، مزوقا بالربّماهات والأظنهات جمع ربّما وأظن ليعفي المكتشف نفسه عن العهدة بينما يقع بها من يصدقه. فالسيد كمال الصليبي، لكي يبرهن على أن التوراة جاءت فعلا من اليمن، تراه يعتمد التحوير اللفظي الميتاتونزم بطريقة كيفية تماما. على سبيل المثال، قال إن قرية جعافر اليمنية، هي ذاتها مدينة قرعوش التوراتية. ذلك لأن الكلمة جعافر تحتوي حرفين من كلمة قرعوش وهما ع ر كما اعتبر أن قرية طناطن اليمنية هي مدينة نيتينيم التوراتية، وكذلك عثابيات هي طباعوت، وكرباس هي برقوس، ورصفة هي هسوفرت، والقائم هي أدونيقام ومشاجب هي مغبيش، وضيق هي زكاي، ومفاتيح هي نفتوحيم، وشرفات هي فتروسيم، ورفقات هي كفتوري، وجرعان عقرون، وآل شريم هي أورشليم، ومساك هي دمشق. وهذا النمط من الاستنتاجات، إن أبعدناه عن نظرية المؤآمرة المبنية على صرخة هاليفي، يلقي بالبحث إلى عقلية دون مستوى الحكاية الشعبية. وبقدر ما رد الأستاذ فراس السواح على الكتاب الأول للصليبي( ) سنعطي نموذجا للمنهج البحثي للأستاذ كمال الصليبي من كتابه ((خفايا التوراة )). فالصليبي يقول فيه: ((ويبدو أن الحنش أيضا كان من الآلهة الموجودين ويبدو أنه كان إلها مساعدا، وربما كانت حواء إلهة للأمومة، ومساعدة لقبيلة أو قرية آل الحياة. لأنه هناك قرية في وادي بيشة اسمها آل حيّة وهو اسم حواء وهناك قرية اسمها آل سلعي وهو اسم قريب من الضلع والضلع هو كإله، وهناك قرية اسمها آل حنيش. وكلمة دعيا لغويا من العبرية تعني معرفة وهناك قرية اسمها الدعية أو آل دعية. وشجرة المعرفة المذكورة في التوراة، هي شجرة لقبيلة أو قرية آل دعيا. وربما أراد الرب يهوه أن يعتدي على آل دعيا وآل حياة فخلق الإنسان من تراب من وادي أدمة القرية المجاورة لهاتين القريتين ثم قام بغرس أشجار في مكان كان أصلا لآل دعية وآل حياة. وكان الرب عارفاً بأن آل دعية وآل حياة أنهما لابد أن يسلبوا الإنسان منه. لأنه خلقه ليساعده. لذا نبهه أن لا يأكل من آل دعيا وخدعه ولم يخبره بوجود آل حياة، فأكل سيدناآدم من أشجار آل دعيا، فأسرع الرب وطرده من الجنة قبل أن يأكل من آل حياة. لأنه لو أكل من قرية أو قبيلة آل حياة، فسيصبح من الآلهة ويخلد! ومن هنا، فأسطورة خلق الإنسان قد وقعت في اليمن بين القريتين آل دعية وآل حيّة. والدلائل التي تدعم ذلك هي قرية البوالة بمنطقة محايل والتي هي هابيل، ووادي تولب هو توبال ابن لامك، ولامك هو مالك، ومهلئيل هم بني مهلهل وهكذا، يحور الأستاذ الصليبي الاسم كيفما يشاء وبشكل خارق للعادة، و لا يضع استنتاج جغرافي فحسب بل