دولة الإسلام العظمى
قراءات في أحداث المستقبل
ليست ما مضى .. ولكنها التي ستأتي
أحمد الجدع
تعيش أمتنا اليوم أوضاعا دقيقة ، وأحداثا جساما ، ولا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا فيه وكالات الأنباء بأخبار جديدة وخطيرة ، وتكاد هذه الأخبار والأحداث أن تكون جميعها متعلقة بعالمنا الاسلامي .
ويتساءل كثير من الناس عما سوف تؤول إليه هذه الأحداث ، وهل هناك من أمل في انتصار الاسلام رغم جبروت الأعداء وكثرتهم وشدة عدائهم وعمق مكرهم وتنوع دسائسهم ؟ ورغم ما نراه من ضعف المسلمين وتفرقهم ، ورغم ما يرزحون تحته من ظلم وما يعانونه من قهر ؟
نبادر إلى القول بأن الأمل موجود ، وأنه أمل عريض ، بل يسعنا بما لدينا من دلائل بأن نقول بأن دولة الاسلام العظمى ليست ما مضى ، ولكنها الدولة التي ستأتي ، وأن الدلائل على ذلك كثيرة ، منها دلائل جاء بها كتاب الله العزيز ، ومنها دلائل نصت عليها أحاديث رسولنا الكريم ، ومنها دلائل تطل من أحوال الدول التي تتحكم في مصائر العالم اليوم ، ومنها دلائل نابعة من جدارة الإسلام لإسعاد الناس أجمعين، ومنها دلائل تبشر بها صحوة المسلمين التي تتقدم يوماً بعد يوم ..
& & &
يقول الله تعالى في محكم التنزيل : "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.." وقد وردت هذه الآية الكريمة ثلاث مرات في القرآن الكريم ، دعونا نتتبع سياقها في هذه المرات الثلاث :
في الآية 28 من سورة الفتح يقول عز من قائل :" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ".
جاءت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن المشركين الذين كان يمثلهم في ذلك الوقت مشركو مكة ، فأعلنت آيات الكتاب العزيز أن النصر قريب وأن مشركي مكة سوف يهزمون وأن فتح مكة قريب قريب :
يقول تعالى في الآيتين 26-27 من سورة الفتح :
"إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية ، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وألزمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها ، وكان الله بكل شيء عليما (26) لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ، فعلم مالم تعلموا، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا (27)
وقد كان ذلك ، هُزِم المشركون في مكة وأسلموا .. وأسلم من بعد ذلك مشركو الجزيرة العربية ومن بعدهم مشركو الفرس والترك ، وبعضا من مشركي الهند والصين .. وأفريقيا ، وبقي للشرك إلى يومنا هذا أنصار ودول ، والله يقول "ليظهره على الدين كله ، فلابد إذن من استمرار الدعوة حتى يتم وعد الله ، ويظهر دين الله على مشركي العالم "كلهم "
وإذا ما تلفتنا إلى واقع المسلمين اليوم وواقع المشركين ، علمنا أنه لابد أن يكون المسلمون قوة كبرى حتى يجتثوا الشرك الذي تمتد دوله في كثير من أنحاء العالم ..
وحتى لا يتشكك المسلمون في هذا النصر القادم على الشرك كان ختام الآية الكريمة قوله تعالى "وكفى بالله شهيدا"
وفي الآية التاسعة من سورة الصف ، يقول رب العزة :
"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
جاءت هذه الآية الكريمة في سياق أربع آيات قبلها :
الأولى تتحدث عن بني إسرائيل وموقفهم من رسولنا موسى عليه السلام :"وإذ قال موسى ياقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ، والله لايهدي القوم الفاسقين(5)
الثانية تتحدث عن دعوة عيسى عليه السلام لبني إسرائيل وكيف كذبوه واتهموه بالسحر :"وإذا قال عيسى بن مريم : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ، مصدقا لما بين يديّ من التوراة ، ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فلما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين (6)
والثالثة تبين موقف بني اسرائيل من دعوة الإسلام ، وكيف افتروا على الله ، وكفروا :"ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام ، والله لا يهدي القوم الظالمين (7)
هؤلاء القوم الذين كذبوا عيسى وحاولوا قتله يكررون الموقف نفسه مع محمد r وهم يعلمون صدق نبوته ، وهو مكتوب عندهم في التوراة .. وهم لم يكتفوا بالتكذيب بل حاولوا القضاء على هذا الدين الخاتم ، بأفواههم .. بالدعاية ، بالافتراء .. فهم أذل من أن ينازلوا المسلمين في ميدان القتال :"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون (8)
إذن ، فإن انتصار الإسلام على بني اسرائيل ممن كانوا بالمدينة وما حولها أمرٌ مؤكد، لأن الله قضى أن يتم هذا النور على يد رسوله على رغم من رغم .. وكره ..
