حرب الأنفاق
حرب الأنفاق
استراتيجية التحرير الجديـدة
وليد رباح /الولايات المتحدة الأمريكية
لم يكن احد يتوقع عبقرية المقاومة الفلسطينية في غزه .. حتى الدولة الصهيونية التي برعت في استخدام التكنولوجيا متعاونة مع استخباراتها في الكشف عن ما يدب على الارض وفي داخلها .. لم تكن تتوقع ان تصل المقاومة الغزية الى حال من السرية والكتمان وغربلة عناصرها وانتقاء المنفذين لاستراتيجيتها .. بحيث غدت احدى العلامات البارزة في الانتصار رغم التضحيات التي قدمها المدنيون في غزه .. اذ لا حرب دون تضحيات .. ولا أنتصار دون الم .. حتى وان كان الالم قد اصبح مرافقا لحياة الانسان في الارض المحتلة .. فان المقاومة الفلسطينية قد حققت ما عجزت عنه الجيوش الكلاسيكية .. واستنبطت من تجاربها الكثير من الخبرة التي جعلتها تفاجىء العدو في كثير من المواقع بحيث برزت اليهم من حيث لا يتوقعون ..
ولقد وصفت جريدة دنماركية حالة الذعر التي بدت على وجوه عناصر الجيش الاسرائيلي والرعب الذي اصابهم عندما برز اليهم مقاتلو القسام من خطوطهم الخلفية لتمعن فيهم قتلا وجرحا .. ثم الانسحاب والتخفي في باطن الارض بحيث ظن قائد عمليات لواء جولاني الاسرائيلي ان المقاتلين قد اتوا من الارض المحتلة سنة 48 .. فقامت الطائرات الصهيونية على مختلفها بمسح المنطقة ولكنهم لم يعثروا على اثر للمقاتلين الذين ذابوا في طبقات الارض دون ان يعثر عليهم احد .. ولقد وصفت تلك الجريدة خسائر الاسرائيليين بالباهظة ولكن الجهاز الاعلامي العسكري اخفى ذلك عن المستوطنين بحيث اصدر بيانا لاحقا بقتل ثلاثة من الاسرائيليين وعدد قليل من الجرحى .. مع ان المعركة اسفرت عن فوضى عارمة في داخل لواء جولاني وكذبا فاضحا لدى سلطات اسرائيل العسكرية .
وتدليلا على هذا النجاح .. فان هذه الانفاق قد استخدمت على نطاق واسع في حرب فيتنام ضد جيش الولايات المتحده الامريكية عند احتلال فيتنام . مما اسفر عن قتل اعداد كبيرة من الجيش الامريكي دون الاستدلال على المهاجمين .. ولكن تلك الانفاق كانت انفاقا فردية لا تتسع لاكثر من اثنين او ثلاثة من المقاتلين اضافة الى قصرها والزحف فيها حتى الوصول الى الهدف .. عكس الانفاق الغزية التي كانت تحوي في هجماتها اكثر من عناصر عشره .. مسلحين ومدربين افضل تدريب وافضل تسليح .. مع اتساع تلك الانفاق والسير فيها براحة مع ما يحمله المقاتل من ادوات القتال .. ومع تكرار الهجمات من قبل المقاومة .. واستطلاع الاجواء من قبل سلاح الجو الاسرائيلي اكتشف النفق الاول ثم الثاني .. ثم من بعد ذلك اعلن الجيش الاسرائيلي الحقيقة عن وجود تلك الانفاق .
ونظرة اولى لهذه المعجزة التي تمت في حفر تلك الانفاق .. لا يستطيع الانسان الا ان يثمن عبقرية المقاومه الفلسطينية .. فكل نفق من تلك الانفاق كلف الاموال الطائلة .. وكلف ارواحا انهارت عليها الانفاق اثناء بنائها وهندستها وتدعيمها خاصة وان ارض غزة ترابية تنهار اذا لم يكن تدعيمها جيدا .. وكان الحفر فيها يعتمد على الجهد الفردي دون استخدام الالات التي تسرع الحفر حتى لا تخرج اصوات ماكيناتها ما يدل على وجودها .. فعادة ما تترك تلك الالات ارتجاجا في الارض عند الحفر ومن ثم يكتشف الامر .. ومن طريف الامر ان الحافرين لتلك الانفاق كانوا قلة ومفرزين بناء على مواصفات هندسية وقتالية ولوجستية بالغة في السرية . بحيث تم بناؤها خلال سنوات طويلة .. فاذا ما شعر الحافرون ان هناك دوريات اسرائيلية على الحدود يتوقف الحفر حتى يبتعدوا .. فاذا ما ابتعدوا استمر الحفر .. وكان هذا هو السر الذي اعتمدت عليه المقاومة في بناء تلك الانفاق .