وهيكل أسطوري أيضا فمن المضحك والمؤسف أيضاً أن الإله حسب نظرية الصليبي خلق الإنسان في اليمن لكي يساعده وبالتحديد خلقه بين قريتي قبيلتي آل دعيا وآل حياة، أي بين قبيلتين بشريتين موجودتين كغيرهما من آلاف القبائل البشرية. أي إن يهوه خلق الإنسان، بعد أن تناسل البشر وصاروا شعوباً وقبائل وقطنوا الأرض وشيدوا القرى، التي منها قريتا آل دعيا وآل حيّا والبحث يستمر فالأستاذ الصليبي في استنتاجاته قال: وقد حدث الطوفان من السيول الجارفة في اليمن، وسيدنا نوح هو نح وهو إسم قبيلة تعرف اليوم باسم النحايين ويمكن أن نفترضها من قبائل اليمن، ولابد أنهم كانوا يصنعون طوافات من الخشب مطلية بالقار يستخدمونها للتنقل فوق المياه أثناء الحاجة. فلا وجود للسفينة في الطوفان، بل الأمر يخص دواب التنقل، وعليه فإن 150 يوماً التي بقيت فيها مياه الفيضان فوق الأرض في أسطورة الطوفان، لا علاقة لها بالسفينة، وإنما تتلخص أو تنحصر في الفترة التي قضتها قبيلة نوح في الرحيل من وادي نجران إلى وادي أرط بجبل طويق، والمسافة هي 750كم، حيث سارت القبيلة بمعدل 5 كيلومترات يوميا سيرا أو ركوباً على البغال وهو المعدل العادي لمثل هذا السير. بينما الـ 163 يوماً التي مضت ما بين استقرار الفلك على أراراط وجفاف المياه، كما تقول الأسطورة، فهي مدة انتقال قبيلة نوح من منطقة أرط إلى الطابة في جبل سلمى. والمدة المستغرقة هي 57 يوماً التي قضاها سيدنا نوح ما بين جفاف المياه وخروجه من السفينة و هي مدة الرحلة ما بين جبل سلمى ونحا وهي تقدر ب500كم بمعدل 8 ونيف كم يوميا. وبرج بابل لم يكن في بابل بل في الطائف، وأبرام يمني وكلد في اليمن، وأبرام هو أبو رهم في جبال السراة. وخظم طاوي في عسير تهامة هي ختم طئوي أي في مصر. وفلسطين هي قرية في الجزيرة العربية وهكذا أبعد الصليبي أحداث التوراة عن موقعها الأصلي بفذلكة مضحكة. ثم ألغى وبدون أية مبررات بحثية سفينة الطوفان وأحل بدلها حيوانات ركوب، وألغى سيدنا نوح ووضع بدله نحايين وألغى المواقع المعلومة في الطوفان ووضع بدلها جبال سلمى والسراة وأرط، ورهم ،،الخ. وهنا إما أن يكون الرقيم الذي يحتوي على نص ملحمة جلجامش والذي يعود إلى خمسة آلاف عام على الأقل، إما أن يكون هذا الرقيم كاذبا أو أن يكون الأستاذ الصليبي مخطئا في استنتاجاته بعيداً كل البعد عن الحقيقة ، لكن ما يقولوا الحقيقة لا تغطى بغربال . أو إما أن يكون كاتب نص الملحمة تذاكى علينا وغَيَّرَ في الوقائع، أو أن الصليبي اخترع قصصاً وروايات تشطب أي حرمة للمأثور وتلغية كتراث بشري.