كانت هذه بشرى للرسول ومن أسلم معه ، وزاد الله في البشرى إذ أنبأهم بأن الإسلام سوف يظهر وينتصر على كل من دان باليهودية وغيرها من الأديان ، فجاءت البشرى في قوله تعالى "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (9)
وبنو اسرائيل اليوم لهم دولة ولهم صولة ، بل إن العلو الكبير الذي أشار إليه القرآن في سوره الإسراء قد تحقق لهم اليوم ، ونحن نسمع به ونشاهده ليل نهار .. لهذا فإن القضاء على هذا العلو ، والنصر المبين الذي يجعل كل من دان باليهودية يدين بالاسلام يحتاج إلى دولة مؤمنة قاهرة عظيمة قوية ، وإن هذا لآت عن قريب بإذن الله حتى يتحقق وعد الله لدين الهدى والحق ..
وفي الآية الثالثة والثلاثين من سورة التوبة يقول تعالى :"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
وجاءت هذه الآية الكريمة في سياق خمس آيات قبلها : تتحدث أولاهما عن المفاصلة مع المشركين ومنعهم من الاقتراب من أهم الحرمات الإسلامية .. المسجد الحرام ، وبالرغم مما يجلبه هؤلاء المنافقون من منافع اقتصادية لأهل مكة فقد كان القرآن جازماً في الاستغناء عنها ولفت أنظار المسلمين بأن النفع يأتي من الله وحده وبأمره ، وباعتقادي أن الإشارة هنا للعامل الاقتصادي مهمة للغاية ، ذلك لأن أهم ما يهددنا به العدو دائما هذا الحصار الاقتصادي .. فعلى المسلم أن يعتمد على الله ويمضي في جهاده فالجهاد في حد ذاته كسب اقتصادي في وجوه كثيرة ؛ وقد نوّه الرسول r إلى ذلك عندما قال : وجُعل رزقي تحت ظل رمحي .
"يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، وإن خفتم عيله فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ، إن الله عليم حكيم (28)
ثم أمر الله المؤمنين بجهاد من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يدينون بالدين الذي ارتضاه الله للعالمين ، دين الحق ، دين الاسلام الخاتم ، وأشار إلى أهل الكتاب خاصة ، وأنه لابد من إخضاعهم وإذلالهم حتى يتسنى للدعاة أن يقوموا بواجبهم دون مقاومة من هؤلاء .
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "(29)
ثم يبين الله فساد هذه الديانات بعد أن حرفها أهلها وأدخلوا عليها مقولات الشرك ..
"وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ، وما أمروا الا ليعبدوا إلهاً واحداً ، لا اله إلا هو ، سبحانه عما يشركون (31)
ان محاولات هذه المجموعات الثلاث : عبدة الأوثان واليهود والنصارى لمقاومة دعوة الإسلام التي هي نور الله تتركز بأفواههم ، بالإعلام ، بالدعايات ، بالاقتراء .. أما غير ذلك فهم أعجز من أن يتصدوا للمؤمنين الذين يأخذون بأسباب النصر الإلهي .
وإذا كان الله الخالق .. المهيمن العزيز الجبار يأبى الا أن ينتصر دينه ويتم نوره ، فهل يستطيع هؤلاء مع إرادته شيئا ؟
"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" (33) وانتصر المسلمون على كل هؤلاء : أصحاب الأصنام وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وتوالت انتصاراتهم في دولة الرسول r ومن بعده الخلفاء الراشدين ، ثم الدولة الأموية فالعباسية ، فالعثمانية وحقق الاسلام في كل هذه العهود انتصاراً وانتشاراً .
وقد وعد الله أن يظهر دينه على كل الأديان وأن تكون له السيادة التامة على الأرض ليتحقق المقصود من ختم النبوة وسيادتها سيادة تامة كاملة على الأرض جميعا
"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
سوف يتم انتشار الإسلام في كل شبر ويدخل كل بيت حتى لا ترى على وجه الأرض إلا مسلماً ، في نصر حاسم وكامل لدين الهدى والحق ، ولو كره المشركون .. ولو قاوموا ولو حاربوا ولو ملكوا كل أسلحة الدمار
لا شك أن هذ الآية الكريمة التي تكررت في القرآن الكريم ثلاث مرات مؤكدة نصر الاسلام على كل الأديان نصراً حاسماً لا يكون إلا بدولة إسلامية عظمة ، أعظم ممن سبقها من دول الإسلام ، بل وأعظم مما يعاصرها من دول الكفر والشرك والبهتان ، دولة مؤمنة شديدة الإيمان بالله وبوعده ، معدة لعدوها الإعداد الكافي ، متوكلة على الله ناشرة للعدالة ، ليس لها من هدف سوى إعزاز كلمة الله ونشر دينه وإسعاد البشر وهذه الدولة العظمى قادمة ، وقريب قدومها بإذن الله .
& & &
هذا عن القرآن الكريم ، فماذا عن الحديث الشريف ؟
هناك أحاديث كثيرة تبشر بالدولة العظمى القادمة التي تنشر ألوية الإسلام في كل مكان ..
