في نقد الارتباط بالأشخاص

أوراق أصيلية:

أبو الخير الناصري

[email protected]

في 21 من غشت 2014 قصدت مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلا لمتابعة أشغال الجلسة الأولى من جلسات ندوة (العرب غدا: التوقعات والمآل) المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي للاستفادة مما سيُقدّم فيها من دراسات وأبحاث.

دخلتُ قاعة الندوات في صحبة أحد الأصدقاء، وجلسنا في الصفوف الوسطى. ولم تمض سوى دقائق معدودة حتى تقدم نحونا شخصٌ من معارف صديقي، فسلم عليه وعليَّ، وجلس عن يميني. وبعد حديث موجز بينهما التفتَ إليّ هذا الشخص وقال بصوت خفيض – في عبارة لا صلة لها بما دار بينه وبين صديقي -: (والله ما كَتْحْشْموا).

نظرتُ إليه باندهاش، واستغربتُ كَوْنَه يتحدث عن الحياء مع أنه لا يستحيي أن يتقاضى أجرته كل شهر دون أن يحضر إلى مقر عمله. اكتفيت بالابتسام في وجهه، ولم أعقب على قوله بكلمة!

كانت عبارة هذا الشخص المُناصِر للسيد محمد بنعيسى دليلا على نوعية وعي قائلها، فلقد رآني مراتٍ كثيرةً مع سكان المدينة في مسيراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية المطالبة بحقهم في توفير حافلات شركة (ألزا ALSA) الإسبانية للربط بين أصيلة وطنجة، وصَنَّفني في التيار المعارض لرئيس المجلس البلدي، ولم يتوقع، بناء على ذاك التصنيف، أن أحْضُرَ بعض أنشطة الموسم الثقافي؛ لأني في رأيه معارضٌ لكل ما يصدر عن السيد محمد بنعيسى.

وعندي أن ما فاهَ به هذا الشخص يعكس حالةً مَرَضية أصبحت تعانيها المدينة - وغيرها من المدن- تتمثل في التعصب للأشخاص والانتصار لهم سواء أكانوا مُصيبين أم مخطئين، فلقد صرنا نحن الأصيليين شِبْهَ ملزَمين بالاصطفاف في أحد صفين هما صف السيد محمد بنعيسى وأنصاره، أو صف السيد الزبير بنسعدون ومؤيديه؛ وذلك بسبب طبيعة الخطاب الذي هيمن على المدينة في السنوات الأخيرة، وصار مُتبَنّوه يروجون مقولات أراها قابلة لأن تُختزل في مقولتين اثنتين هما: مقولة الفساد (وهي التهمة التي تُوجّه لمحمد بنعيسى ومن معه)، ومقولة النضال (وهي الصفة التي يُحلَّى بها الزبير بنسعدون ومن يؤيده)، دونما تدقيق في معنى الفساد ووسائل إثباته قانونيا لإدانة المتهم به، ولا في مفهوم النضال ومَنْ يستحق أن يوصَف بالمناضل.

لقد جعل هذا النوعُ من الخطاب سكانَ المدينة شبه مُجبَرين على الدخول في واحدة من الدائرتين؛ فما إن يتكلم أحدٌ من الناس في شأن الأغلبية والمعارضة داخل المجلس البلدي، أو في شأن موسم أصيلا الثقافي الدولي حتى يُصنَّف تلقائيا ضمن هذا الفريق أو ذاك.

لذا لم يستطع ذاك الشخص المناصر للسيد محمد بنعيسى أن يراني في قاعة الندوات بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية دون أن يواجهني بتلك العبارة الدالة على خطاب مَرَضي يَضيق بالآخر إذا هو عارضه في محطة من المحطات، ولا يقبل بالاختلاف والتنوع؛ لأنه يصدر عن تفكير ينطلق من الأشخاص وينتهي إليهم، ولا يصدر عن التفكير في القضايا التي تهم عامة الناس.

ومن أجل كسر هذا النوع من الخطاب المهيمن بأصيلا، والذي يصير المواطن بمقتضاه مُدْرَجاً في خانة (المناضلين) أو (الفاسدين) وَفق تحديدات بعض الأطراف التي سمحت لنفسها بتصنيف الناس، فإنني أكتب هذه المقالات التي لا أصدر فيها عن تعصب لأحد أو تشيع له، إيمانا مني بأن التعصب الوحيد الذي لا يجوز للكاتب أن يتنازل عنه هو التعصب للحقيقة ومشايعتها، فالصديق الحقيقي للكاتب هو الحقيقة حيثما بدت له، مع ضرورة الاحتفاظ بقدر كبير من الاحترام للناس أيا كانت توجهاتهم ومذاهبهم؛ فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما تعلمنا ونحن صغار.

وتأسيسا على ذلك فإنني لا أجد حَرَجا في أن أُثْنِيَ على العمل الحسن أيا كان فاعله، تماما كما لا أستشعر حرجا في انتقاد العمل القبيح أيا كان المسؤول عنه. وأرى أن هذا الموقف هو ما يضمن لمُتّخِذِه أن يبقى ذا شخصية حرة مستقلة لا تذوب في شخصية غيرها من الناس. ورحم الله أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – إذ قال: (إن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني)، وعفا الله تعالى عن الذائبين في شخصيات غيرهم، الذين يحسبون كل اختلاف معهم حربا عليهم وعلى مَنْ ذابوا في شخصياتهم، فيُشرعون ألسنة السِّباب وأقبِحْ بها من ألسنة !عفا الله عنا وعنهم وعن المسلمين أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.