الزلَق

عبد الله عيسى السلامة

عبد الله عيسى السلامة

[email protected]

( أدبيّات سياسية )

قال الشاعر:

   ومَنْ لا يُـقَـدّمْ رِجْـلَه مُطْـمئِنّةً             فَـيُثْـبِتَها في مستوَى الأرضِ.. يَزلَـقِ

   والزلَقُ أنواع.. منها الماديّ ، الذي يعرفه الأطفال ، الذين تَجاوزوا السنة الثانية من العمر! وما نحسَب الشاعر أراده ، لأنا عرفناه حكيماً في شعره ، لاعابثاً.. إنه زهير بن أبي سلمى..!

 ويبقى النوع الآخر المعنوي.. وهذا عسير خطير..شتّى مَذاهبُه ، دقيقة مَساربُه..!

  وأكثرُ مَساربِه دِقّةً ـ وربّما وعورةً ـ ، ماكان ذا صِلةٍ بالساسة والسياسة ، وبالعناصر الأساسية البشرية ، للعملية السياسية ، وهي الحكومات ، والشعوب ، والمعارضات ..!

1-  مَزالق الحكومات .. اثنان :

·        مَزلق باتّجاه الداخل ، نحو الشعوب : وهو الاغترار بالقوة ( قوة الجيش .. قوة أجهزة الأمن .. قوة السلطة ) ..! وهو المزلق الأخطر، الذي يؤدّي بالتدريج ،  بوعي وبلا وعي ، إلى الطغيان .. الطغيان النسبي أولاً ، ثم الطغيان المطلق في النهاية ، حين يصل الحاكم ، الى المرحلة التي يحسب نفسه فيها صار إلهاً ، لامعَقّبَ لحكمِه ، ولا رادّ لكلماته..! وفي هذه المرحلة ، يَرى كل شيء في بلاده مباحاً له: ( سلب الأموال .. انتهاك حريات البشر وحقوقهم وكراماتهم ..) ! وبالجملة ، يرى نفسَه في بلاده ، ربّ مَزرعة يملك كل شيء فيها: الأرضَ ، ومَن عليها، وماعليها ! والرمز المجَسّد لهذا الصنف من الطغيان ، هو فرعون ، ومَن على شاكلته من فراعين البشر ، الكبار والصغار، قديماً وحديثاً..!

·        مزلق باتّجاه الخارج ، نحو القوى العظمى: وهو الانبهار بقوة إحدى الدول العظمى، والإحساس بعظمتها الهائلة ، والشعور بالدونية والضآلة تجاه هذه القوة وهذه العظمة، ثم الخنوع لها ، والاستسلام لأمرها ، حتى تصير هي المتحكّمة ـ مِن خلالِه ـ بشَعبه وبلاده ..! ولو أمَرتْه أن يُغرق أرض وطنه بدم شعبه ، لَما جَرؤعلى الرفض، بل حتى على مجرّد التفكير بالرفض..! وهذه الحالة من الذلّ ، والخضوع للأجنبي، موجودة في بعض دول العالم الثالث اليوم ، وأبرزُ مَن يمثّـلها ، الحكومات التي تألّهتْ على شعوبها..!

2-   مزالق الشعوب.. أهمها اثنان :

·        مَزلق الانخداع بقوة الحكام: وهذا يؤدّي إلى الخضوع المطلق لهم ، والاستسلام لتسلّطهم ، حتى يصبح الشعب قطيعاً مِن الخراف الضالّة ، في مواجهة حكّامه..! لايجرؤ على قول كلمة (لا) ، مهما صَبّ عليه هؤلاء الحكّام ، من فنون الظلم  والقهر والأذى .. حتى لو قَتلوا أبناءه في الشوارع ، أوعذّبوهم في السجون ، أو شرّدوهم في المنافي..! ومهما نَهبوا من أمواله ، حتى لو انتزَعوا اللقمة من أفواه أطفاله..!

·        مَزلق الصراع الداخلي: وهو أن تَـنشغل قوى الشعب ، وتجمّعاته البشرية ، من قبائل وأحزاب وطوائف ، بالصراع فيما بينها ، غافلةً أو متغافلة ، عن سبب شقائها الحقيقي ، وهو ظلْم حكّامها ..! وغالباً مايكون لهؤلاء الحكّام ، دور أساسي في تحريك الصراعات بين قوى الشعب ، لتظلّ هذه مشغولة بنفسها، عمّا تمارسه عليها هذه الحكومات ، من قهر وتسلّط وجور..!

3-  مزالق المعارضات .. وأهمها اثنان:

·        مَزلق الاستعانة بالقوى الخارجية ضدّ ، الاستبداد الداخلي: ومَن يفعل ذلك ، سعياً إلى التخلّص من قهر حكّامه وجورهم ، يحقّق في نفسه قولَ الشاعر:

والمستَجيرُ بعَمْرٍو عِندَ كُربَتِه         كالمُستَجيرِ مِن الرمْـضاءِ بالنارِ!

·        مَزلق الصراع فيما بينها: إذْ تبدأ كل قوة من قوى المعارضة ، بالتشنيع على القوى الأخرى ، وانتقاد سلوكاتها وتصرفاتها ، بحجّة أن هذه السلوكات والتصرفات أضعَفت المعارضة ، أو أنها تَـمّتْ من وراء ظهور القوى المعارِضة الأخرى..! ويظلّ سَيلُ اللوم والتعنيف والتشكيك قائماً ، بين قوى المعارضة ، يبدّل اتجاهاته من حين إلى آخر ، والحكومة تنظر إلى معارضيها هؤلاء ، وتَفرك يديها فرَحاً وغبطة..! وتعتزّ بذكائها ، وذكاء عملائها ، الذين دسّتهم في صفوف المعارضة ، ليعبثوا بها ، ويمزقوا شملها ، ويزايدوا عليها ـ في الوقت ذاته ـ بأنها لاتعرف كيف تعارض الحكم القائم ، بالشكل الصحيح ..! وإلاّ لتمكّنتْ من إسقاطه ..! لذا فهي مجموعة من العجَزة الخائبين ، وعلى كل فرد فيها ، أن يذهب إلى بيته ، ويهتمّ بشؤون أسرته..!