أخرج الطبراني وأبو نعيم والحاكم أن رسول الله r قدم من سفره مرة ، فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه ، فاستقبلته على باب البيت ، فجعلت تقبل وجهه الشريف وتبكي .. فقال لها رسول اللهr: ما يبكيك يا فاطمة ؟
قالت : أراك رسول الله ، وقد شحب لونك ، واخلولقت ثيابك !
فقال لها رسول الله r يا فاطمة لا تبك ، فإن الله بعث أباك بأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر ولا وبر إلا أدخله الله به ، عزا أو ذلا ، حتى يبلغ حيث يبلغ الليل (الحديث عن كنز العمال )
هذا حديث عظيم من رسول عظيم ، فاطمة رضي الله عنها تعجب مما ترى من حال رسول الله ، وهو هو .. رسول الله وخاتم النبيين ، بل في رواية أخرى للحديث تقارن ما عليه رسول الله من فقر وعوز (اقتصادي ) وما عليه كسرى وقيصر (من نعيم وترف ) ورسول الله r يلفتها عن كل ذلك إلى ما هو أجل شأناً وأعظم مرمى .. إنه أُرسل بالهدى الذي سيعم العالم ، فلا يبقى شخص واحد إلا دان به عزاً أو ذلاً ..
وقد مضت دول للإسلام عظيمة حققت انتصارات باهرة وفتوحات واسعة ، ولكنها لم تبلغ ما نص عليه هذا الحديث ، فرغم عظمتها وانتشارها بقي في الأرض مشركون ويهود ونصارى ، إذن فالدولة الأعظم هي التي تقضي على كل هؤلاء ، دولة قوية قاهرة تُدخل المعاندين في دين الله بعزها .. وهي في الوقت نفسه دولة عدل ونور وهدى تُدخل الناس في الدين بعدلها ونورها وهداها .
وحديث آخر ..
وحدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن أيوب أبو قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص فسئل : أي المدينتين تفتح أولاً : القسطنطينية أم رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، فأخرج منه كتاباً ، فقال بينما نحن حول رسول الله r نكتب إذ سئل رسول الله r : أي المدينتين تفتح أولاً : قسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله r: " مدينة هرقل تفتح أولاً " يعني قسطنطينية .
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/1976 والدارمي 1/126 وهو في المستدرك في عدة مواضع منها 3/422 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، ووافقهما الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
عندما سأل الصحابة رسول الله r أي المدينتين تفتح أولاً ، لا بد أنهم اعتمدوا على حديث سابق حدثهم به رسول الله r عن فتح مدينتي النصرانية : القسطنطينية ورومية ، وإلا فلا معنى لاستفسارهم وقولهم : أيهما تفتح أولاً ، ويفهم من صيغة السؤال أنهم على يقين من فتحهما ولكنهم يريدون أن يعرفوا أيهما تفتح أولاً ...
ووضح الرسول r لأصحابه أن مدينة هرقل وهي القسطنطينية تفتح أولاً .. ومعنى تفتح أولاً أن المدينة الأخرى سوف تفتح ثانياً ..
فالحديث قاطع في فتح المدينتين وأن روما سوف تفتح بعد القسطنطينية .
وفتح القسطنطينية قد تم على يدى السلطان المجاهد محمد الفاتح وجيشه المؤمن جيش الدولة العثمانية المظفرة..
والفتح بالمفهوم الإسلامي لا يتم إلا على يدي قائد مسلم وجيش إسلامي ، مسلم حقاً وإسلامي حقيقي . وفي حديث منفرد بشّر الرسول r بفتح القسطنطينية على يدي قائد مسلم صالح وجيش إسلامي مؤمن ، يقول r في لحديث الصحيح : " لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش " شهادة من رسولنا الكريم للفاتح ولجيشه العظيم ...
وقد تم الفتح ، وأزالت الدولة العثمانية رمز الكنيسة الشرقية وعاصمتها القسطنطينية ، وباءت كل المحاولات الحاقدة لإعادة هذه المدينة إلى حوزة الكفر بالفشل إلى يومنا هذا .
أما رومية وهي الجناح الآخر للنصرانية فقد بشر رسولنا الكريم بفتحها .. وسوف تفتح بإذن الله ، والناظر لحال المسلمين اليوم وحال أعدائهم يرى فارق القوة المذهل بينهم عظيماً فلا يصدق أن يكون الفتح قريباً .. ولكنني أرى غير ذلك ، أرى السرعة المذهلة في تبدل الأحوال والدول فأتفاءل بالدولة الإسلامية العظمى التي سوف تفل هذه القوى التي يخيل إلينا أنها عظيمة .. وما هي كذلك .. ولنا إلى هذا الموضوع عودة في هذا المقال ... ولكننا نقول بأن رومية سوف تفتح لأن رسولنا قال ذلك ، وقد حاول المسلمون فتحها من قبل مرتين ، حاصروها في كل مرة ولكنهم لم يفلحوا بفتحها لأن الله ادخر فتحها للدولة العظمى القادمة .. حاولوا فتحها وحاصروها عام 236هـ (850)م في عهد البابا يرجيوس الثاني وحاولوا فتحها وحاصروها عام 256هـ (870)م في عهد البابا يوحنا الثامن .
