ماذا بقي منا
د. مأمون فريز جرار
أخيرا ركز نابليون رايته في احتفال مهيب على شاطئ الخليج العربي، وعزفت الموسيقى النشيد الوطني الفرنسي، لم يقصف حفيده السواحل قبل النزول إليها بل استقبل استقبال الفاتحين، ومشى على السجادة الحمراء، فهو لم يأت عدوا غازيا بل جاء حليفا وصديقا وفق معاهدة تعاون تملأ الشاطئ العربي أمنا وتجعل أهله في مأمن من المخاطر التي يتوقعونها.
في زمن الطوائف الجديد الذي يذكرنا بعهد الطوائف في الأندلس يحس الإنسان العربي أنه يتآكل ويذوي، وأن ذاته تنكمش وتضمر، وأن سحنته تتغير كأنما هناك غرفة عمليات مفتوحة تعمل ليل نهار في عمليات تشكيل جديدة لظاهره وباطنه، لنفسه ولوطنه، لماضيه وحاضره ومستقبله!!
في السياسة تبرز أمامه خارطة الوطن العربي المشوهة بالحدود والسدود، وبالصراعات الخفية والمعلنة بين أجزاء الوطن الواحد، وبالتحالفات التي هي ثمرة الواقع المر: واقع الضعف والشك والحاجة إلى الحليف الذي يضمن الوجود إلى أطول أمد.
وفي الحرب يجد أمامه سلسلة من الهزائم المريرة التي لم يتح فيها للجيوش العربية أن تؤدي دورها على الوجه المطلوب مما ولد صورة زائفة للمقاتل العربي أسهمت في تصحيحها جزئيا معارك انتصرت فيها الإرادة العربية على العدو الغازي، سواء مع الجيوش أم مع المقاتلين في التنظيمات العسكرية المقاتلة.
وفي التحالفات الدولية يجد العربي على أرضه ألوانا من القوى المحتلة باسم التعاون العسكري تتجلى في قواعد عسكرية من شتى البلاد: أمريكية وبريطانية وروسية وأخيرا فرنسية، فماذا تفعل هذه القواعد وأي دور تقوم به في دول مستقلة تملك سيادتها؟!!
ولم يقتصر الأمر على القواعد العسكرية التي هي غزو واضح، بل ها نحن نستنسخ في بلادنا مؤسسات أجنبية لا أدري ما الهدف منها؟ لقد استنسخنا جامعات أمريكية وبريطانية وألمانية وها نحن أخيرا نستنسخ السوربون!! بل نستنسخ متحف اللوفر!!!
هل هي مشورات المستشارين الذين يعرفون كيف يستنزفون المال العربي الوفير؟ هل هو هوس من بعض الذين لم يعرفوا أنفسهم حق المعرفة ولم يعرفوا دورهم في الوجود فراحوا يبحثون عن وجود لهم في ملابس الآخرين بعد أن خلعوا ملابسهم وانسلخوا عن جذورهم؟!
لست مع الانغلاق بل الحكمة ضالة المؤمن لكن بشرط واحد أن نحافظ على أنفسنا وهويتنا وأصولنا ولا نصل إلى الحد الذي نذوب فيه ونسأل في حسرة: ماذا بقي منا؟!