بلد القرنفل والعطور.. هل تتذكرونه؟!
بلد القرنفل والعطور.. هل تتذكرونه؟!
محمد صالح الشمّري
فلسطين، عربستان، زنجبار.. الخ.. أعضاء تُبتر من الجسم العربي الإسلامي بقسوة وغلظة قل نظيرهما...
قبل أن يشرق نور التوحيد على جزيرة العرب كان العرب في جزر زنجبار وكان الولاة فيها يُعيّنون من قبل سلطان عمان ويخضعون له.. ويوم أن عمَّ الإسلامُ مشارق الأرض ومغاربها شملت رحمته أهلَ زنجبار في وقت مبكر من عمر الدعوة الإسلامية فمنذ القرن الأول الهجري نعمت زنجبار بعدل الإسلام ورسالته الخالدة.. وكان اسمها يومذاك (بر الزنج).. على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية مقابل تنزانيا تقع مجموعة من الجزر الجميلة الحالمة التي تتضوع عطراً ويعبق أثيرها برائحة القرنفل وأنواع العطور الفواحة الرائعة..
من هذه البوابة التي فتحت على مصاريعها للنور السماوي الذي أضاء القارة السمراء ونقلها من ذل العبودية والرق الجائر المتوحش إلى عزة الإسلام وحريته التي تعلن بأعلى صوتها: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراًَ...
عاش فيها العرب والمسلمون قروناً طويلة بغاية المودة والمحبة والأخوة الإسلامية التي لا تجد فضلاً لعربي على عجمي إلا بالتقوى.. وظل هذا ديدنهم حتى نزلت بساحتهم مصيبة الاستعمار والمكر البريطانيان عام 1890 في عهد السلطان علي بن سعيد واستمرت هذه المصيبة سبعين خريفاً كالحاً قادت إلى إنهاء الحكم العربي الإسلامي في هذه الجزيرة المصابرة.. حيث استقلت عن الاستعمار البريطاني في عام 1963 ولم يخرج الإنجليزُ منها إلا بعد أن أعملوا في جسمها تمزيقاً وإنهاكاً وفتحوا أبوابها لجارتها (تنزانيا) التي كان اسمها قبل ذلك (تانجنيقا) ففرضت الأخيرة على زنجبار اتحاداً فدرالياً أصبح اسمه تنزانيا في عام 1964 ونظراً للتباين الواضح بين وضع تانجنيقا وجزر زنجبار فقد بقيَ لزنجبار حكمٌ مستقل رغم كونها جزءاً من الاتحاد المسمى تنزانيا وأما كيف استطاع الاستعمار البريطاني أن ينتزع الحكم العربي الإسلامي الذي تجذر عبر هذه القرون المديدة.. فالجواب هو في سياسة (فرِّق تسد) حيث استعمل في زنجبار نفس السم الذي يسقيه اليوم لأهل دارفور.. وهو وضع اسفينه بين المسلمين من أصل عربي والمسلمين من أصل إفريقي!! رغم أنهم يدينون لرب واحد ويتجهون لقبلة واحدة ويقدسون كتاباً واحداً ويقفون للصلاة في صف واحد إلا أن مكر الليل والنهار شق صفهم إلى صفين وأوقد بينهم نار العداوة والاقتتال حيث تعاون المسلمون الأفارقة مع النصارى، الذين لا تتجاوز نسبتهم الـ 2% من السكان، على ارتكاب مجازر غاية في الوحشية والغلظة والقسوة بحق العرب المسلمين من أهالي زنجبار ذهب ضحيتها ما يزيد على /20/ ألف عربي مسلم من أهالي زنجبار بعد أن نشر المستعمر البريطاني في صفوف الأفارقة المسلمين فرية أن العرب هم أول من نشر تجارة الرقيق مع أن السلطان العربي (سعيد بن سلطان) كان قد وقع اتفاقية مع الإنجليز ألغى بموجبها تجارة الرقيق، هذه التجارة التي كان يتلطى خلفها الغربيون للاستيلاء على الدول الإفريقية واستعمارها..