تمثل روما الآن رمز النصرانية ، فهي محمية من كل دول النصارى ، ودول النصارى اليوم هي الدول العظمى بمقياس القوة المادية ، فإذا أرادت دولة أن تفتح روما فيجب أن تكون في قوة هذه الدول مجتمعة ، يجب أن تكون دولة عظمى بالمعنى المتعارف عليه للعظمة ، وبما أننا وعدنا بالفتح فإن ذلك يعني أن دولة إسلامية عظمى سوف تظهر وسوف تجاهد ، فإذا ما تم لها فتح روما فإنها تكون قد قضت على جناح النصرانية الثاني ، فيتم بذلك للإسلام انتصاره .. ويظهر على الدين النصراني ظهوراً كاملاً ...
والحديث العمدة في هذا الباب قوله r : " إن أول دينكم نبوة ورحمة وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله ، ثم يكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه الله جل جلاله ، ثم يكون ملكاً جبرياً فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه الله جل جلاله ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض ، يرضى عنها ساكن السماء ، وساكن الأرض ، لا تدع السماء من مطر إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئا ًإلا أخرجته " الحديث صحيح رواه الإمام أحمد والبزار والطيالسي ، وقال الهيثمي رجاله رجال الثقات ، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة ، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة .
وأحب أن أنوه هنا قبل أن نعيش أجواء هذا الحديث الشريف أن راويه حذيفة بن اليمان قدأشار في حديث آخر أن رسول الله r قد حدثه بما كان وما سيكون حتى قيام الساعة (انظر ترجمته في الإصابة) .
وهذا الحديث مما أَعلَمَ به رسولنا الكريم مسيرة أمة الإسلام حتى قيام الساعة وقد تحقق هذا الحديث بتفاصيله الأربعة الأولى وسوف يتحقق بنده الخامس لأن رسولنا لا ينطق عن الهوى وهو الصادق المصدوق، مرت مرحلة النبوة والهدى ، ثم الخلافة الراشدة الأولى ، ثم الملك العضوض ونحن نعيش الملك الجبري ، ومعنى الجبري أن يجبر المسلمون على أن يعيشوا في ظل أحكام مستوردة ، تفرض عليهم قوانين الأمم ، ويمنعوا من تحكيم شرع الله.. ولم يحدث في تاريخهم حتى فترة الملك العضوض أن تجرأ حاكم على الحكم بغير ما أنزل الله ، أو يعلن ذلك ويتبجح به ، وها نحن نعيش الأيام النكدة التي نتحاكم بها إلى قوانين الأمم ، ولا أظن هذه الأيام طويلة بل إن عمرها قصير جد قصير ، وسوف ندلف بإذن الله إلى الخلافة الراشدة الثانية التي تسير على منهاج النبوة ...
انظر كيف أولى رسولنا الكريم هذه الخلافة الراشدة الثانية اهتمامه البالغ ، فوصفها وصفاً مستفيضاً لأنها العمدة في تاريخ الإسلام ، لأنها الفترة التي سوف يبسط فيها الإسلام سيادته المطلقة .
إنها أولاً خلافة وليست ملكاً
وإنها ثانياً على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي r.
وإنها ثالثاً مستقرة وثابتة ومنتشرة " يلقى الإسلام بجرانه في الأرض "
وإنها رابعاً مرضية من خالق الناس ، وكفى بهذا عظمة .
وإنها خامساً مرضية من الناس ، وهذا لأنها سماوية نبوية .
وإنها سادساً ذات خيرات واسعة ، وسعادة تامة ، تتنزل خيراتها من السماء وتتفجر من الأرض ، أي دولة هذه وأي خلافة هي ، إنها دولة الإسلام العظمى وخلافته الراشدة الراضية المرضية إنها قادمة وبشائرها تطل علينا من كل الأرجاء ومن جميع الآفاق .
& & &
إذا كنا نبشر بدولة إسلامية عظمى ، تفوق ما سبقها من دول ، فلا بد لنا ن نستعرض الأعداء الذين يواجهونها لنرى موقفهم ومدى إمكاناتنا في التفوق عليهم.
ودول الكفر التي تقف حائلاً دون قيام دولة الإسلام العظمى ثلاث :
1- دول النصرانية وأنصارها .
2- دولة اليهود وأنصارها .
3- دول الكفر والإلحاد وعبدة الأوثان .
ماذا عن الدول النصرانية .. ماذا عن الروم ذات القرون كما ورد وصفهم في الأثر .
الدول النصرانية اليوم تعلن في دساتيرها أنها دول علمانية ، لا شأن للدين في تسيير سياساتها ، وإن كانت لا تتدخل في شؤون الكنيسة ولا تمنعها من التبشير بالنصرانية ، ولعل العلاقة القائمة بين الدولة والدين هي الاستغلال البشع من قبل الدولة للدين في السياسة الدولية .
