العرب وأوروبا ألفين عاما تاريخ مشترك
العرب وأوروبا ألفين عاما تاريخ مشترك
محمد هيثم عياش
برلين /22/04/09/ سئل المستشرق الالماني تيودور نولديكه بين أعوام 1836 و 1930 / ذات يوم عن الاسباب التي كانت وراء بقاء اوروبا في عصور الظلام لمئات السنين وتم خروجها الى النور بشكل بطيء في القرن السابع عشر ، فأجاب أن اسباب بقاءها في تلك العصور يعود الى انهزام المسلمين في معركة بواتييه التي يطلق عليها ايضا واقعة بلاط الشهداء حيث استطاع قائد الروم الغربيين / القوط / كارل مارتيل / بين أعوام 688 و 741 / عام 107 هجرية 731 ميلادية صد زحف المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي بالتوغل في فرنسا ، هذا الانتصار كان وراء عدم وصول الحضارة الى اوروبا الغربية ، وبقاء الحضارة الاسلامية منحصرة في شبه جزيرة ايبريا / اسبانيا والبرتغال وجنوب ايطاليا / .
فالعرب والاوربيين وعلى حسب اعتقاد المستشرق الالماني الفريد شليشت في كتابه الجديد / العرب واوروبا تاريخ مشترك - الذي نزل الى اسواق الكتب مؤخرا / لهم تاريخ مشترك يصل الى حوالي الفين عام منذ قبل ظهور الاسلام في شبه الجزيرة العربية وانتشاره في بلاد الشام والعراق وبعد ذلك الى اوروبا وحدود الصين في عهد الخلافة الاموية الاولى لينحصر انتشاره في عصر الخلافة العباسية وان تخلف اوروبا عن ركب الحضارة يعود الى الحروب الصليبية ثم بعد ذلك خروج المسلمين من اسبانيا والبرتغال في عام 1492 فالملكية الاسبانية التي تتابعت على حكم تلك الدولتين بعد فرديناند الاول أبقت اسبانيا في عصور الظلام لمئات السنين كما ساهمت الكاثوليكية الاوروبية الى حد كبير بعدم وصول الحضارة الاسلامية علومها في شتى المجالات الى اوروبا .
وأكد شليشت في كتابه فضل علوم العرب المسلمين على مكتشف امريكا كريستوف كولومبوس فلولا مساعدة رجال البحر العرب وعلومهم في هذا المجال اضافة الى علومهم في الفلك ودوران الشمس والقمر وحركة النجوم لما استطاع كولومبس اكتشاف امريكا فالوصول الى تلك القارة ساهمت علوم المعرفة الاسلامية من الطب والفلك والرياضيات وعلوم اخرى بوصول الاوروبيين الى تلك القارة ولولا استعانة كولومبس بما كتبه البحارة العرب عن علوم البحار وحركات النجوم لما استطاع اقناع فرديناند الثاني وزوجته ايزابيلا اللذين استعادا الاندلس من ملوك بني الاحمر بدعمه باكتشاف طريق بحري يصل الاوروبيين الى الهند كانت النتيجة وصولهم الى امريكا . هذا الاكتشاف كان وراء الثورة الصناعية في اوروبا بروز هذه القارة كقوة استعمارية جديدة ما لبثت ان تطورت الى قارة صناعية وغنية . هذا فضل المسلمين العرب على اوروبا . أما فضل الاوروبيين على العرب المسلمين الذين عاشوا بعد نهاية قوتهم في عصور مظلمة فيكمن بعودتهم الى نور العلم من جديد إثر حملة نابليون بونابرت على مصر قبل محاولته توسعة رقعة الامبراطورية الفرنسية في بلاد الشام التي باءت بالفشل في فلسطين ، فيؤكد شليشت ان المطبعة التي احضرها الفرنسيس معهم الى مصر كانت وراء انتشار الثقافة والمعرفة في تلك الدولة ومنها الى بلاد العالم الاسلامي الاخرى وان الاحتلال الفرنسي كان بمثابة ظهور وقوة الحركات العربية التي بدأت بمحاربة الدول العثمانية والاستقلال عنها . فبالرغم من الاستعمار بكافة أوجهه يعتبر بغيضا ونوعا رئيسيا من استغلال الشعوب واستعبادها والاستهزاء بها وجرح كرامتها الا ان الاستعمارين الفرنسي والبريطاني لبعض الدول العربية ساهم الى حد كبير بظهور هذه الدول كقوة اقتصادية وسياسية فيما بعد جراء مساهمة الاستعمار بتحقيق شيء من الرفاهية اضافة الى الديموقراطية في تلك الدول ، بالرغم من ان الاستعمارين البريطاني والفرنسي كان تتمة للحروب الصليبية ، فالجنرال الفرنسي غورو عندما دخل دمشق بعيد انتهاء الحرب العالمية الاولى كانت اول وجهته قبر صلاح الدين الايوبي بجوار مسجد بني امية وقام بضرب قبره بقدمه وقال له / اوه صلاح الدين ها قد عدنا / بينما خاطب الجنرال اللنبي زعيم فلسطين موسى الحسيني بأن الحروب الصليبية قد انتهت الآن .
