أُمُّ الدُنْيا مَرِيْضْةٌ تَسْتغِيثُ وَتُحاسِبُ أَبْناءَها!
أُمُّ الدُنْيا مَرِيْضْةٌ تَسْتغِيثُ وَتُحاسِبُ أَبْناءَها!
أبو حذيفة
برقيَّةٌ عاجلةٌ من أم الدنيا تستغيث فيها أبناءها، تلومُهم، كيف أوصلوها بأيديهم إلى هذا الدرك من التخلف والانحطاط، تقول لهم: تتصارعون على من يتحَكَّم بي ويرثني حتى ولو أدى ذلك إلى أن يقتل أحدكم الآخر، ولا أحد يسابق الآخر على خدمتي أنا وأولادي، مالكم ماذا جرى لكم؟! فأنا لم أبخل عليكم يوماً بما أنعم الله به عليّ من خيرات ونِعَم، ما لي أراكم عطشى وقد وهبني الله النيلَ يجري عذباً في ربوعي؟! وأراكم تصرخون جوعاً وأرضي خير أرضٍ في الدنيا تُنبت الزرع بإذن ربها؟! وتتسوَّلون من هنا وهناك، وأنا مِصْرُ التي كانت تُزوِّدُ مَنْ حولها من البلاد بخيرات الله التي أنعم بها عليها؟! كيف يحصل ذلك؟ ماذا دهاكم؟ ماذا فعلتم؟ أُشْرِفُ على الموت بفعلكم، أوتظنون أنّكم ناجون إن لم تستفيقوا؟!.
وكأمٍ رحيمةٍ بأولادها ورغم ما يعتريني من أوجاعٍ سَبَّبَها لي حمُقُ إداراتكم، فلا بد لي من أن أحاسبكم وأبين لكم مواقع الخلل في حياتكم في أحضاني، وسألقي إليكم بطوق نجاةٍ علَّكم إن تمسكتم به نجوتم ونجتْ به أُمّتكم معكم، وإن أعرضتم عنه فلا يلومنَّ أحدكم إلا نفسه.
أولادي: لن أذهب بكم بعيداً في حسابي لكم، فسأبدأ من اللحظة التي جاءكم بها عمرو بن العاص برسالة الإسلام، فتناديتم بالرضا بالله ربا وبمحمدٍ نبياً ورسولاً وبالقرآن كتاباً، منذ تلك اللحظة التي تعرفونها جميعا جاءكم العز فأعزَّكم الله بدينه وجاءكم بالعدل فنعِمتُم بعدل أحكام السماء التي أظلَّتكم لأكثرَ من ألف عام، أحكامٌ قضت على كل بؤر الفقر والعوز والبطالة، أشْبَعَتْ جائِعكم وأغنت فقيركم وزادت غنيَّكم غِناً، فعشتم حياة هنيئة كنتم فيها إخواناً متحابين يعطف بعضكم على بعض، فكنتم أمَّـةً من خير الأمم على وجه الأرض وأغناها وأقواها، وحملتم رسالتها إلى ربوع الأرض فكيف استبدلتم نعمة الله هذه عليكم؟! ومَنْ ذا الذي أشار عليكم بهذا الهوان الذي أنتم فيه الآن، تعيشون في ذيل الأمم وتتسوَّلون كالأيتام على موائد اللئِام، مَنْ يا تُرى؟! لا بل وكيف سمعتم له؟! كيف تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!.
كنا في مقدمة الأمم بكل شيء أما الآن فنحن في ذيل الأمم في كل شيء، كنا نخاطب السحاب قائلين له أمطر حيث شئت، فالخير لنا أو عائد إلينا، أما الآن فنحن لا نقوى على أن نتفق على هلال شهر رمضان، كنا نحن من يحمي الأنهار والبحار والقفار، أما الآن فنحن لا نقوى على أن نحمي قناة السويس أو نهر النيل، كنا ندفع الزكاة والصدقات عبادةً لله وطلبا لرضاه، أما الآن فنحن نتسوَّل العطايا على أبواب الغرباء، كنا نزرع ونعمل فنأكل ونُطْعِم ونتصدق، أما الآن فنحن نشتري ونستورد مما يزرع الآخرون، كنا وكنا وكنا فأين أصبحنا بحمق السفهاء من شرار أولادي الذين وقفوا يدعونكم، فاستجبتم إليهم في الوقت الذي كان يجب عليكم أن تحجروا عليهم كي لا تغرقوا فيما غرقتم فيه من انحلال وتخلف وانحطاط وجهل وتخبط فحق فيكم وفيهم قول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾.
وبعد أيها الأبناء فإنني أخاطب العقلاء فيكم بأن يأخذوا على يد السفهاء منكم، الذين أوصلونا إلى هذا الحال المريض فيحجروا عليهم وعلى أفكارهم التي أشاعت فينا هذه الأوبئة في كل مفاصل حياتنا، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فأبعدونا عن نهج الله الذي ارتضاه لنا فأوصلونا إلى ما نحن فيه من شقاء وضنك عيش، خذوا على أيديهم وأعيدونا إلى سالف عصرنا، عصر العز والكرامة لنعود فنتبوأ مكانتنا التي أرادها لنا ربنا، نعيش وفق أحكام الله فنحل الحلال ونحرم الحرام، ونأخذ على يد الظالم وننتصر للمظلوم ونغيث الملهوف، خذوا على أيدهم فقد بلغ المرض منّا مبلغا لا يمكن السكوت عليه، فالله الله إليَّ بالدواء الشافي أيها الأبناء البررة، واتقوا الله في "أم الدنيا".
وختاماً أحبتي: فإنني قد سمعت في ربوعي أصواتاً لأبناءٍ لي وإخوةٍ لكم رجالاً ونساءً ينادون فيكم: أن توحدوا وهبوا للعمل على استعادة الإسلام تُحكِّمونه فيما بينكم كما فعل أجدادكم فسادوا به الدنيا، أصواتٌ تناديكم ليل نهار بأن هَلُموا إلى استئناف الحياة الإسلامية لنعيش عيشاً إسلامياً فنرضي ربنا، أصوات تناديكم ببرنامج واضحٍ أساسه الإسلام يخلِّصكم من التعاسة التي أنتم بها وضنك العيش، ويفتح لكم آفاق العيش الكريم، أصواتٌ تناديكم للعمل على بناء دولة الخلافة الإسلامية فتتكحل أعينكم برؤية قادةٍ لهذه الأمة أمثال أبي بكر وعمر بن الخطاب، الذين تعرفون كم كانوا أوفياء لأمتهم طائعين فيها ربهم، هذه الأصوات تصدر صباح مساء من حزب سياسي إسمه حزب التحرير، الذي جعل استئناف الحياة الإسلامية في واقع الأمة هدفاً له يعمل من أجله ليل نهار، عن طريق إقامة دولة الخلافة الإسلامية فنعود ثانية للحكم بما أنزل الله تعالى، نبايع خليفة على أن يحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله وله علينا السمع والطاعة، فنحقق بذلك وعد حبيبنا المصطفى: "ثم تكون فيكم خلافة على منهاج النبوة"، عندها فقط تكون الحياة قد بدأت تدب في عروقي ويذهب الظمأ ويكون الشفاء بإذن الله لأمِّكم "أم الدنيا"، تواصلوا مع إخوانكم لتنالوا شرف العمل باستعادة بناء مجد الخلافة الإسلامية، فأكون أنا مِصر أمُّ الدين والدنيا معاً بهمتكم. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