والحياة كما تسير في دول النصارى لا تمت إلى الدين بصلة ، فهي إن لم تكن بعيدة عنه فهي نقيض له وبخاصة في الحياة الاجتماعية التي هي قوام كل مجتمع وعماد كل دولة ؛ فتفكك الأسرة بلغ حدوداً من الصعب تدارك أخطارها ، والانحلال الخلقي وصل حداً بات معه المجتمع النصراني في أوروبا وأمريكا غارقاً في بحر من الفوضى الجنسية لا يرجى شفاؤها ، وباتت الأمراض المترتبة على هذه الفوضى تشكل خطراً على بنية المجتمع وسلامته وباتت تكلف خزينة الدول أموالاً لا تحتمل ..
وإذا أردنا أن نعدد العيوب الاجتماعية التي تنخر كيان هذا المعسكر لاحتجنا إلى ملفات بطول محيط الكرة الأرضية ، هذا باعتراف القوم أنفسهم أما عن التردي الاقتصادي فحدث عن المحيطات ولا حرج ، ولولا النهب الذي تمارسه هذه الدول للشعوب المستضعفة لانهار اقتصادها من زمن بعيد .
أما عن انتشار المخدرات وفتكها بالمجتمعات الغربية فهو الطامة الكبرى ، ذلك لأن هذا المرض الفتاك ينخر في صحة الشباب الغربي ، وإذا كان الشباب عمدة كل مجتمع وقوام حياته واستمراريته فإن الانهيار الغربي من هذا المنظور حتمي ويقيني ..
أما الشذوذ في السلوكيات فقد انفتح على مصراعيه ، وهو شذوذ شمل كل مناحي الحياة : السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... وقد بدأت بعض الدول الغربية بفتح أبواب الشذوذ على آخر الحصون التي تمسك المجتمع أن يزول .. باب الأسرة .. فقد سنت بعضها قوانين أباحت "الزواج" من المحارم .. بمعنى أن يتزوج المرء أخته وعمته وخالته ، بل ربما أمه ... وتسجل ذلك رسمياً ويعتبر أمراً "طبيعياً" .
الاستمرار في ذكر مثل هذه الآفات التي تفتك بالمجتمعات الغربية لا ينتهي ، وهو مؤشر كبير على حاجة هذه المجتمعات إلى "طبيب" نطاسي يعالجها ويخرجها من محنها المستعصية ، وليس من طبيب أعظم من هذا الدين الذي قوامه الشرف والاستقامة والعدل والنظافة الشاملة ، وهو الوحيد الذي يملك بلسم الشفاء لكل من استمع إليه وأخذ بنصائحه وتناول أدويته .
ولأن هذا الإسلام وحي الله من عليائه .. وحي الذي يعلم من خلق .. ويعلم سرّ سعادتهم فإنه قادم يمد ذراعيه لينقذ من يتعلق بهما من غرقى الأمم .
& & &
أما بقايا اليهودية فهم قد استطاعوا بمكرهم وكيدهم ومالهم أن يكون لهم شأن في دول الغرب ،و أن يكون لهم أمر ونهي في الدولة العظمى في أمريكا ، واستطاعوا بهذا وذاك أن يعتدوا على بلادنا ، وأن يتسللوا إليها ، وأن ينشئوا لهم بين أظهرنا دولة ، وأن يحتشدوا فيها بقوة الحديد والنار ...
لقد برع اليهود في التخطيط للسيطرة على المال والإعلام ، وأجادوا ذلك حتى تم لهم ما أرادوا ولكنهم اغتروا في نجاحهم هذا ، فظنوا أنهم كما برعوا في جمع المال وكما أجادوا في السيطرة على وسائل الإعلام سوف ينجحون في تخطيطهم في عالم السياسة ، فوقعوا في الخطأ التاريخي ، فقرروا أن تكون لهم دولة في فلسطين ، فاستخدموا نجاحاتهم المدوية في أوروبا وأمريكا واستغلوا كلمتهم المسموعة لدى الدول الكبرى ، واستصدروا أمراً من "هيئة الأمم" ، وحشدوا لذلك كل إمكاناتهم وإمكانات غيرهم .. ونفروا إلى فلسطين ، وا ستقر لهم فيها كيان و "دولة" .
وهم في غمرة النشوة بانتصاراتهم هنا وهناك لم يلتفتوا إلى الخطأ الأكبر الذي وقعوا فيه إذ أنشأوا كيانهم في محيط إسلامي عظيم ، يزخر بطاقات هائلة من الإمكانات التي تجعله مستعصياً على الخنوع والذل .. وهم إن استطاعوا شراء ضمائر نفر منه فإنهم لن يستطيعوا أن يشتروا "رضا" هذه الملايين التي تحيط بهم ، تتربص بهم الفرص كي تنقض عليهم وتلتهمهم ...
