إعلامنا بين الواقع والمأمول
جمال سعد حسن ماضي
1 - إعلامنا بين الضعف والقوة :
الإعلام في الدعوة الإسلامية أصل من أصولها , وأساس لفكرتها , لأنه يعني التبشير والتبليغ , بلغة العصر وأدواته , مما يتطلب كفاءات وقدرات وتخصصات مدربة , وجاهزة للإبداع والابتكار .
ودائماً بين الواقع والمأمول توجد فجوات , على المعنيين بالأمر العمل على تذويبها , أو تقريبها , ولا أقول أنها ستختفي لأن طبيعة الزمان أن يتغير , والأجيال أن تتطور , وهذه سنة الحياة .
ومن ثم السؤال الذي يطرح نفسه اليوم , ليس في الرضا عن الإعلام الحالي الذي يمارسه أصحاب الدعوة أو غير الرضا , لأن الإعلام في منهج الفكرة الإسلامية دعوة وتربية , ولذلك فهو جزء لصيق في تكوين شخصية المسلم والمسلمة , نحو الممارسة العملية في التغيير والإصلاح .
ولهذه السنة التي لا تتبدل ولا تتحول , يقوى الآداء الإعلامي أو يضعف , وفق قوة أو ضعف عوامل ومعايير , وهي تتمثل في التالي :
1 – مفهوم الإعلام الشامل الذي يغطي كل أفرع الدعوة الإسلامية
2 – مدى اهتمام القيادة بتحقيق هذا المفهوم الشامل في الواقع العملي
3 – وجود خبراء وأصحاب تجارب وتفرغهم في الاستشارة والتوجيه
4 – وجود متخصصين مؤهلين ومدربين ومحترفين في الإعلام كمهنة
5 – المشاركة والانفتاح على كافة آليات ووسائل وأنواع العمل الإعلامي
6 – رصيد مالي مناسب للتكلفة الإعلامية الباهظة فالإعلام اليوم يعني مال
ومن خلال ذلك فإعلامنا اليوم في ضعف عام , لأن نسب النجاح مازالت متفاوتة في توفر العوامل السابقة , بحيث يمكن للراصد والمراقب أن يقول : أن القوي منها لا يتجاوز نسبة 50 % بالكاد ! .
2 – كيف نخرج من هذا المأزق ؟
وللخروج من هذا المأزق , يكون في السير نحو تقوية هذه النسب المتدنية , بخطة طويلة المدي نضمن بأنها تحقق هذه الأهداف :
اهتمام القيادة الدعوية بالعمل الإعلامي الشامل - إنشاء قسم إعلامي مستقل – لجنة خبراء ومستشارين متفرغين - صناعة قدرات مدربة ومتخصصة ومؤهلة ومحترفة .
وأخرى قصيرة المدي , من أهدافها :
المشاركة في الإعلام الحالي بكافة صوره وأشكاله وفروعه – الانفتاح على المجتمع بالأعمال الملائمة والمناسبة والإبداعية المتجددة – نشر مكاتب ومراكز إعلامية فاعلة ومتخصصة .... وغير ذلك من المتغيرات والمستجدات , وفق المكان والزمان وطبيعة العاملين ومدي توفر الإمكانات والظروف المختلفة .
وبذلك نستطيع أن نحقق الطرق التأثيرية المرجوة لإعلامنا , والممثلة في ثلاث خطوات فاعلة :
الأولى : استحداث حدث ما مؤثر ومعد ومخطط له , يكون مادة إعلامية عالمية , وبذلك نستطيع توجيه كافة الوسائل الإعلامية , نحو تحقيق أهداف إعلامنا .
الثانية : توجيه حدث ما ليس من صناعتنا , نحو تحقيق أهداف إعلامنا , وبذلك نستطيع بمهارة توظيف الحدث الذي يستحدثه غيرنا لتحقيق أهداف إعلامنا .
الثالثة : صد تأثيرات حدث ما , قد يؤثر سلبياً على أهدافنا و وبذلك نستطيع الرد الفوري والواضح والحاسم والمباشر والمعد سلفاً , لصد الهجمات التي تشوه أهدافنا .
ولا شك أن حاجة الإعلام الدعوي للمكتب الإعلامي الذي يسهر ليلاً ونهاراً , هو جهاد اللحظة , الذي يسبق ويواكب الحدث , ثم يصنع الأثر الفعلي الذي يبدأ فيما بعد الحدث , وهذا ما يغفله بعض المهتمين بالإعلام حينما لا يستثمرون هذه الجهود الإعلامية الضخمة , فتضيع هباءً , بلا فائدة .
وهذا مانراه اليوم شاخصاً فيما يسمي : ( الإعلام الحربي ) الذي تمارسه أمريكا في حروبها الرامية للاحتلال العسكري في أفغانستان والعراق , أو في حروبها الرامية للاحتلال المدني لبلداننا , هذا الإعلام الذي يقنع الناس بما يبثونه وحدهم من أفكار وتحليلات ورؤى ومفاهيم , وقد جندت لذلك عشرات الفضائيات , ومئات الإذاعات , وآلاف مواقع النت .
3 - ولرفع الآداء في خطوات محددة :
على المستوى الشخصي :
- الانخراط في دورات متخصصة لتأهيل المهتمين والعاملين في المجالات الإعلامية من الهواة .
- الانخراط في دورات احترافية لنقل الهواة إلى بند الاحتراف كخطوة لاختيار الإعلام كمهنة أساسية .
على المستوي الجماعي :
- تشجيع وإنشاء مراكز متخصصة إعلامية تهدف إلى الربح , تنتج مواد إعلامية , وتشارك وتوجه وتدرب وتؤهل , الإعلام عموماً والإعلاميين خاصة , بشكل طبيعي وآمن وسليم .
- تقوية آداء ( المكتب الإعلامي ) الذي يشرف وينسق ويوجه ويذلل الصعاب , ويشارك بصورة غير مركزية , وغير تنطيمية .
وليست هذه الورقة إلا لفتح العديد من الحوارات , التي تحقق الأهداف بصورة عملية , بعيداً عن الآمال المنشودة فقط , أو رؤية الواقع والاستسلام له من جانب آخر , بل بالمزج بين المأمول والواقع , والله المستعان , فمن نجاح هذه الدعوة أنها ربانية , تتوقف على جهود العاملين , وتفانيهم وسيرهم الحثيث , مهما كانت التضحيات , لتحقيق إعلام مؤثر وقوي وناضج ومعاصر , وليس ذلك ببعيد .