مصر فوق صفيح ساخن!!

حسام مقلد *

[email protected]

أُعلن في مصر مؤخرا عن انطلاق مشروع قناة السويس، وفي احتفالية إعلامية مشهودة تم البدء في المشروع، وهو نفس المشروع الذي كان قد أعلن عنه الرئيس الدكتور محمد مرسي ورصد له استثمارات هائلة، الغريب في الأمر هو أن نفس أجهزة الإعلام التي تحتفل بالمشروع الآن هي التي شنت عليه يومئذ حربا شعواء لا هوادة فيه، واتهموا الرئيس مرسي حينذاك بأنه يفرط في الأمن القومي المصري ... إلى آخر هذه الافتراءات وحملة الأكاذيب الممنهجة التي هيَّجت الناس ضده، وألَّبت الرأي العام عليه، وساعدت في شيطنة أول رئيس ديمقراطي وحكومته!!

·        ولنتخيل أن هذا المشروع العملاق وغيره من ترسانة المشاريع الاقتصادية العملاقة التي كان الرئيس مرسي قد تبناها في برنامجه الانتخابي ـ لنتخيل أن هذا المشروع تم البدء فيه والبلد هادئة مستقرة، وغير منقسمة على نفسها بهذا الشكل المروع الحاصل حالياً!!

·        لنتخيل أن الجميع التف وراء الرئيس الدكتور محمد مرسي!!

·        لنتخيل أن الجميع أخلص للبلد ولم يفكر في مصالحه الخاصة!!

·        لنتخيل أن كافة أجهزة الدولة ساعدت مرسي بجد وإخلاص، ولم تشيطنه هو وجماعة الإخوان!!

·        لنتخيل أن الإعلام التزم الإنصاف والمهنية، ودافع فقط عن المصالح الوطنية، ولم يهيج الناس ضد الرئيس المنتخب!!

·        لنتخيل أن الجيش والشرطة حفظوا الأمن، وأخذوا على أيدي البلطجية، ومنعوا الانفلات والفوضى وتفشي الجرائم!!

·        لنتخيل أن المعارضة السياسية لم تحارب الرئيس وحكومته بالباطل، وأنها التزمت بقواعد اللعبة الديمقراطية، ووقفت بشجاعة وقوة لتقوِّم بكل نزاهة وموضوعية مَن في الحكم عندما يخطئ!!

·        لنتخيل أن رجال الأعمال انطلقوا بكل وطنية وإخلاص لتنمية أموالهم، وإفادة البلد بمشاريع إنتاجية ضخمة وحقيقية!!

·        لنتخيل أن فلول الحزب الوطني رغبوا في التوبة السياسية الصادقة وتطهير أنفسهم من الفساد، وأنهم اندمجوا بإخلاص في التجربة الديمقراطية الوليدة وتخلوا عن أنانيتهم وجشعهم وطمعهم، وقبلوا أن تنجح البلد كلها ويتشارك خيراتها جميع أبنائها بكل عدالة ونزاهة وشفافية!!

·        لنتخيل أن ما يسمى بحزب الزور (السلفي..!!) توقف عن نفاقه وخيانته وكراهيته وأحقاده النفسية العميقة على الإخوان!!

·        لنتخيل أن العلمانيين واليساريين توقفوا عن كراهيتهم الأيديولوجية المتطرفة للإخوان، وكفوا عن محاربتهم والتآمر عليهم!!

·        لنتخيل أن القوى المختلفة لثورة 25يناير لم تتفتت، ولم تتحارب فيما بينها، ولم تسمح أن تتلاعب بها أجهزة المخابرات المحلية والدولية ... !!

·        لنتخيل أن الإخوان أنصتوا لناصحيهم، واحتاطوا لأنفسهم وللثورة، وقللوا من إفراطهم في السذاجة وحسن النية!! ... وتوقفوا عن غرورهم في تقدير الموقف المحلي والإقليمي والدولي!! ... وتحلوا ببعض الحنكة والحكمة والمرونة والقدرة على المراوغة السياسية!! ... واتخذوا الشعب بكل طوائفه ظهيرا لهم ... وفطنوا مبكرا لمحاولات شيطنتهم والتخويف منهم ... وانتبهوا لاستدراج منافقي السلفيين لهم (الحزب إياه ...) ومزايدتهم عليهم، ... واستيقظوا مبكرا للتآمر المعلن  ضدهم من جهات محلية وإقليمية ودولية ... وفهموا حقائق الأمور ... وعرفوا من يقف خلف هؤلاء المتآمرين عليهم وعلى مصر!!

والآن ماذا نتوقع أن يحدث بعد أن انقلبوا على مرسي ... وقتلوا الآلاف من المصريين الأبرياء ... وشيطنوا ملايين المواطنين وعدوهم من الإرهابيين ... وشقوا البلد بقسوة: 20٪ مع انقلابهم ... و80٪ من الشعب ضد هذا الانقلاب ...!!

إنهم يحاولون بالحديد والنار إجبار الشعب المصري على التسليم بالواقع والقبول بالعيش عبيدا يتحكم فيهم السادة في الداخل وفي الخارج ... فهل يطن هؤلاء أنهم سينجحون؟!!

 ألا يوجد عقلاء في هذا الوطن يقولون لهم كفوا عن هذا الهراء وارجعوا عن هذا الطريق!! ... لا يمكن أن تحدث تنمية والأخ يكره أخوه، والزوجة تعارض زوجها، والرجل يقاطع جيرانه وأقاربه بسبب حدة الاستقطاب والاحتقان الشديد الموجود حاليا في المجتمع!!

في الواقع إن مصر الآن فوق صفيح ساخن، والمجتمع المصري على وشك الانفجار بسبب غلاء الأسعار، وحالة الإحباط واليأس وخيبة الأمل المسيطرة على الجميع، ناهيك عن انتشار الفساد والرشى والمحسوبية، والأجواء الملتهبة، والأوضاع الخطيرة بسبب حدة الاحتقان السياسي، والغضب المكتوم، وتصاعد حال الغليان لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة ... وربما يكون الانفجار وشيكا!!

في الحقيقة لا بد من العودة لطريق الحق والصواب؛ إذ لا يمكن أبدا أن تستقر البلد وهناك حملة ممنهجة تشيطن أغلبية الشعب، وتريد استئصالهم أو إجبارهم على الخنوع والخضوع والاستسلام لحياة الذل والمهانة ...!!

لكننا ما زلنا نعول على الوطنيين العقلاء الموجودين في كل مفاصل الدولة أن يقوموا بدورهم في كبح جماح هؤلاء الأغرار الواهمين وتبصيرهم بحقائق الأمور ... "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21) ... والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

               

 * كاتب إسلامي مصري