واليهود الذين يزعمون أنهم يدينون با لدين الذي جاء به موسى -عليه السلام- هل هم كذلك ؟ هل تقود دولتهم مجتمعاً سليماً أم مجتمعاً منحرفاً يحمل في كيانه كل سوءات المجتمعات الغربية ويزيد عليها؟
إن المتتبع للمجتمع اليهودي في هذا الكيان الماثل أمامنا ليدرك إدراكاً تاماً أنه مجتمع منخور تفتك به أمراض تربو على أمراض الغرب النصراني ، ففيه من عوامل الموت أكثر مما فيه من عوامل الحياة ، إنه مجتمع مريض يعيش على ما قد وصله به "الأطباء" من وسائل الحياة الاصطناعية التي لا تفيده في البقاء إلا بالقدر الذي يستفيده مريض قد يئس من بقائه ذووه ، وضاقوا بما ينفقونه عليه من أموال لا طائل من ورائها ولا أمل يرتجى من إنفاقها..
إن الأدواء التي ينشرها هذا الكيان لا بد من مكافحتها ولا بد أن ينهض لحسمها هذا الطبيب الآسي بأدواته التي يمتلكها ويمد يده بها حتى ينقذ المجتمعات الإنسانية من بلوائها ، وأي بلاء أشد من هذا البلاء الذي أحاط بأمتنا فشتت آراءها وفتت وحدتها وأذل كبرياءها ..
يخاطب الله سبحانه هؤلاء القوم فيقول لهم : { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ، وليتبروا ما علوا تتبيرا }
نعم على يد الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية .. القادمة قريباً سوف تكون نهاية هؤلاء القوم وسوف يطبق عليهم المسلمون .. ويتبرون .. ويحطمون كل ما بنوه وظنوا أنه لا يزول !
إن دولة سوف تتكفل بالقضاء على كل ما خطط له يهود وكل ما بنوه لهي دولة عظمى ، أعظم مما نرى من دول...
هل كان أحد منا يظن أن دولة تظهر في المدينة المنورة في صحراء العرب سوف تكون قادرة على أن تعصف بدولتي الفرس والروم ؟
& & &
عندما حدّد رسول الله r عصور التاريخ الإسلامي ، وسماها بأسمائها ، وأطلق على هذا العصر الذي نعيشه "الحكم الجبري" فإنه كان دقيقاً دقة متناهية في هذا الوصف ..
فالمسلمون اليوم "يجبرون" على الخضوع لأحكام ليست من الإسلام في شيء ، ويتحاكمون إلى قوانين لا تمت إلى إسلامهم بماتة ... ونحن نرى كل يوم دعوات للخروج على ما تبقى في حياة المسلمين من أمور دينهم ... وهذه الدعوات هي استكمال "للحكم الجبري" والسير به إلى نهايته ..
والعالم اليوم عجيب عجيب .. هذا العالم الذي قام على إنقاض الخلافة العثمانية .. وإن أعجب ما فيه قيام دولة للكفر والإلحاد امتلكت فيه قوة من أعظم القوى في التاريخ ، وامتد سلطانها العسكري على رقعة واسعة من الأرض .. وامتد سلطانها الفكري على رقعة أوسع حتى طال أمتنا الإسلامية في كثير من بقاعها ..
أطلقوا عليه " الاتحاد السوفيتي" وقاد هذا الاتحاد أغرب وأقذر حملة على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله...
ولأنه ، على قوته وامتداده ، كيان غريب وشاذ ، فإن الحكمة الإلهية أبت أن تطيل له في العمر ، ولأنها حكمة إلهية فقد أذنت أن يكون انهيار هذا الكيان على يد المسلمين ، فهزمه الله ، على قوته وجبروته ، بالمجاهدين الأفغان .. فما خرج من حربهم إلا وقد انهار اتحاده .. وأصبح أثراً بعد عين ..
وبقيت منه أثارة من دولة يقال لها "الاتحاد الروسي" فسلط الله على هذا الاتحاد شعب مسلم غيور صلب المراس شديد الإيمان .. قام منفرداً ليس له من معين سوى الله .. وكفى به معيناً ، قام ليهدم هذا الاتحاد المتهالك المنخور الذي لا يحمل في تكوينه أي نوع من أنواع الحضارة أو الإنسانية .. فإذا كان "الاتحاد السوفياتي" لم يحتمل حرباً مع المجاهدين الأفغان لأكثر من "ثماني سنوات" فإن بقاياه في "الاتحاد الروسي" لا تستطيع أن تحتمل حرباً مع "المجاهدين الشيشان" لأكثر من سنة أو سنتين ... وربما أقل من ذلك ...
ويتطلع الناس ذات اليمين وذات الشمال فيروا دولاً للكفر لا زالت قائمة .. في الصين والهند .. وهل هذه أشد قوة وأقوى بأساً من "الاتحاد السوفياتي" . وهل تستطيع الهند أن تصمد طويلاً أمام المجاهدين في كشمير .. وإذا ما تطور هذا الجهاد فهل يكون مصير "الاتحاد الهندي" أفضل من مصير الاتحاد السوفياتي ...