ومن المضحك فعلاً أن الأستاذ الصليبي ينسى أبسط الوقائع ومنها أن المترحل الماشي سيقطع ما لا يقل عن 30 كم2 يومياً، بينما الراكب سيقطع ضعف هذه المسافة، وليجرب السيد الصليبي هذا بنفسه إن أراد الحقيقة فلو تمعنا في كتابي كمال الصليبي "التوراة جاءت من الجزيرة العربية" و"خفايا التوراة " لنجد أن كمال الصليبي يقلب الحقائق ويحاول أن يهدم الكتب السماوية بكلام ومعلومات ملفقة ومفبركة خدمةً لآرائه المشكوك فيها وينسف جذور الديانات السماوية والنظريات التاريخية من أساسها وموجز النظرية الجديدة أن فلسطين لم تكن أرض التوراة ، أي أرض موسى وملوك بني إسرائيل ، بل كانت البيئة التاريخية والأرض الحقيقية للتوراة هي الأرض المعروفة ببلاد السراة ، وهي تقع غرب شبه الجزيرة العربية ، من الطائف شمالاً حتى مشارف اليمن جنوباً ، والنهج الذي اعتمده المؤلف في كتابه " التوراة جاءت من جزيرة العرب " للوصول إلى هذه النتائج هو نهج المقارنة اللغوية بين أسماء الأماكن التي وردت في التوراة باللغة العبرية القديمة ( وقد كتبت بالأحرف الساكنة من دون حركات) ، وبين الأسماء العبرية المتداولة حالياً في هذه المنطقة ، وعلى الرغم من فارق ثلاثة آلاف سنة بين العبرية القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد وبين العربية اليوم ، فإن التمييز فوري كما رآه المؤلف بين أصل أسماء هذه الأماكن بالعبرية القديمة ، وبين شكلها العربي الحاضر . وبمعنى آخر فقد اتضح للمؤلف عبر البحث في " الجغرافيا التاريخية للتوراة" أن موطن معظم أسماء الأماكن الواردة في التوراة هو شبه الجزيرة العربية . أما بالنهج المقابل ، فإنه لم يثبت حتى الآن وجود هذه الأماكن كلها في فلسطين ، وتعليل المؤلف لوجود البعض من هذه الأسماء في فلسطين وخصوصاً بين أسماء المدن هو أن اليهود وكذلك غيرهم من فلسطينيين وكنعانيين قد أطلقوا الأسماء القديمة نفسها التي ألفوها في شبه الجزيرة على أماكن سكناهم الجديدة في فلسطين بدافع من الحنين .
ولما كانت المقارنة اللغوية وحدها لا يمكن الاكتفاء بها في معرفة التاريخ فعلى الباحثين إعادة النظر عبر القيام بدراسات في العديد من الاتجاهات وتشمل الدراسات إعادة قراءة نص التوراة العبري القديم بعيداً عن التصويت التقليدي ، المقارنة مع النصوص القرآنية بشأن التاريخ القديم وبني إسرائيل ، المقارنة مع الأسماء والمعلومات الواردة في مؤلفات القدماء من المؤرخين والجغرافيين ، دراسة جغرافية مفصلة لطبيعة غرب شبه الجزيرة العربية اليوم ، المقارنة بين الأسماء الحالية والأسماء التوراتية ( )
إن الحكم على هذه النظرية هو بحاجة فعلاً إلى الدراسات المتعددة المشار إليها غير أن هناك نقطة رئيسية تتعلق بالنهج اللغوي المقارن ، فهذا النهج على أهميته لا يؤدي بحد ذاته إلى أدلة قاطعة ، إن لم نقل إلى مؤشرات ثابتة وخصوصاً عندما تتناول الدراسة المقارنة اللغات السامية بالذات ، والعربية والعبرية منها على وجه التحديد فهي من منبع واحد ، مما يسمح بالتمادي غي استعمال النهج نفسه لإثبات الشيء ودحضه ، فما قام به كمال الصليبي لإثبات نظريته هو تكرار لما قام بمثيل له مجموعات من علماء اليهود والصهاينة وعبر أجيال لهدف علمي معلن عنه ، ولأهداف سياسية غير معلنة فهم يردون أسماء الأماكن في فلسطين إلى أصول عبرية لغوية ، حتى تلك التي ثبت وجودها قبل وجود العبرانيين أنفسهم . وباختصار فإن مقدار النجاح في هذا الاتجاه لدليل على القربى اللغوية أكثر من كونه دليلاً على الجزم بلغة الأصل .