لقد دعم المستعمر البريطاني حملات التبشير في كل من تنجانيقا وزنجبار، طرفي الاتحاد التنزاني، وعمل على تركيز الاقتصاد والثروة والقوة بيد النصارى حتى أصبح في زنجبار وحدها حوالي مائة كنيسة تعمل على نشر النصرانية في هذه البلاد المسلمة حتى النخاع.. ومقابل ذلك عمل الاستعمار البريطاني على إفقار المسلمين من العرب والأفارقة على حد سواء، وسلّم الحكم في تنزانيا للعلمانيين الذين أكملوا ما قام به الإنجليز من إفقار للبلد ونهب ثرواته وتجهيل أبنائه واستمرت المجازر بحق المسلمين منذ عام 1963 وحتى ساعة كتابة هذه السطور المدماة.. وذلك في أجواء من التعتيم المطبق على هذه المجازر الرهيبة الرعيبة.. فإذا تفهّم الإنسان سكوت وتعتيم الإعلام الغربي على هذه المجازر لأنهم هم من يصنعها عن سابق عمد وتصميم.. فكيف يمكنه أن يفهم –بالله عليكم- سكوت وتجاهل الإعلام العربي والإسلامي والأقلام المؤمنة من أهل التوحيد لهذه المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية خزياً وعاراً؟!! ونذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر لأنه فوق الطاقة والقدرة، المجزرة الهائلة الفظيعة التي رافقت الانتخابات التي أجريت في زنجبار عام 2000م وتم فيها التزوير الواضح وضوح الشمس الإفريقية اللاهبة فنظم المسلمون في زنجبار مظاهرة احتجاجية على هذا التزوير الوقح المستفز فما كان من الحاكمين إلا أن أطلقوا الجيش- الذي يُفترض أنه قد أُعدّ لحماية البلاد والعباد- على المتظاهرين يحصدون أرواحهم بوحشية لا مثيل لها.. ومن بقي من هؤلاء المتظاهرين جريحاً انقضت عليه الشرطة!! تكسر عظامه.. هكذا!! ثم تكوم هؤلاء المسلمين في شاحنات مكشوفة حتى يكونوا عبرة لغيرهم من المسلمين المطالبين بحقوقهم وحريتهم وإنسانيتهم..
فكيف سكت ويسكت الإعلام العربي والإسلامي عن هذه المأساة.. والدم المسلم واحد إن كان في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو عربستان أو زنجبار أو دارفور أو.. أو.. الخ.. الخ..
المسلمون في زنجبار لم يهنوا ولم يستسلموا حيث يقوم أهل الهمة منهم بأعباء الدعوة.. وجمع الصفوف ومواساة المصابين، وهم كثر، وإرشاد الناس إلى ما يصلح دينهم ودنياهم.. ولكن الظلم الذي يعانون والجور الذي يعصف بهم ومكر الليل والنهار الذي يحاك ضدهم يكاد يبدد هذه الجهود التي تنطلق أصلاً من قلة ومن ضعف ومن فقر ومن ظلمات تسلط الظالمين فهي تحتاج إلى دعم جهود المسلمين من كل من لديه (فضل ظهر).. فهؤلاء المسلمون المظلومون لا ظهر لهم على الإطلاق بل يكاد الفقر والظلم أن يقصمانه إن وجِد.. والظهر هنا لا يختص بناحية معينة بل يشمل كل شيء لأنهم بحاجة إلى كل شيء: فالمال لهم ظهر ومثله العلم والدعوة والكتابة في كل وسائل الإعلام تعريفاً بهم وبمعاناتهم وبمأساتهم وبما يتعرضون له من ظلم.. وتنظيم المؤتمرات أو المسيرات أو المعارض.. الخ التي تسلط الأضواء على هذه المظالم التي يتعرضون لها كلها أياد تقدم لهم وتعمل متكاتفة على انتشالهم مما هم فيه من بلاء ولعل من نافلة القول أن لا يكون هذا الاهتمام (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) على حساب التحديات الأخرى التي يتعرض لها أهل التوحيد فلا شك أن ثمة أولويات تتعلق بالأقربين ولكن ذلك لا ينبغي بحال من الأحوال أن يحجب مأساة المسلمين وضرورة الاهتمام بهم وبمشاكلهم وبمعاناتهم ومظالمهم.. ومن هؤلاء أهلنا في زنجبار فإن مأساتهم ما تزال مستمرة والظلم الفادح الذي ينزل بهم صباح مساء ويخرق أجسامهم سيفا الفقر والظلم، كما أسلفنا، وواجب المسلمين في كل مكان العمل بكل الجدية الممكنة من أجل دفع هذين الوحشين عنهم.. وهو أمر يدخل في نطاق الفرض وليس النافلة وفي أقل درجاته يصنف في خانة فرض الكفاية.. ولكن ما لم يقم به قسم من المسلمين سيكون فرض عين.. وهذه مسؤولية جسيمة ليس بمقدور أحد التفريط بها أو التنصل منها على الإطلاق..