وقل مثل ذلك عن "الاتحاد الصيني" الهشّ الذي يتململ له المجاهدون المسلمون القادمون على خطا إخوانهم في أفغانستان والشيشان وكشمير .
& & &
ويتداول الإعلاميون والمثقفون ما يطلقون عليه حوار الحضارات ، وعندي أن الحضارة لا تكون بدون دين .. لا حضارة بدون دين ..
وإذا كان الأمر كذلك فالحوار الذي يدعون إليه هو حوار الأديان ، والدين الإسلامي لا يخشى الحوار بل يدعو إليه ، ولا بد لكل حوار من نتائج ، وأنا أجزم بأن أي حوار يكون الإسلام أحد أطرافه فإن الفوز يكون إلى جانبه لأنه هو الجدير وحده لإسعاد الإنسانية .. لا أقول إسعاد المسلمين فقط بل إسعاد الإنسانية كلها .
إن الإنسانية اليوم في شقاء متصاعد ، يجلب عليها هذا الشقاء الاختصام النكد بين الإنسان في الأرض وبين رسالة السماء التي رضيها الله للعالمين ...
الاسترسال في الحديث في هذا الباب لا حدّ له ، ولكنا جعلنا هذه الفقرة من هذا المقال لبيان "جدارة" الإسلام في تحقيق السعادة للبشر ، وفي انتشاله من شقائه الحاضر ، وهو با لتالي جدير بأن يحكم الأرض باسم السماء وبعدالة السماء .
والبراهين على جدارة الإسلام أكثر من أن تحصى ، نذكر منها أمثلة ناصعة جلية في هذا المقال ، ونحاول أن نقارن بين هذه "الجدارة" وبين ما يقابلها من "حضارات" يريدوننا أن نحاورها .
في حديث لأحد المبشرين يقول فيه : إنه في "تبشيره" بين المسلمين لا يريد أن يدخلهم في دينه ، فهذا شرف لا يستحقونه ! إنما يريد أن يخرجهم من الإسلام ، ويتركهم كالبهائم بدون دين !
أما الإسلام فقد أبدى حرصاً شديداً على "هداية" الناس إلى الإسلام ، وجعل من أعظم القربات إلى الله أن يهدي الرجل رجلاً آخر إلى الإيمان بالله . وأن ينتزعه من الشرك المهلك إلى الإسلام الهادي إلى سعادة الدارين ، ففي الحديث الشريف " لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم "
وفي الحديث الشريف ، بروايته الأقرب إلى روح الإسلام : " من غشَّ فليس منا " فالغش في الإسلام حرام ، أكان الغش لمسلم أم لغير مسلم ، وهذا منتهى الرقيّ ، وهو رقي لم ترق إليه أية حضارة معاصرة أو غابرة .
أما الوفاء بالعقود والعهود ، فقد عرف القاصي والداني ، عبر التاريخ العريض للأمم أن الوفاء بالعهود عند الأمم لم يكن حقاً واجباً إلا بين أتباعهم ، أما مع غيرهم فهو "حبر على ورق" ينقضونه متى وجدوا في أنفسهم مقدرة على النقض .
أما في الإسلام فالوفاء بالعهود والعقود فهو مع المسلمين ومع غيرهم على السواء ، { وإن أرادوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } { ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا .. اعدلوا هو أقرب للتقوى } ، أليس هذا منتهى الرقي .. أليس هذا هو أسمى ما وصلت إليه حضارة من الحضارات..
أما غير المسلمين فيقولون : عدم الوفاء بالعهود مع أتباعنا إثم .. والوفاء بها للمسلمين أشد إثماً !! ونقض العهود والوعود في معاهدات الأمم اليوم أكثر من أن يعد أو يحصى .. ألا تذكرون معاهدات ومعاقدات اليهود مع الفلسطينيين .. إلى أين وصلت .. و كيف نقضت ... ألا تذكرون عهود وعقود روسيا مع الشيشان .. كيف نسفت .. وكيف تباركها الأمم .. فقط لأن المسلمين هم الطرف الآخر .
إن الحياة على ظهر هذا الكوكب لا تسودها السعادة الشاملة إلا بالدين الذي يجعل أهم مبادئه الوفاء والعدل بين الجميع بغض النظر عن مذاهبهم وأديانهم .. وهذه صفة لا يتمتع بها سوى الإسلام ، فهو الدين "الجدير" بأن يكون حاكماً مهيمناً ، فإذا كانت هذه "الجدارة" في جانب الإسلام فقط ، وأن الله قد أذن أن يكون آخر الأديان .. "الحضارية" على الأرض ، فلا بد له أن يحكم . وحتى يوفر السعادة للناس أجميعن فلا بد أن تكون دولته قاهرة مسيطرة .. قوية .. وهو ما سيكون إن شاء الله .
& & &
أما الدلائل التي برزت في حياة المسلمين وتشير إلى قدوم الإسلام بدولته العظمى ، فهي كثيرة ، وقد شملت جوانب الحياة الإسلامية كلها ..