وبصدد الردود العلمية التي صدرت للرد على أطروحات الصليبي يبين الدكتور أسامة أبو نحل هشاشة هذه النظرية فيقول : " الدكتور الصليبي الواردة في كتابه، حاول الوصول إلى نتيجةٍ ما، وكانت النتيجة التي وصل إليها، أن حركة تاريخ الكنعانيين وبني إسرائيل ثمَّ اليهود لم تكن أساساً في فلسطين، بل في جنوب غرب الجزيرة العربية، خاصةً فيما يحيط بمنطقتي عسير وجيزان، ودلل على صحة نظريته هذه بوجود عدد كبير من أسماء المدن الموجودة في تلك المناطق شبيهةً بأسماء المناطق الموجودة في فلسطين، أو بمعنى آخر أن الكنعانيين والإسرائيليين لمَّا هجروا موطنهم الأول في غرب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين، حملوا معهم أسماء مدنهم كنوعٍ من احتفاظ المهاجر الجديد بما يربطه بموطنه الأصلي.
وفي هذه الدراسة التي بين أيدينا سوف نقوم بذكر ما ذهب إليه الدكتور الصليبي والرد عليه إن اقتضى الأمر الرد .
يقول الدكتور كمال الصليبي في كتابه ص27: "لقد كان الأمر عبارة عن اكتشاف تمَّ بالصدفة، كنت أبحث عن أسماء الأمكنة ذات الأصول غير العربية في غرب شبه الجزيرة العربية عندما فوجئت بوجود أرض التوراة كلها هناك، وذلك في منطقة بطول يصل إلى حوالي 600 كيلو متر وبعرض يبلغ حوالي 200 كيلو متر، تشمل ما هو اليوم عسير والجزء الجنوبي من الحجاز، وكان أول ما انتبهت إليه أن في هذه المنطقة أسماء أمكنة كثيرة تشبه أسماء الأمكنة المذكورة في التوراة، وسرعان ما تبين لي أن جميع أسماء الأمكنة التوراتية العالقة في ذهني، أو جلها، ما زال موجوداً فيها، وقد تبين لي أيضاً أن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري، سواء من ناحية أسماء الأمكنة أو من ناحية القرائن، أو من الإحداثيات، تتطابق تماماً مع خريطة هذه الأرض. وهي حقيقة ذات أهمية ، ويرى الدكتور أسامة أبو نحل في موضع آخر :
إن ما أورده الدكتور الصليبي لإثبات حق هو في الواقع ثابت للكنعانيين في وجودهم في فلسطين قبل مجيء بني إسرائيل إليها، فالكنعانيون بالفعل هاجروا إلى فلسطين من الجزيرة العربية قبل أي شعبٍ سامي آخر، ولم تعرف البلاد شعباً سامياً استوطنه قبلهم. أما بنو إسرائيل فقد قدموا إلى فلسطين كمحطة توقف لا أكثر ثمَّ رحلوا عنها زمن سيدنا يعقوب إلى مصر وعاشوا في مصر فترة طويلة من الزمن تجاوزت الأربعمائة عام، ممَّا يدلّل على إن فلسطين لم تكن آنذاك مناسبة لإقامتهم بها، وإلاَّ لِما تركوها ورحلوا عنها طيلة هذه المدة.
أولية، نظراً لأنه لم يثبت بعد إطلاقاً تطابق الخريطة الموصوفة في التوراة مع خريطة الأرض بين "النيل والفرات" التي اُعتبرت حتى اليوم أنها كانت بلاد التوراة.