ويرى شليشت ان اوروبا تنظر الى العالم العربي مسرحا لاغراضها الخاصة وليس كشريك استراتيجي وينظر العرب اليها كخطر يريد استئصال الدين الاسلامي واستغلال خيرات هذه الدول فالنزاع على فلسطين كانت اوروبا وراء اسبابه مؤكدا ان الصراع في تلك المنطقة لا يعتبر الدين الاسلامي والمسيحي وراءه بل يكمن بنزاع اقليمي على الوجود منحصر بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة متهما المانيا بأنها وراء النزاع في تلك المنطقة فلولا همجية النازية تجاه اليهود قبيل واثناء الحرب العالمية الثانية لما كان هناك نزاع في تلك المنطقة معتبرا الفلسطينيين ضحية قيام دولة لليهود على ارض فلسطين هذه الدولة التي كان الاوروبيون وراء قيامها فاوروبا أرادت التخلص من اليهود مؤكدا ان السياسة الالمانية الخارجية منحازة للكيان الصهيوني بدون الاخذ بعين الاعتبار اسباب النزاع في الشرق الاوسط منتقدا ايضا سياسة الكيان الصهيوني التي يمارسها ضد الفلسطينيين معلنا ان سياسته هذه لا تعتبر اخلاقية وتفوق وحشية النازية ضد اليهود اثناء الحرب مضيفا أن وقائع حوادث أيلول / سبتمبر من عام 2001 وما نجم عنها من أعمال استهدفت لندن ومدريد كانت السياسة الاوروبية والامريكية في المنطقة احد أسبابها الرئيسية .
ويذهب شليشت بأن العلاقات حاليا بين العالم العربي واوروبا تكمن بين التعاون والمواجهة موضحا بأن مواضيع مثل الحوار الثقافي ومواجهة الارهاب والفكر المتطرف الذي يحمله بعض الاسلاميين والبحث عن الشخصية والهوية الثابتة للمسلمين العرب والاوروبيين المسيحيين تعتبر الاساسية بين الطرفين المذكورين مؤكدا ان ظاهرة قوة الحركات الاسلامية واتفاع شعبيتها في العالم الاسلامي العربي تعود أسبابها الرئيسية الى السياسة الاروبية والامريكية في منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي برمته . معتبرا العلاقات بالرغم من قوتها حاليا تعاني من عدم الثقة من الجانبين فالتاريخ بينهما مليء بالمآسي الى جانب الازدهار فاوروبا التي حشدت جيوشها لاحتلال بلاد العالم الاسلامي اثناء الحروب الصليبية تركت آثارها السلبية على هذه العلاقات الى وقتنا هذا فأوروبا رفضت الاسلام وحاولت القضاء عليه وخرج منتصرا من جميع الحملات الحربية التي لا تزال مستمرة منذ أكثر من الف عام . وأعرب شليشت عن أسفه للحملات الهوجائية ضد الاسلام في اوروبا والغرب في البلاد الاسلامية العربية مؤكدا أن الاسلام والمسيحية لا يعتبران أخوين فقط بل توأمين على حد قوله.
ويقع الكتاب في حوالي 200 صفحة وصادر عن دار نشر كولهامر ويصل سعره الى حوالي 25 يورو .