أيام اشتراكية..
وهموم اجتهادية
د.هبة رءوف عزت
بعد عامين من التأجيل للانشغال في متابعة حركة حقوق العمال والتفكير في تداعيات وتجليات أزمة شرعية النظام المصري، وأزمة الرأسمالية، والدوران في طاحونة الشواغل اليومية للبشر العاديين، يعود مركز الدراسات الاشتراكية لتنظيم «أيام اشتراكية».. مؤتمره السنوي الذي يبدأ أعماله يوم الخميس المقبل وينعقد الجمعة والسبت، وذلك بنقابة الصحفيين، ويجمع أصحاب هموم العدالة الاجتماعية والديمقراطية من شباب اليسار خاصة وشباب آخرين يهتمون بمتابعة أفكار اليسار وإن لم يعتنقوا المنظومة الأيديلوجية كاملة
شباب الاشتراكيين يرسلون للمهتمين دعوة مفتوحة لمناقشة الأزمة المالية وتداعياتها التي يحاول الاعلام تجاهلها، وقضايا الشباب، وسيناريوهات تغيير النظام في مصر المحروسة، وواقع العمال، وتقويم سياسات أوباما حتي الآن، ومستقبل اليسار، والرأسمالية ومأزق سياسات البيئة وغيرها من القضايا الفرعية.
كتبت سلفاً هنا وفي مساحات أخري أن أحد الأخطاء التاريخية للصحوة الإسلامية هي اختزالها الاشتراكية في الماركسية، ثم اختزال الاثنين في الإلحاد. بسيطة خالص وسهلة ومريحة، لكنها حسبة غير دقيقة وثمنها السياسي فادح.
حرم هذا الموقف التبسيطي الفكر الإسلامي المعاصر من مساحة متاحة لفهم أطروحات غاية في الأهمية هي بمثابة الدليل الإرشادي لفهم كوارث الرأسمالية وأزمات الليبرالية في مرآة خصومها التاريخيين في عصر الأيديولوجيا، خرجنا من بينهما سالمين وتجاهلنا صلة هذا الجدل بهموم أصحاب الدين وحسبنا أننا بذلك تجنبنا «الكافرين»، والحق أننا أهدرنا فرصاً للتعقل والتدبر ومساحة تقاطع في مناهضة الذين يكفرون بالدين فعلاً وهم الذين- بنص القرآن- لا يحضون علي طعام المسكين.. من كل ملة عبر الأزمنة والسنين. فالنضال الاجتماعي والسياسي يسع كل أحد، و السياسة في النهاية تفاوض مستمر وتقاطع لا فكاك منه بين مصالح آنية ومنظومات فكرية.
منذ أيام أعلنت عن أيام اشتراكية في صفحة الفيس بوك، فأرسل لي بعض أصدقائي الذين يصغروني بأكثر من خمسة وعشرين سنة معترضين، وانتقدوا قولي في الدعوة أنه «من المهم أن يختبر ويشحذ المرء أفكاره في مرآة فكر آخر»، وأننا يجمعنا الهم.. والوطن. قالوا لا نستطيع أصلاً أن نفهم أو نتكلم مع هؤلاء الاشتراكيين ولا نري في مرآتهم أي شيء، أما القنبلة الحقيقية فقد جاءتني من مجهول أرسل لي رسالة علي الموبايل في السادسة صباحاً (!) يقول فيها «اتقي الله ولا تدلي الناس إلا علي الشريعة والدين».. وأنا لا أضيق بالنصح والتذكرة لكن أضيق أولاً بعدم المواجهة.. والرسائل التي لا تحمل توقيعاً، وأضيق بأن نتجادل حول تعريف قضايا شريعة الله علي شاشة فودافون، خاصة أن معني الشريعة في المجال السياسي مناطه العدل والحكمة والمصلحة، نتقاطع فيها مع من يقدمون سياسات ورؤي بديلة حتي وإن اختلف مفهومنا للتدين الفردي، والله أعلم بالسرائر.. حجة بحجة ومصلحة في مقابل مصلحة أشمل.. وقد قابلت في حياتي من يكذبون بالدين وينطبق عليهم آية «ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون»، وأعرفهم جيداً، وأعرف في المقابل خصوصيات بعض من لا يجهرون بصلاتهم لكن لا يدعُون اليتيم ويحضون حضاً علي طعام المسكين. وفي حين ينشغل بعض جهابذة من يسمون بالوهابيين بإحكام نقابهم علي وجوه النساء وصولا للفتيا بأن من تتعرض للمنع من ارتدائه عليها أن تلزم بيتها وتهجر جامعتها أو مدرستها، نجد قطاعات واسعة من النساء تتعرض للظلم وانتهاك أبسط حقوقهن الشرعية في إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وهم صامتون، في حين أدمنت تيارات العمل السياسي الإسلامي خلافاتهم وسكنوا إلي شاشاتهم وقطبوا جباههم وتبنوا الغلو في آرائهم، فأصبح المناخ العام في مجالنا الاجتماعي والسياسي مشتت مفتت يحكمه التنازع علي السلطة والنفوذ، علي جثة الدعوة.. وجثة النساء.. وجثة الفقراء المستضعفين.. وجثة الوطن. ومن الدولة للمعارضة للأزهر للإخوان للكنيسة.يحكمنا جيل ثمانيني يترك من بعده للوطن ميراث فرقة وتباغض واستبداد..
علي جانب آخر قرأت أن رأي الأزهر ما زال معارضاً لما ذهبت إليه دار الإفتاء من جواز إعطاء طالب الزواج من مال الزكاة، وقد تجاوزت في عقلي وفي فعلي هذا الجدل منذ سنين طويلة لأنني فهمت في منطق الوحي أن فلسفة الزكاة سد الحاجات الأساسية، والجنس حاجة أساسية. انتهي! لكن يبدو أن بعض أئمتنا لا تنقصهم دروس في الفقه لكن تنقصهم دروس في علم الاجتماع.. وقليل من التزكية ليروا- ولو أحياناً- بعين البصيرة.
لكنني سأظل أحلم، أحلم بيوم يجلس فيه الرفقاء الاشتراكيون لينصتوا لدرس منطق وأصول فقه في ساحة الأزهر في صباح يوم مشرق، ويشارك طلاب من الأزهر في مناقشات أيام اشتراكية، يوم يتجاوز فيه الشباب علل الكبار، يومها قد يحدث شيء مختلف في مصر التي يحكم قادتها عقلية الإسكواش، ويحكم معارضتها فلسفة لعبة الكراسي الموسيقية.