ويخلص الدكتور أبو نحل إلى نتيجة مفادها :أن ما ذكره الدكتور الصليبي لا يمكننا الاعتداد به، لأن مدينتي غزة وعسقلان أصلاً مدن كنعانية ولم يكن الفلسطينيون سوى قاطنين لهما، أما المدن التي ذكرها الدكتور الصليبي على أن الإسرائيليين قد أعطوا أسمائها لها في فلسطين على أنها موجودة أصلاً في بلادهم الأصلية، فتلك زلة لسان وقع بها، فهو بذلك يعطي اليهود الحق في إدعاءاهم بأحقيتهم بمدينة أورشليم وجرزيم والكرمل وغيرها من المدن، لأنه من الثابت أن جميع هذه المدن مدن كنعانية صِرفة، أسسها الكنعانيون بأنفسهم، كما أننا لو سلّمنا جدلاً بإدعاءات الدكتور الصليبي، فهذا يعني أن فلسطين قبل ذلك التاريخ لم يكن لها تاريخ، وهو يساوي بذلك بين بلدٍ كفلسطين معروف على مستوى الشرق الأدنى وبين أماكن أخرى تمَّ اكتشافها لأول مرة، فأعطاها المهاجرون أسماء مدنهم التي هجروها، فعلى سبيل المثال نجد بلداً كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، تعتبر جلّ أسماء مدنها أسماء لمدنٍ قديمة وعريقة موجودة أصلاً في بلدان المهاجرين إليها مثل مدينة لندن في إقليم أونتاريو الكندية المأخوذ عن مدينة لندن البريطانية العريقة، والمعروفة منذ زمنٍ بعيد، ومدينة فيلادليفيا في الولايات المتحدة الأمريكية المأخوذ عن مدينة فيلادليفيا (عمَّان) في شرق الأردن، ومدينة الإسكندرية الموجودة أصلاً في مصر وغيرها من الأسماء كثير مثل مقاطعة ويلز الجديدة في أستراليا المأخوذ عن أسم مقاطعة ويلز البريطانية.
إذن، فأسماء المدن التي ينقلها المهاجرون إلى مواطنهم الجديدة ليست دليلاً على ما ذهب إليه الدكتور الصليبي، لأن بلداً كفلسطين كما أسلفنا القول ليس بلداً حديث النشأة تمَّ اكتشافه بالصدفة من قِبل المهاجرين إليها، بل سكنته الشعوب عن طريق الإزاحة وهزيمة الشعوب التي كانت موجودة فيها أصلاً، فالكنعانيون عندما قدموا إليها وجدوا بها شعوباً تمكنوا من هزيمتها والاستيلاء على أراضيهم، وهكذا فعل بنو إسرائيل وغيرهم.( ) "
المراجع:
-د.محمد أحمد دياب،"أضواء على اليهودية من خلال مصادرها"،دار المنارة ،القاهرة 1985
2- خزعل الماجدي: متون سومر ص24.
3-سفر أشعيا الإصحاح الثاني
4- ول ديوارنت: "تاريخ الحضارة" ،الجزء الثاني،جامعة الدول العربية ،إدارة النشر ،ترجمة محمد بدران وزكي محمود ،ص329.
5-خطيئة أونان، سفر التكوين
6- راجع كتاب ديوان الأساطير: سومر وأكد وآشور ص198
7-النص في نشيد الإنشاد: التفسير توراة القدس
8- هنري ساكس: جبروت آشور ص97 وما بعدها.
9- فراس السواح: الحدث التوراتي ص222
10- الدكتور قمني: النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة ج2 -ص524-600
11- للمزيد راجع :جواد علي:"تاريخ العرب قبل الاسلام"،دار العلم للملايين ،بيروت الطبعة الثانية 1968 ،الجزء الثالث
12- عبد الكريم عكاشة :"يهود اليمن والهجرة إلى فلسطين1881-1950" ،الطبعة الثانية ،غزة 1998
13- راجع الحدث التوراتي والشرق الأدتى القديم- فراس السواح.
14- كمال الصليبي ، "التوراة جاءت من جزيرة العرب" ، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت : مؤسسة الأبحاث العربية ، 1985) ، ص61-71.
15-د.أسامة أبو نحل،"نظرية الدكتور كمال الصليبي وتاريخ فلسطين القديم"