قصتي مع تراث باكثير (2)

د.محمد أبو بكر حميد

قصتي مع تراث باكثير (2)

علي أحمد باكثير

الدكتور محمد أبو بكر حميد

وفي سنة 1987م صدر ديوان (أزهار الربى) في شعر الصبا في بيروت، ويعتبر هذا الديوان بالنسبة لي أول ثمرة كبيرة لجهاد طويل في سبيل جمع تراث باكثير المتناثر بين حضرموت والقاهرة فقد زرت أسرة باكثير في حضرموت في صيف 1980م ولقيت ترحيباً كبيراً من أخيه المرحوم الأستاذ عمر أحمد باكثير الذي كان على علم بما أكتبه في الخارج، وقد سلمني بثقة وكرم عدة كراريس تضم شعر باكثير في حضرموت وأندونيسيا وهي ما سماه الشاعر " أزهار الربى في شعر الصبا " كما حصلت منه على مجموعة من الرسائل التي كان يبعث بها باكثير لأخيه عمر من عدن والقاهرة، وهذا ما سيصدر في دراسة مستقلة إن شاء الله ـ المهم أن الديوان استغرق إعداده للنشر قرابة عام تم فيه تحقيق نصوصه والتعريف بأعلامه وغيره، ورغم أنني سلمته لدار النشر في جنيف 1982م قبيل سفري لأمريكا إلا أنه لم ينشر إلا في شتاء 1987م، ولذلك قصة عجيبة، فقد ضاع الديوان في بيروت لمدة ثلاثة أعوام تقريباً ثم عثر عليه بين أكداس الورق !!

باكورة الشعر

  ومع أنه قد تم الإعلان عن الديوان أكثر من مرة بطرق غير مباشرة أشهرها الدراسات التي كتبتها عنه ونشرتها في صحف عربية مثل جريدة " القبس " الكويتية 1981م، " المدينة " السعودية صفحة التراث 1982م، وكانت هذه الدراسات إعلاناً عن الديوان وإبرازاً لأهميته التاريخية للدارس لأدب باكثير لأنه يمثل مرحلة مجهولة من أدبه وهي مرحلة حضرموت ويقدم لنا باكورة شعره قبل مرحلة النضج التام في مصر كما أنه أول ديوان لباكثير يصدر في كتاب، ومع ذلك لم ينتشر الديوان خارج المملكة العربية السعودية إلا من خلال معارض الكتاب في البلاد العربية الأخرى وخاصة مصر ولم يدخل الكتاب موطن باكثير لأسباب تجارية تتعلق بالتوزيع "!!" ولم يكتب عن الديوان إلا القليل بل إنه لم يعرف في مصر بدليل أن بعض الجهات الأدبية تساءلت عنه ظناً منها أنه لم يطبع بعد وهذه هي مشكلة الطباعة والنشر خارج القاهرة وبيروت!!

  ولم يكن هذا الديوان إلا خطوة نحو الإعداد لنشر شعر باكثير كله في ديوان ضخم يضم شعره في حضرموت وعدن والحجاز ومصر وقد بدأت هذا الجهد بأن عكفت طوال عشر سنوات تقريباً على التنقيب في الصحف والمجلات العربية التي توقعت أن ينشر فيها باكثير وقد جمعت معظم شعره المنشور ما عدا قصائد في مجلات وصحف قديمة لم أعثر عليها وجمعت أيضاً كل ما نشره من قصص وتمثيليات في مصر وغيرها خلال أربعين عاماً من عمره الأدبي في مصر مضافاً إليها ما نشره قبل هبوطه مصر.

الدواوين المجهولة

  وبقي يشغلني بعد هذا تراث باكثير المخطوط في مصر، وخاصة أنني أعلم أن الكثير من شعره لم ينشر، وأنه قد بدأ في آخر أيامه يعد شعره للنشر في ديوان كبير وأن هذا الديوان مقسم إلى أبواب حسب مراحله مثل " الحضرميات " ، " العدنيات " و " الحجازيات " وهذا يعني أنه كتب شعراً كثيراً تحت هذه الأبواب كما حدثني الأستاذ د. عبده بدوي الذي كان أول من دخل مكتبته بعد وفاته، وأعرف أن باكثير ترك قرابة أكثر من عشر مسرحيات مخطوطة جاهزة للطبع وأن ظروف الحصار الفكري المضروب عليه لم تسمح له بنشرها، وكلنا يعرف أن باكثير لم يترك ذرية من صلبه من زوجته المصرية، وأن تراثه الأدبي أصبح منذ وفاته أمانة لدى الأستاذ/ عمر عثمان العمودي زوج ربيبته، السيدة التي رعاها باكثير طوال عمره كابنة له، وعاشت إلى جواره حتى وفاته.

21 عاماً انتظار

  وكان الأستاذ الدكتور عبده بدوي يتابع جهودي في جمع تراث باكثير الأدبي ويشجعني عليها منذ كنت طالباً وخلال السنوات الست التي أمضيتها في أمريكا.. كانت تراث باكثير الأدبي من الموضوعات الرئيسية التي تدور حولها مراسلاتنا وقد كتب لي مرة يقول بخصوص ضرورة صدور ديوان باكثير كاملاً:

 " إن صورة باكثير لن تتم إلا حين تظهر كل خطوطها وألوانها وظلالها، فمن حقه ما دام قد كتب بأصالة أن يتواجد في ضمير أمته بعمق، فطاقة باكثير الحقة ـ من وجهة نظري ـ تتواجد في الشعر، والشعر هو الذي دفعه إلى المسرح والرواية، لذلك فالشعر هو أهم مصادر الطاقة عند باكثير، فهو الذي ولّد نبوغه في كل ما كتب، وهو الذي يعطيه ـ وهو في جوار ربه ـ طاقة على التجول في العديد من العصور، ومن حق باكثير أن يبقى، ذلك لأننا إذا نفيناه مرة أخرى، كما نفيناه من قبل، نكون قد حكمنا على أمتنا بالبوار، ونكون قد سلمنا رقبة الحرف العربي إلى المقصلة".