ِِنون و ....
دينا يعقوب العباسي
كل شيء فيه مختلف, هو بحد ذاته قدوة, قد لا تكفي كل أوراقي الهزيلة لأخط به شيئاً عنه, هو غير الكثير؛ لأنه يعطي الكثير, هو نعمة من رب الورى, هو رمز للتسامح والحب والأخلاق, هو المفضل لدي لأنه الأقدر على مسح الهموم, أقسم برب القلم أنه أفضل من ملايين البشر, إنه المعلم القدوة في زمن قل فيه المعلمون, إنه الحضن الدافئ الذي نلوذ به دائماً, لو عرف كنه نفسه لنأى عنا بعيداً, ذلك الشيء الجميل الذي لا يفهمه أحد, لكن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها, هي أن لهذا الجميل وجهين, أحدهما هذا الجانب المشرق المضيء, والآخر جانب قبيح رديء, فليس كل ما يلمع ذهباً.
أما الجانب المشرق المضيء فهو أننا لو قارنا بينه وبين أي إنسان لوجدناه أكثر تسامحاً ومغفرة للزلل, وأضرب مثالاً؛ لو كان أحدنا يكتب به وأخطأ فهو بكل بساطة يمسح ذلك الخطأ ويصوبه, دون أن يترك أي أثر على الورقة, أما البشر فهم منبع القسوة, وإن سامح أحدهم الآخر فهو يبقي شيئاً في نفسه عليه, أليس كذلك.
فهو يمسح الخطأ ويصوبه, أي يعطي مجالاً لتصحيح المسار وتوضيح الخطأ, من باب جل من لا يسهو, ومن باب اختلق لأخيك عذراً, هو يعرف هذه القواعد, لكن السؤال الذي يطرح نفسه, كم من البشر يطبق هذه القواعد؟ فالكل يعرفها لكن يتجاهلها.
كلما قسوت على البشر ازدادوا كرهاً لك وإن كانت تلك القسوة عن حب لهم وحرصٍ عليهم, كأم وأب يقسوان على أبنائهما لتعليمهما الصواب, ويقابل ذلك بالصراخ والتنديد والرفض وهما أحق الناس بحسن الصحبة, ومعلم يشرح ويعطي الواجبات ويزيد الأسئلة ويوجه الإنذارات والتوبيخات والنصائح والإرشادات التي لا تنتهي وذلك حرصاً منه على رفع مستوى طالبه وتثقيفه, إنه يبخر المعلومات المفيدة لتتكاثف في رأس الطالب وتسقط أفكاراً مفيدة لتنبت جيلاً عالماً مثقفاً يواجه الخطر المحدق بالأمة, هل يوجد أجل من هذا العمل؟! ومع ذلك يواجه شلالاً من الشتائم والشكاوي– شديد, جامد,لا يشرح جيداً...-, لم ذلك يا ترى؟ إنه وبلا شك جهل مدقع منهم, أما هو فإنك كلما قسوت عليه أعطاك أجمل الخطوط وأبهرها إلى أن ينتهي عمره في سلة المهملات, القسوة عليه تكون حين بريه بتلك الشفرة الحديدية التي لم تؤذ بها أحداً, ومع ذلك يعطيك ويعطيك.
أما مقارنته بأشقائه فهي مقارنة عبثية لا طائل منها, لأنهم يمثلون البشر, فهم وإن مسحوا فهم يمسحون بتلك المادة البيضاء التي لا يزول أثرها حتى بعد الكتابة عليها.هذا هو قلم الرصاص وأشقاؤه أنواع الأقلام الأخرى.
وهناك رصاص لكن ليس الرصاص الذي نكتب به خواطرنا وأحلامنا وآمالنا وأوجاعنا, وليس الرصاص القاتل الذي يقتل به كل يوم أخوة لنا هنا وهناك, هذا الرصاص هو رصاص الكلمة والثقافة؛ الذي يغير مفاهيم الأمم وهويتها ودينها, ويحولها إلى مفاهيم حضارية, لكن وقع رصاص الكلمة أشد خطباً وخطراً من ذلك الرصاص الذي يقتل وأكثر فتكاً بأفراد الأمة, فالرصاص القاتل يقتل الشخص وتنتهي حياته وينتهي مفعول الرصاص, أما الرصاص الثقافي فهو يقتل معتقدات وعقائد يقتل الشخص ببطء, يقتل العقول والقلوب,لذلك هو أشد خطراً.
لدرجة أننا بدأنا نفقدُ الأمل في الكلمات.. إن كُـتِبَت أو قُـرِأَت أو تَرَجّـَل بها رَجُلٌ من هنا و هناك, فالكلمات أصبحت "وسادة" ناعمة ننام عليها لنكمل أحلامنا الجميلة, أو "مادة ثرية" للنقاش والجدل والقيل والقال, وأصبحنا نجهز مصانعنا "العسكرية" لا للسلاح الدفاعي بل هو لتوريد أنواع جديدة من الرصاص وهو رصاص "الكلمات القاتلة" و "الكلمات المميتة" و "الكلمات الدفاعية والهجومية" و "كلمات الشجب والاستنكار"......