وإذا كانت النفوس كباراً

وإذا كانت النفوس كباراً

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

ما أتعب أهلَ غزة إلا نُفوسُها الكبار ، تعبتْ أجسامُها وأرعبتْ أعداءَها ، لمْ تهنْ ولم تتهاون ، التقتْ النفوس وتآختْ وتآلفتْ ، وقامتْ وقاومتْ لِتُواجه وتُقاتل عدواً غازياً مُستشرياً في جسد الأُمّة العربية ،إنها النفوسُ الكبار التي لمْ تُفرق بين صغيرٍ وكبيرٍ ، ولا ذكرٍ ولا أنثى ، ولا فصيلٍ وفصيل ، بل قامت على مسيرٍ و مصيرٍ واحدٍ ، رافضة الضيم والخنوع. 

نفوسٌ مطمئنةٌ لِوعد ربها ، راضية مرضية ، تتنافس على البِرِّ والتحرير ، ففيهما التقوى – كانت وستكون – هي الأقوى ، والنصر قاب قوسين وأدنى .

هي النفوس الأبيّة  العزيزة  التي عاشتْ صابرةً مُصابرةً مُرابطةً ما بين الجمر والقبر ،فلم ترضخ ولم تهن ، كبيرةً كانتْ بِجُرحها وَرجاحةِ عقلها ، نفوسٌ طيبةٌ لا تستطيب الحياة إلا بِعزٍّ وكرامةٍ ، وتستطيبُ الموت عزاً لحياةِ دنيا أو لأُخرى .

مَنْ علَّم الطفلَ الصغيرَ أنْ  يتفوهَ بكلماتٍ استعصتْ على ألسنةِ أشباهِ الرجال ؟

 منْ علَّم النسوة أن يُودِّعن الشهيدَ عريساً بزغاريد الفرح؟

 من علَّم الرجال أن يتواصوا على الصبر أو النصر؟

 منْ علَّم كلَّ هؤلاء أن تكون كلمتهم واحدةً هي العليا ؟!!

 ومواقفهم واحدةً  جهاداً واستبسالاً ورديفاً لِفعلِ رجالِ المقاومة ؟!!

 فما خانوا ولا خدلوا ، ولم يتعبوا ولم يعتبوا ، نفوسٌ أمّارةٌ بالجهاد والنضال  والعزّة والكرامة ، نفوسٌ تهوى المعالي  ولا تهوي  إلى  مخازي الذلِّ والاستسلام والهوان ، نفوسٌ مُقاوِمة تقوم للحق وتسعى للنصر .

أيّةُ نفوسٍ هذه التي ما استصغرت صغيرَ أمرٍ إلا ورفعتْ شأنه وهي تُوظفه في مسار المقاومة ، ما هانتْ ولا خارتْ قواها ولم تُغيّر أقوالها أمام دماءٍ سالتْ ، أو جثثٍ قُطعت ، أو عمارات هُدّمت ، كأنهم نفسٌ واحدةٌ ، أُلهمتْ تقواها ، ورأت نصرها رأيَّ العين ونبضَ القلب ، وكان النصرُ ما تهوى !!

نفوسٌ كِبارٌ أتعبتْ نفوسَ أعدائها وما رأتها إلا صِغاراً ، أرهبتها بصوت المقاومة وصمتها ، جعلتها تخشى التقدم ولا تأمن التقهقر ، تهاب النومَ كما تهاب الموت ، تضرب وتهرب ، تُغيرُ بِحماقةٍ وتغورُ بانكسار، فما عادتْ القوةُ  تنفردُ بعددٍ و لا عُدة ، ولكنها النفوس المُقاتلة هي التي تعطي القيمةَ والقوة ، فما بالُك إذا كانتْ النفوسُ مؤمنةً بِمبدأ وهدفٍ لا يُباع ولا يُشترى ، إذا كانت هذه النفوس ترى في دحرِ الأعداء طهارةً ، وفي الجهادِ عِبادةً وغايةً ، ولهذا تُرخِصُ النفوسَ لِبارئها ،وتعرف طريقها ، فلا تضل ولا تذل ، نفوسٌ على دربِ الجهاد والاستشهاد ، هي القوة الكبرى التي دحرت وقهرتْ جيشاً قِيلَ بأنه لا يُقهر!! .

منْ غيرُ هذه النفوس التي تُحرك الأجسامَ لِتُقْدِمَ وتُقَدِّمَ؟ ، مَنْ غَيْرُها لِتستصغرَ العظائمَ وتَسير بِخُطى واثقةٍ؟ ، منْ غيْرها لِتثبُت على الأرض مع ثبات القيم فيها؟،  منْ غيْرها لِتخرَّ أمامها تلك الجباهُ الطاغية المستبدة ، منْ غيْرها يزرعُ النصرَ والأملَ زَرْعاً ، هي النفوسُ الكبارُ التي أتعبتْ أهلَ غزة ، وهي التي ستُريحُها وتُريح بها جِسمَ الأُمة عزّاً وأمناً وفخراً.