الكتبة والقتلة
د. بلال كمال رشيد
من العيب والعار أن يتجاوز بعض الكتبة المجازر الإسرائيلية في حق شعبنا الفلسطيني ، وأن تتجاوز نظرتهم مناظر الأشلاء من اللحم الفلسطيني المتناثرة مع تناثر الحجر والشجر ليقفوا وِقفة المحللين الشامتين وهم يُوجهون أصابع الاتهام إلى الضحية لا إلى الجلاد ، من العيب والعار أن يُوجهوا رصاص كلامهم إلى من يواجهون رصاص الأعداء بكلِّ بسالةٍ وتصد وشموخ ، من العيب والعار عليهم أن لا يستفيقوا من غفلتهم على أنات الجراح وعلى شلال الدماء ، بل يذهبون بها لتسويق فكرهم الذي يُعادي فكر المقاومين ، ويصفون صفاً واحداً مع الأعداء ، يقاتلون معهم بالتحريض والتعريض ، وبالتهويل وبالتهوين ، يرفعون من شأن الأعداء ويزيدون لبأسهم بأساً ، ويُحبطون الرأيَّ العربيَّ العام، ويزيدون من يأسهم يأساً .
ماذا قدّم هؤلاء للقضية الفلسطينية خلال نصف قرن ويزيد ، لقد جعلوا من القضية قضايا ، ومن اللجنة لِجاناً ، ومن المؤتمر مؤتمرات ، أكلوا من القضية وعاشوا عليها يقتاتون ، يُخونون نفراً ، ويُوزعون أوسمةً على نفرٍ ، وما نفروا يوماً ولا أحبوا النفير ، يستقوون بالأقوى وإن كان عدواً ، ويميلون مع الريح حيث تميل ، ويقولون ويكتبون ما يُملى عليهم ، وأنّى لمثل هؤلاء أن تكون لهم عِزةٌ ، وأنّى لهم أن يفهموا العِزة والقوة كيف تكون ؟؟!!
إذا كان الدم العربيُّ القاني لا يُغيّرُ فيكم طبعاً ، ولا يُغيّرُ لكم حُكماً ، ولا يستنهض فيكم هِمةً ، ولا يستنطق منكم حِكمةً ، فأيُّ أملٍ فيكم يُرجى ؟؟!!
لقد كشفتْ جراح غزّة عوراتكم ، وأشارتْ بِصدقها إلى أكاذيبكم وافتراءاتكم التي سوقتموها زمناً طويلاً ، لقد خرجتْ جراح غزّة بِقلبٍ واحدٍ يئنُ ويُقاوم ، وَبِعينٍ ترى الحياةَ والنصرَ كرامةً أو شهادةً ، خرجتْ غزّة شعباً واحداً لا انقسام فيه ، لا اختلاف على رأيٍّ ولا على وِجهة ، خرجتْ بقلبٍ واحدٍ ولسانٍ واحدٍ ، وكشفتْ كلَّ القلوب والألسنة التي انقلبتْ عليها ، لم يخسروا إلا ليكسبوا ، فكانت وستكون لها الغلبة والنصر المبين .
حاول الأعداءُ أن يزيدوا من ضرب المدنيين ، لينتفض المدنيون على المقاومين ، وكتب هؤلاء الكتبة في هذا الاتجاه وزايدوا ادعاءً لرحمة وشفقة على المدنيين ، واتهاماً للمقاومين بأنهم فصيلٌ له أجنداته ، وبأنهم إرهابيون مخربون ، ولكن غزّة قالت كلمتها الواحدة الموحدة ، وانتفضتْ بجراحها وأحلامها ، لا فرق بين فصيلٍ وفصيل ، كلهم مناضلون مقاومون يرفضون الاحتلال، ويقاتلون الأعداء والعملاء ، وقفت غزة صفاً واحداً وواجهت أعداء كثراً ، ولا تقل عداوة هؤلاء الكتبة عن أولئك القتلة ، بل تزيد لأنهم من أبناء الجلدة ومن ذوي القربى ، وهم أشدُّ مضاضةً وظُلماً .
إن صمتَ مثل هؤلاء عبادةٌ قد تَجبُّ ما اقترفوا قبلها من ذنوبٍ ومخازٍ ، وصمتهم جهادٌ يسمح لنداء الجهاد أن يعلوَ على أصواتهم ، وصمتهم صمامُ أمانٍ لأصحاب الجحور للاختباء أو الاختفاء ، وصمامُ أمانٍ لِنسمع هسيسَ الجراح وصِدقَ النواح، وحتى نرى العزةَ والكبرياءَ والشموخَ والبطولةَ والكفاح أسلحةً ورجولةً تُكافح أعتى سلاح.
أذهلتْ غزّة الغزاة ببأسٍ لا يعرفُ اليأسَ ، وبتقدمٍ لا يعرف التقهقر ، وبثبات رجالٍ أُسودٍ حيث تضع قدمها تَحُدُّ الحدود وترابط ، ولا بُدَّ من دمٍ وصدقٍ وثباتٍ وَوِحدةٍ وتعاضد الساعد مع الساعد حتى يكون النصر، وسيكون النصر رغم مدادكم المسموم ، سيُغلبُ الأعداء وتُغلبون، وسيكون العصف –بفضل الله – مأكولا.