خواطر مسلم حول "أحداث رابعة"!
خواطر مسلم حول "أحداث رابعة"!
أسد الله القوصي
في تمام الساعة الرابعة من اليوم الثالث من الأسبوع الثاني من أواخر الصيف الماضي؛ ذهبتُ إلى خيمة شيخي الجليل؛ تلك الخيمة المتواضعة كخيمة الخضر عليه السلام .. فوجدتُ عنده جمعاً غفيراً من أُولي الألباب. كان يحكي لهم عن قيام الحضارات وانهيارها، وصعود الأنظمة وسقوطها .. وكان من جملة ما قاله: أنه رأى في المنام؛ أنَّ (القيامة) قد قامت؛ وجيء بمن عاشوا في زمن (حادثة رابعة) ومَن شاركوا فيها، ومَن باركوها، ومَن أدلوا فيها بدلوهم. وضُرِبَ حولهم بسورٍ تحوطه ملائكةٌ غِلاظٌ شِداد، ورأى الناس لا يتكلمون ولا يؤذَنُ لهم فيعتذرون!
* * *
أخرج (الشيخُ) مسبحته من جيبه، وقال: الحمد لله أننا لمْ نكن ممن شهدوا يوم الطوفان، ولا يوم الصيحة، ولا يوم الحجارة المسوَّمة، ولا يوم سمعنا وعصينا، ولا يوم الطير الأبابيل! ولم نكن ممن عقروا الناقة، ولا من أصحاب الأيكة، ولا من الذين قالوا: اذهب أنتَ وربك فقاتلا، ولا من أصحاب الأخدود، ولا من بني قريظة، ولا الأحزاب من بعدهم، ولم نشهد "صِفِّين"، ولا يوم كربلاء، ولا يوم سقوط بغداد، ولا سقوط غرناطة، ولا يوم أنْ دخلتْ الخيل الأزهر، ولا يوم ولادة الوهابية المشئومة، ولا يوم التل الكبير، ولم نشهد النكبة، ولا الخامس من حزيران، ولم نكن مشاركين ولا شهوداً على ضحايا رابعة، وإخوان لا ظوغلي .. والقوم الظالمين!
* * *
ثمَّ استدارُ (الشيخُ) قليلاً، ووضع يده الحانية على كتفي، وقال: اعلم يا ولدي؛ أنَّ (حادثة رابعة) كشفتْ عن مدى الظلم والطغيان، والقهر والاستبداد، والمكر، والغدر، والخيانة، والجهل، والفسوق، والضلال، والكراهية، والبغضاء، والسوء .. وكيف كانت عواقب ذلك كله؟!
بعد ذلك تنهَّد (الشيخُ) وأخذ جرعةً من الماء، وقال: انظر؛ ماذا جنتْ علينا تلك الأنظمة الغشوم، والأجهزة القمعية، وحكَّام الجوْر، وعشَّاق الكراسي، وطلاَّب الدنيا وكلابها، ووسطاء السوء، والذين لا يرجون الله واليوم الآخر؟
واستطرد قائلاً: انظر –يا فتى- إلى حصاد الفكر السلفي الفاسد، والفقه البدوي الحامض، والبعد عن الدِّين، والجهل بالسنن الكونية، وعدم الاستفادة من دروس التاريخ، وعدم فقه الواقع، وفقه الأولويات، والمراهقة الفكرية، والخطب العنترية، والفتاوى الاعتباطية، والقرارات الارتجالية، والحناجر التكفيرية ... كيف كانت عواقبها؟
* * *
حوقل (الشيخُ) واستغفر مراراً، ثمَّ قال بصوتٍ حزين: لوْ تعلم –يا بنيَّ- ما أعلمُ؛ لَمَا طاب لك الطعامُ ولا الشراب .. فإنِّي أعلمُ عاقبة الذين ظلموا، وأيّ منقلبٍ ينقلبون!
ولوْ سمعتَ ما سمعتُ؛ لَمَا بقيتَ حيًّا بعد اليوم .. فإنِّي قد سمعتُ أنَّ العزيز الجبار يغضبُ غضباً لمْ يغضب مثله قط!
ولوْ رأيتَ ما رأيتُ؛ لاحترقتَ من هول المصير الذي ينتظر هؤلاء وهؤلاء .. فقد رأيتُ أنَّ أول ما يُقضى فيه الدماء!
* * *
تساقطت دموعُ (الشيخ) مدراراً، ثمَّ اتكأَ على كتفي، وقال: الأمر جد خطير يا ولدي!
فمن ذا الذي سيدفع فاتورة تلك الدماء الحرام؛ يوم الآزفة، إذْ القلوب لدى الحناجر كاظمين؟
من ذا الذي سيدافع عن هؤلاء وهؤلاء يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً، والأمر يومئذٍ لله؟
من ذا الذي يشفع في القتلة الفجرة، والجهلة المردة؛ يوم يقول (الصفيُّ، والخليلُ، والكليمُ، والروح): نفسي، نفسي!
ماذا سيقول القضاة، والحقوقيون، والمحامون، والوعاظ، والإعلاميون، والمثقفون، وأصحاب الأقلام، والألسنة الحداد .. يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى؟
ماذا سيقول الشهود في اليوم الموعود .. يوم تكون السماءُ كالمهل، وتكون الجبالُ كالعهن؟
ماذا سيقول القاتلُ والمقتول أمام محكمة العدالة القدسية الإلهية .. التي اقترب انعقادها؟
ماذا سيقول سماسرة الفكر، وتجار الشعارات، ومروجو الشائعات، وجامعو الأموال النفطية .. يوم يودُّ علوج الوهابية لوْ تسوَّى بهم الأرض، ولا يكتمون الله حديثا؟
ماذا سيقول الخطباء التكفيريون، وغلمان الوهابية، وضحايا التديُّن المغشوش؟
ماذا سيقول السلفيون الآثمون، الخانعون، التافهون، الهاربون، البائعون للقضية؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم النشور .. يوم ينادي المنادِ من مكان قريب؟!
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم التلاق .. يوم التناد .. يوم الحسرة إذْ قُضِيَ الأمر؟!
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم القيامة .. يوم القارعة .. يوم الحاقة، وما أدراك ما الحاقة؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) إذا وقعت الواقعة، ليس لوقعتها كاذبة؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) إذا زلزلتْ الأرضُ زلزالها، وأخرجت الأرضُ أثقالها؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعتْ، وتضع كل ذات حملٍ حملها؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة، ولهم سوء الدار؟
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) يوم يقالُ للمظلوم: تقدَّم، ويقالُ للظالم: لا تتكلم؟!
ماذا سيفعل (أصحاب رابعة) حين يتنكر الذين استكبروا للذين استُضغِفوا، ويتبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا، وتقطعتْ بهم الأسباب؟
ماذا سيفعل (الجلادون) و(الضحايا) و(الشهود) يوم النبأ العظيم .. ذلك يوم التغابن؟
أين سيهرب "أولاد الأفاعي" و"نسل فاعلي الشر" من دينونة الربّ؟ بلْ أين سيهربون من الغضب الآتي ... ويقولون متى هو؟ قلْ عسى أنْ يكون قريبا !!