خذوا خنازيركم ، وارحلوا

إبراهيم جوهر

 تتصادم في عالمنا اليوم ثقافتان : ثقافتهم الغربية الطاغية ، وثقافتنا الحالمة ، الهادئة ، الوادعة . ثقافتان متباينتان متعاكستان ، لكل منهما اتجاه وغاية وخط سير مختلف ،كماأن منطلق كل منهما مختلف .

  وبين هذه وتلك ، ينساق عدد ليس قليلا من شباننا وشاباتنا وراء بريق الثقافة الوافدة ،

فيعجبون بمعطياتها ويحاولون تقليدها سعيا وراء الجديد الذي يلبي الأحتياجات الشبابية

الطائشة وغير المحسوبة على مسطرة القيم ، وتنتشر الألفاظ الغريبة الوافدة ، وتجر وراءها اللباس والسلوك والمعتقدات والرؤى !

انها ثقافة الموت والدمار المتسترة بلبوس الوداعة .وما الأوبئة التي بدأت بالأنتشار في الآونة الأخيرة الا أحد افرازات هذه الثقافة ، وثمرة من ثمارها .

هي ثقافة القوي المسيطر الظالم . ثقافة القتل والتدمير والتعذيب والسلب . انها ثقافة تقف ضد الأنسان والحضارة ، وتنحاز الى قيم السوق والأستهلاك والربح المادي السريع الذي لايلتفت للمعاني الأنسانية والوجدانية والروحية . هي ثقافة تحيل الأنسان الى آلة صما ء لا أحاسيس له ولا مشاعر …

هي ثقافة البريق الخادع ، والأنجازات الخادعة ، والفهلوة . ثقافة السمك في البحار ؛

لا مكان فيها للضعيف .

 فيا أيها الجالبون لثقافة الأيدز، وانفلونزا الدجاج ، وجنون البقر … وانفلونزا الخنازير

  ايها المارون بين أحلامنا ، وورودنا ، وأراجيح أطفالنا …

  أيها العابثون بمصائر الشعوب

  أيها الحاقدون على السلم والسلام ، المتآمرون على الحب والوئام

  يا من تعشقون سفك الدماء البريئة في هذا العالم المنكوب :

  آن لكم أن تترجلوا الآن عن عالمنا : ترجلوا عن قصائدنا ، وملاعبنا ، وأفراحنا .

  آن لكم أن تغادروا حلقات رقصكم الأجرامية .

  خذوا ما شئتم من ثقافتكم ، واتركوا لنا ثقافتنا / هويتنا / خصوصيتنا .

خذوا جنونكم ، وعبثيتكم ، وعطشكم لدمنا.

خذوا ما اشتهيتم من بريق ثرواتنا : نفطنا ومعادننا وشجرنا … وارحلوا عنا .

 خذوا خنازيركم ، ورشحها  . خذوا أمراضكم وأحزانكم

خذوا بقركم ، وحليبها ، وجنونها … خذوا كل شيء هو لكم ، واتركونا وحدنا .

 اتركونا لأحزاننا ، وأوجاعنا .

اتركونا نداوي مرضانا ، ونواري قتلانا .

اتركونا نربي أطفالنا على هوانا .

خذوا ثقافة الهامبورجر ، والكوكا كولا ، والجينز الممزق والمنسّل …

خذوا بلوزات (نصف البطن)!!، وصحون الأستعمال لمرة واحدة !

واتركونا لبواطينا ، وأيدينا ، وقطين أرضنا .

خذوا (الكادبوري ) ، واتركوا لنا الزبيب والعجوة والهريسة ، وكرابيج حلب !

خذوا ثقافتكم وطرقعات لبانكم …. واتركونا نعش لأفراحنا ، وأعراسنا ، ودبكتنا

اتركونا لأغانينا المجروحة ، وحدائنا ،ومواويل عشقنا وفرحنا البسيط الأليف .

اتركوا لنا شبابتنا ويرغولنا وربابتنا وعودنا … وخذوا جيتاركم ، ورقصكم .

خذوا كلابكم المدللة ، وخذوا شامبوهاتكم المعطرة ، واتركوا لنا صابوننا النابلسي

وكنافتنا الخاصة .

خذوا أنفسكم ، وكلامكم ،وضحكاتكم ،وأكلاتكم…

خذوا كل شيء أغرقتمونا به … واتركونا لشأننا ؛ لنقائنا . لصفائنا . لأفراحنا .

لأعيادنا . لشقائق النعمان في حقولنا ، وللأقحوان على سفوح جبالنا .

 أيها المغرقون أسواقنا وسماءنا ببضائعكم المزيفة :

خذوا زيفكم ، وكذبكم ، وعهركم ،وثقافتكم ، وارحلوا عنا …

اتركونا نحيا كما نحب ، كما يجب أن نحيا .