اللغة العربية 10
سلسلة المعرفة
الحلقة العاشرة
اللغة العربية
اللغة هي صلة الناس بأنفسهم وبفكرهم وعقيدتهم وأخلاقهم، وصلتهم بمن غيرهم من الناس، وصلتهم بمن غيرهم من الدول والشعوب، وصلتهم بنهضتهم العلمية ونهضتهم الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والعسكرية والجهادية، وصلتهم بنظام حياتهم، وصلتهم بأفكارهم ومقاييسهم وقناعاتهم .
وحيث أن هذه الأمور كلها تستحيل بدون لغة، لذلك لا نجد أحداً من البشر أو مجتمعاً أو أمة أو دولة تستطيع العيش دون أن تنشيء لنفسها لغة تتفاهم بها مع بعضها البعض، ومع من حولها من الناس والمجتمعات والدول، وتتعامل من خلالها مع كل سبل الحياة.
والإنسان ينخفض فكره وحياته وسعادته، وتتواضع نهضته كلما إنخفض مستوى اللغة التي يستخدمها .
فاللغة هي الطاقة الحقيقية التي تكمن وراء صناعة كل شيء في الحياة، وتتوقف كل أعمال الحياة أو تتعطل بتوقف اللغة، أو بتعطّل و خطأ إستخدامها في مواضعها الصحيحة .
بل إن من خلال اللغة وألفاظها يتم تغيير الآراء أو تفعيلها، ويتم تغيير المعتقدات والعادات والتقاليد أو تصحيحها، ويتم توجيه أفعال العباد بها أو تنظيمها .
وقد اختار الله سبحانه وتعالى اللغة العربية، كمبلّغ لرسالة الإسلام الرفيعة، ولتكون هي المادة لصناعة فكر الإسلام وحضارته، وصبغ حياة الشعوب بها، لتكون حضارة جديدة للبشرية من صنف رائع وراقي ومميز بكل ما تحوي من أفكار ناهضة، وأدبيات أخلاقية وإنسانية متفوقة، وقد كانت اللغة العربية بحق هي العروس المتميزة لإيصال الدين الإسلامي بكل ما يحتوي من فكر عظيم، ونظام شامل كامل لكل مناحي حياة الإنسان الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، وهي العروس التي تستطيع أن تجسد أفكار الإسلام وفضيلته بألفاظها العظيمة وثروة كلماتها المتنوعة ما تعجز عنه كل لغات العالم أجمع .
وقد كان،، وارتبط دين الإسلام باللغة العربية ارتباطاً عميقاً مُحكماً، كما أراد الله سبحانه وتعالى للغة العربية والإسلام، حتى بات يستحيل بحق لدين الإسلام أن تُفهم فكرته، أي عقيدته، وتُدرك روحه بدون اللغة العربية، أو أن يُفهم نظام الإسلام أويُطبق بدونها، أو أن يُنشأ المجتمع الإسلامي الموحّد بدونها، أو أن تتكون الأمة الإسلامية بدونها، وبات يستحيل أن تتم دعوة الإسلام وانتشار حضارته كما جاءت بدونها .
وكما أن اللغة العربية هي أُسّ كل شيء، وهي روح حضارة الإسلام، فهي نفسها السلاح الذي استخدمه الأعداء لمحاربة الإسلام والمسلمين، ومحاربة حضارتهم والوقوف دون انتشارها، وكانت هي فعلاً الطريقة المثلى لمحاربة الفكر الإسلامي ومفاهيمة التي تنبثق عنه .
ومن منطلق هذه المحاربة التي نجحت، بفضل جهود عظيمة كان لعلماء السلاطين والعلمانيين من دكاترة الجامعات العربية والغربية والحكام والمثقفين نصيب الأسد فيها، فقد بات الإسلام ديناً جديداً غير الدين الذي أتى به سيدنا محمد r للناس، لا يفقه أصوله ولا يعلم قواعده إلا العلماء به، على أصل اللغة العربية وقواعدها الصحيحة وألفاظها .
أما عامة الناس من المسلمين، فقد غُيّب الدين الإسلامي عنهم، وذلك من خلال إحراف اللغة العربية عن أفهام الناس وعقولهم، حيث باتوا لا يفهمون الألفاظ العربية الأصولية في الدين، ولا يدركون مدلولاتها، وباتوا لا تفقهها عقولهم، ولا تتحرك لذكرها مشاعرهم، لأنها أصبحت خاوية من مفهومها الإسلامي الشرعي، مما أدى ذلك عندهم إلى فصل اللغة العربية عن المقصد الشرعي الذي يحرك مشاعر الإنسان وغيرته وحميته للإسلام، أو للسلوك الإسلامي في علاقات الإنسان وتعاملاته، وبلغ بالمسلمين الأمر أنهم أصبحوا لا يفقهون القرآن ونصوصه ونصوص السنة الشريفة المطهرة .
وقد إشتغل على هذا الأمر كل القوى السياسية المحلية والعالمية، وكل شياطين الجن والإنس، حيث عملوا على تغيير اللغة العربية وإزاحتها عند أكثر الشعوب المسلمة، واُستخرجت لهم لغاتٍ بائدة وبليدة ومندثرة كبديل للغة العربية أحلوها محلها، ثم اُجبرت تلك الشعوب على التعامل بها، كما في المسماة اليوم تركيا، أو أفغانستان أو إيران وغيرهم كثير من دول آسيا وأفريقيا.
أما العرب منهم، فقد باتت اللغة العربية عندهم تُستخدم للعيش فقط، وليس للنهضة أو لتبني الإسلام أو لتطبيقه في واقع الحياة، وأصبح العرب لا يفهمون ألفاظ العربية بمدلولاتها الشرعية، كما أرادها الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد r ، فإن ذكرت لأحدهم التقوى لم يكترث لذكرها، في الحين الذي كان الناس عند قوام اللغة آنذاك تهتز مشاعرهم وأبدانهم لذكرها .
وإن ذكرت لهم الإيمان لم يكترثوا لذكره، في الحين الذي كان الناس عند قوام اللغة ترهف قلوبهم لذكره، وتهتز أبدانهم .
وإن ذكرت لهم الإسلام لوّوا رؤوسهم، في الحين الذي كان الناس عند قوام اللغة تهيج نفوسهم وتحمرّ وجناتهم .
حال ذلك حال جميع الألفاظ التي مررنا على ذكرها في سلسلة المعرفة من الولاء، والعبادة، والشهادتين والإقرار بهما، وغيرها من الألفاظ الفكرية والعقائدية .
ولذلك فإنه للعودة لدين الإسلام، ولبعث الكيان الإسلامي من جديد، ولينهض المسلمون، وليعودوا كما كانوا في عزهم ومنعتهم فلا بد من اللغة العربية، لا نقول للحديث بها فقط، ولكننا نقول لجعلها موضع التطبيق والإستخدام والعمل والإنتاج والعبادة والدعوة والنهضة فدراستها كما جاءت بمدلولاتها اللفظية، ودراسة وتدريس مدلولاتها الشرعية الحقيقية، وبالتالي القدرة على العمل بما جاءت به .
قال الله تعالى في سورة المنافقون آية 5
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
وقال الله سبحانه وتعالى في سورة فاطر آية 14
إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف 193
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