وقبل أن نعرج على هذه الدلائل لا بد لنا أن نشير إلى حال المسلمين في أواخر الدولة العثمانية وفي خلال الحكم الجبري الذي تولاه المنتصر الصليبي ثم وكلاؤه في بلاد الإسلام ..
فقد عم الجهل بالإسلام أواخر الدولة العثمانية ، وأقبل كثير من المسلمين على دعاوى القومية وخدعوا بالمفكرين من اليهود والنصارى ، و انحرفوا عن دينهم ودخلوا في نفق مظلم من الدعوات التي جرت عليهم البلاءات المتوالية التي انتهت بالهزيمة النكراء .. وبالخروج من المظلة الإسلامية الشاملة بسقوط الخلافة العثمانية عام 1924م ...
ثم خضعوا لحكم عدو عرف سرّ القوة عند المسلمين وعرف كيف يصرفهم عنها ، وبرع في جرهم إلى كل ما هو شر لهم وذلك بتزيينه لهم ودفعهم إليه ... فعاش المسلمون فترة ليست بالقصيرة وقد سلبت إرادتهم واحتلت "عقولهم" وسيقوا كالقطيع إلى مصارعهم ..
ولكن إرادة الله تأبى لأتباع دينه أن يبقوا على ضلالهم وأن يستمروا في تيههم ، فقيض لهم الدعاة الهداة الذين بذلوا من جهدهم وعرقهم ودمائهم الكثير في سبيل رد الشاردين إلى دينهم ، وفي هداية المنحرفين إلى سراط الهدى والرشاد .
وظهرت "صحوة المسلمين" فأخذوا يأرزون إلى دينهم .. فأخذت مظاهر عودة الغرباء في التنامي .. والظهور .. في المجتمع .. في الاقتصاد .. في التربية .. في الأسرة .. في الجهاد .
زرت القاهرة عام 1967 قبل النكبة الكبرى والهزيمة العظمى .. فكنت ألتفت في شوارعها فلا أرى فيها "محجبة" واحدة ، بل رأيت ما هو مناقض تماماً لذلك .. فقد رأيت نساء الميكرو والميني والمايوه !
وزرت القاهرة بعد ذلك بعشر سنوات ... فرأيت انقلاباً أدخل السرور إلى قلبي ... نساء في الحجاب يملأن شوارع القاهرة .. بل إن أولئك اللواتي لم يلتزمن بالحجاب لم يستطعن إلا أن يحتشمن في سائر اللباس ... بل إن كثيراً من اللواتي مارسن "الفن" تركنه رغم مغرياته إلى الحجاب .
هذا المظهر من أعظم مظاهر العودة الدافئة إلى أحضان الإسلام ، فالمرأة أحد الأسس التي لا بد منها لإقامة مجتمع الطهارة والعفة والاستقامة ... مجتمع دولة الإسلام العظمى ...
وعندما تداعى عدد من الغيورين على الإسلام إلى إنشاء أول "مصرف" إسلامي في محاولة لكسر احتكار مصارف الربا للمجتمع الإسلامي ، أشفقت على هذه التجربة ، وخشيت أن تنتكس بسبب الظروف المحيطة بها ، ولكن الله أراد لها أن تنجح وأن تستمر وأن تنتشر ... وأن تأخذ بها من بعد دول.. وهذه الإرادة الإلهية في هذه المسيرة الاقتصادية المحفوفة بالأشواك الكثيرة والكثيفة دليل لا يدحض على قرب الظهور الكبير لدولة الإسلام العظمى...
أما الجهاد الذي حاول عدونا أن يشطبه من ركائز ديننا فإنه قد عاد .. وبرز .. ونما وهيهات هيهات أن يطفئ نوره قوة مهما بلغت .. والجهاد الإسلامي اليوم في أول الطريق وسوف تصل راياته إلى غايتها .. وسوف تقوم على أكتاف المجاهدين وبسواعدهم الدولة العظمى التي تحمل البشرى للعالمين ...
إن أول دينكم نبوة
ثم خلافة راشدة
ثم ملكاً عاضاً
ثم حكماً جبرياً
ثم خلافة راشدة على منهاج النبوة
هذا ما ننتظره .. ونسعى إلى تحقيقه ... خلافة راشدة على منهاج النبوة تحقق قوله تعالى " ليظهره على الدين كله " ... و لو كره الكافرون والمشركون والمنافقون .. وعلى رغم من رغم .
وهذه الدولة العظمى الراشدة .. هي الأعظم في تاريخ الإسلام .
إن نهوض "الجهاد" من سباته مؤذن بالدولة الإسلامية العظمى القادمة بالسعادة للبشرية ، وأنا على ثقة بأن الأمم التي تعاني من الشقاء الروحي سوف تترامى في أحضان الرحمة الإسلامية التي تمد ذراعيها لهم... إنها رحمة إلهية يريد الله أن يمن بها على عباده الذين طال تشوقهم لها وحنينهم إليها ...