الاستقرار الاجتماعي في المغرب بين ثوابت الهوية و الخطاب السياسي الحزبي
الاستقرار الاجتماعي في المغرب
بين ثوابت الهوية و الخطاب السياسي الحزبي
-الفصل (1)-
الحسان القاضي
تشكل المعضلات و الظواهر الاجتماعية مادة استهلاكية مجانية لممتهني السياسة من أجل الحملات الانتخابية، و لا أحد يستطيع الجزم بنكران هذا القول ما دام الساسة الانتخابيون يتخذون من الفقراء و البسطاء قاعدة خلفية لبناء أحزابهم السياسية، حيث أن حاجة تلك القاعدة و عوزها، و قصر فهمها لأبعاد الخطابات السياسية و أهدافها، إضافة إلى محدودية مستواها التعليمي و الاقتصادي، يجعل منها لقمة سائغة لا تحتاج لبذل مجهود جبار و متواصل قصد الحصول عليها، و هو ما تفسره التجمعات الخطابية التي تعقدها تلك الأحزاب في حملاتها الانتخابية، حيث تشحن إليها جيوشا من الفقراء و المعوزين لتسمعهم ما يحبونه و يتمنونه من رغد العيش و الحياة الكريمة و ما إلى ذلك من مصطلحات شتى تصور الحزب كمخلص سماوي اصطفاه الرب لينقذ ضعفاء الشعب من الفقر و التهميش، إذ سرعان ما تختفي كل المصطلحات الرنانة بانتهاء الحملات الانتخابية و فوز الخطباء السياسيين، تاركين للفقراء أشباحا من أحلام اليقظة.
و ليس غريبا أن نجد بعضا من سياسي أحزاب الانتخابات، ممن أتاهم الله دهاء سياسيا أوصلهم إلى مراكز القرار في هذه البلاد السعيدة، لا يفوتون فرصة توظيف المعضلات الاجتماعية لخدمة المصالح الحزبية و الشخصية الضيقة، على حساب آمال آلاف الأسر المغربية التي تتوق إلى التخلص من الفقر و التهميش، وهذا ما تفسره ظاهرة توظيف ثلاثين ألف شاب بشركة النجاة الإماراتية، إذ تم طي ملف فضيحتها دون مراجعة تصحيح و لا حتى تعويض المتضررين؟.
و إذا كانت المعضلات الاجتماعية تشكل المنبع الرئيس لخطابات السياسيين الحزبيين ، فهذا ليس بالشيء الغريب الجديد، و لا بالعمل المشين المعيب، فالسياسة أوجدت من أجل التسيير و حل المشاكل بطريقة عقلانية تخدم المصالح العليا للأمة في سبيل تقدم البلاد و رفاهية الشعب، فما الذي يشكل الاستثناء إذا؟.
إن الشيء الجديد الغريب الذي ابتدعه الخطاب السياسي الحزبي في الآونة الأخيرة، و الذي يشكل الاستثناء على المتتبعين للساحة السياسية المغربية هو الإدعاء أن حزبا ما يشكل صمام أمان في البلاد، بحفاظه على الاستقرار داخل المجتمع المغربي، و هذا الأمر لا يثير الاستغراب فقط و إنما يجر من ورائه أسئلة لا تنتهي عن مدى مصداقية هذا الإدعاء، بل و عن مدى قدرة و جرأة هذا الحزب في التعدي على ثوابت الشعب المغربي بما فيها من اجتماعية- عقائدية، وسياسية-اقتصادية، و ثقافية - تراثية بنوعيها المادي و اللامادي، و تحويلها إلى منطلقات لكسب الرهان الانتخابي، و بالتالي محاولة مسخها و إظهارها كحاجيات ملحة للشعب لا يملك مفاتيح حلول معضلاتها سوى الحزب، الأمر الذي يمنحه الحظ الوافر في نهاية المطاف ليظهر نفسه كصمام أمان للبلاد، ومن هذا المنطلق كان و لابد من طرح السؤال إن كان هذا الحزب أو ذّاك هو الذي يمثل ضابط استقرار المجتمع المغربي؟، أو إن الأمر لا يعدو أن يكون مكرا سياسيا وظف ثوابت الشعب لخدمة "سياسية المصلحة " بعيدا عن منطق المصالح العليا للأمة؟.
و لعل أية دراسة اجتماعية تسعى إلى النزاهة و الصدق و لا تتبنى المنطلقات السياسة ، كآليات لها في دراسة كل ما يتعلق بالمجتمع المغربي من ظواهر و معضلات اجتماعية، لا يمكن البتة أن تغفل السمات الأساسية للمجتمع المغربي في كل الجوانب المتصلة بالحياة اليومية للمواطن البسيط الذي يكابد من أجل كسرة خبز، و هذا ما تعبر عنه الأمثلة الشعبية المتداولة، و رغما من هذا، فالتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المغربي، بكل شرائحه و طبقاته يبقى العامل الرئيس في تحديد السلوك داخل المجتمع المغربي، و بالتالي لا يمكن إغفاله بشكل من الأشكال في تفسير الظواهر الاجتماعية و كل ما تفرزه كنتاج، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، بل و حتى الديني لما له من بعد روحي قدسي في المجتمع المغربي.
فالتكافل الاجتماعي هو الذي حمى آلاف الأطفال المتخلى عنهم من التشرد و التسول، و بالتالي التخلص من خطر يمثل تهديدا مستقبليا للأمن و السلم الاجتماعي داخل المجتمع المغربي، بل إن التكافل الاجتماعي هو الذي ضمن الحماية لتلك الأمهات العازبات ذوات أصول اجتماعية فقيرة من نظرات الدونية و الاحتقار، و منح لهن بصيص أمل في تلك الجمعيات التي احتضنتهن في غياب رؤية سياسية – اقتصادية ذات بعد اجتماعي لاقتلاع ظاهرة الفقر من جذورها.
والتكافل الاجتماعي هو الذي ضبط آلاف العاطلين من الشباب، الذين تخرجوا من الجامعات المغربية - من بعد عقود من الدراسة و التحصيل- للمكوث إما في بيوتهم، وإما مقنعين بإعمال لا تخلو بأية حال من رائحة التكافل الاجتماعي، لملأ ساعات فراغهم، خاصة و أن أفق استكمال الدراسات العليا في المغرب أصبح مسدودا و لا يبعث بالأمل أمام الوساطة و الحزبية و غيرها من المصطلحات المتنوعة، فما بالك بولوج قطاع الوظيفة العمومية؟، وإجمالا فقد لا يكون من الغريب القول بأن التكافل الاجتماعي هو الذي صان الأسرة المغربية من التشتت و الذوبان، و بالتالي جعلها أكثر تماسكا و هو ما زاده قوة بفضل الوازع الديني، ما انعكس إيجابا على تماسك المجتمع المغربي وثباته، و أمام هذه الملاحظات البديهية فإن الأمر لن يكون شادا عن الصواب إن تساءلنا عن مكانة الخطاب السياسي الحزبي في هذا النسق الاجتماعي؟.
يتبع....
*طالب ماجستير قسم الدراسات التاريخية
معهد البحوث و الدراسات العربية
جمهورية مصر العربية