ما أفسد الودَّ...
د. بلال كمال رشيد
ما اتفق العرب على شيءٍ كاتفاقهم على الاختلاف، وهو اتفاق راسخ ثابت لم يفسده علم ولا دين ولا منطق ولا تجربة ولا عدو ولا صديق ، ولا زمان ولا مكان ، اختلاف بين العرب أنفسهم على مصالح العرب أنفسهم ، وتحسبهم - إذ تحسبهم- جميعاً وقلوبهم شتى .
عجباً لعرب يختلفون على الصلاة و الصيام والقيام ، على بداية شهر ونهايته ، على العمامة والإمامة ، على خلافة انتهى أمرها ، وعلى خلافة لم يحن أمرها ، على شروق شمس وغروبها ، على القيامة وعلاماتها ، ويختلفون على الضحية إن كان قتيلاً أم شهيداً ؟!، ويختلفون على نتيجة الحرب إن كانت نصراً أم هزيمةً؟!، ويختلفون على الوطني والعميل ، وعلى الوطن الأصيل والبديل ، وعلى التحرر والتحجر ، وعلى الرجعي والتقدمي ، على السلفي والفلسفي ، على دم تجمد من عهد بائد إلى دم يسيل في كل عهد مع كل نقاش وحوار !!
كيف للعرب أن يختلفوا على دين جاء رحمة للناس كافة فاختلفوا فيه وعليه وجعلوه أديانَ مذاهب وطوائف واتجاهات ، وأصبح في نظر الآخر دينَ شقاء لا دين شفاء ، وديناً مرهوباً منه لا مرغوباً فيه ، ديناً يُعادي دُنيا ؟؟!!!
كيف للعرب وقد اتحدت أرضهم وبيئتهم ولغتهم يختلفون على كل ما كان يوحدهم ويجمع كلمتهم ، فيختلفون على كل شيء ، وما لم يكن شيئاً يختلفون عليه ، حتى يحل الخلاف والنزاع والخصام والقتال وهذا شأن العرب الكرام !!!
عجباً لعرب لم يهذب الدين طباعهم ، ولم يستطع العلم أن يُغيّر أعلامهم ومعالمهم، فتساووا مع الجهلة وذوي الهوى وهاموا في كل واد ، وخاضوا مع الخائضين ، وزادوا هوة الخلاف ، وكانت الفتنة من أفواههم وأقلامهم ، فانتصروا للظالم ، واتخذوا من الضحية والمظلوم عدواً وشيطاناً رجيماً !!
ونقف أمام هؤلاء الذين يدعون العلم والموضوعية من أصحاب الفكر والأقلام وهم يتاجرون بالدماء التي تنزف على مساحة الوطن العربي ، وهم يُغيّرون الحقائق ولا يأبهون لدماء الأطفال والنساء ، ولأنّات الجرحى ، وهم يجعلون هؤلاء لعبة إعلامية للاستجداء والاستعطاف ، وهم يجعلون من المقاومة وسيلة وهدفاً لسياسة الأعداء ، وهم يتبجحون بأكاذيب ما هي إلا كَوابلٍ من رصاصٍ بل هي أشد فتكاً من رصاص الأعداء ، كيف يقف مثل هؤلاء متأسفين لأسر جندي يهودي أو لمقتله ولا يأبهون لمقتل المئات من أبناء جلدتهم ؟؟ كيف يتأسفون لإعدام عملاء بدعوى القانون والإنسانية ويتنصلون من القانون والإنسانية وهم يرون القتل والتهجير والتدمير يصيب الأهل حيثما كانوا و حلّوا !!
يتشدق بعض هؤلاء بأنهم يختلفون وأن خلافهم لا يفسد للود قضية ، وهم كاذبون ، بل إن خلافهم أفسد وقتل ، ولم يكن هناك ودٌّ ولا حسن نية لا قبل الحوار ولا بعده ، يظنون واهمين أنهم مصيبون فيما يقولون أو يفعلون ، وما لم تكن الكلمة لهم والسلطة بأيديهم فكل ما دون ذلك خطأ وسراب !!
من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف باختلاف العقول والمذاهب والمشارب ، وباختلاف زوايا النظر واختلاف الأذواق ، ومن المفروض أن لا يؤدي الاختلاف إلى خلاف ، ما دام في فضاء حواري تشاوري ، يحكمه دين ومنطق وعقل وعُرْف، ويخضع حكمه لحكم أغلبية لا يظل لها رأي بعد حوار ، وتستظل بظله الأقلية راضية مرضية.
لم أقل جديداً في هذا الأمر ولن أقول ، ولكنه الداء ذاته الذي أدمانا قديماً وما زلنا عليه مدمنين حباً في اختلاف واختلاق اختلاف وخلاف، يُفسد وداً ويولد نِدّاً ، وسنبقى كما كنا مختلفين على الخلافة ، ولا تقوم لنا قائمة حتى يوم القيامة!! واحسرتاه !! واحسرتاه !!.
فنسيبة باقية ما بقي الزمان ، فعلمي العالم يا نسيبة كيف تطيقين ، بالله عليك يا سيدتي كيف تطيقين ؟