ومن مصاعب بناء تلك الانفاق التخلص من التراب الذي ينشأ نتيجة الحفر .. فكان ان ابتكرت المقاومة الفلسطينية طريقة هندسية لا تخلو من طرافة وكبير جهد للتخلص من التراب .. اذ عمدت الى توزيع التراب بعد كل ليلة يتم فيها الحفر على مساحات واسعة من الارض .. وكان هذا يتم بجهد فردي كبير بحيث احتمل الحافرون ما لم يحتمله بشر في اخفاء وجود تلك الانفاق .. وكان التراب يوزع على مساحات الاراضي التي تقع في داخل الارض التي تشرف عليها سلطات غزة . ولنتصور ان عملية انشاء الانفاق كانت تتم بالحفر الى داخل الاراضي المحتلة المتوقع ان يعسكر فيها الاسرائيليون اذا ما كان الوقت حربا . وكان الحفر يتم شتاء اذ يخفي المطر ما القوا به من فضلات الحفر عن الاعين . وليتصور القارىء ما عاناه الحافرون لان المطر عندما يرش رذاذه على الارض وينفذ الى الاعماق ما يعني انهيار البقعة التي حفرت وعودتها الى سابق عهدها قبل الحفر .. وهو أمر كان يكلف اولئك الرجال جهدا مضاعفا في عملية الحفر .
ومن طريف الامر ايضا .. ان تلك الانفاق التي تحفر ولا تستخدم من قبل رجال المقاومة .. كانت تحفر خصيصا كمصائد ( للمغفلين) اذ كان امر الحفر لا يعدو حفرة يظن رائيها انها نفق طويل فيلجأ العدو الى فتحها لتدميرها .. وهناك يجد المفاجأة ان تلك الحفر مرصودة بالمتفجرات التي كانت تودي بجنود العدو عندما يريدون تدميرها .
ان حرب التحرير الشعبية التي اعتمدتها المقاومة الفلسطينية .. قد ابتكرت وسائل غاية في الصعوبة .. ولكنها تفاجىء العدو بما لا يتوقعه .. وقد كانت تلك الانفاق عامودا رئيسا في ارهاق العدو وايقاع الخسائر الكبيرة بين صفوف جنوده وضباطه .. مما جعل القوة الاسرائيلية عاجزة عن معالجة هذا الامر الا بشق النفس .. اما ما يزعمه العدو عن تدمير الاعداد الكبيرة من الانفاق فان المراقبين العسكريين والخبراء في حرب التحرير الشعبية تتفق مع ما تطرحه المقاومة من ان تدمير الانفاق لم يتم سوى بواحد في المئة مما انجز من تلك الانفاق . أي ان تدمير تلك الانفاق يحتاج الى احتلال الارض المقامة عليها الانفاق لمدة طويلة لاكتشافها والعمل على تدميرها .. وهو امر لم يتح للجيش الاسرائيلي لان المقاومة ضده كانت عنيفة ومؤثره .. ونحن نعرف ان العدو الاسرائيلي يتأثر كثيرا في خسارة جندي واحد .. فكيف اذا كانت تلك الخسارة بالجملة والتفصيل .. اضافة الى الرعب الذي يلف الجيش الاسرائيلي عندما تكتشف نفقا وتريد تدميره .. وهذا ما جعل سلاح الجو الاسرائيلي يقدم بعد وقوع فصائل الجيش في كمائن المقاومة .. ان يلجأ الى القصف الذي لا يجدي عادة الا في تدمير الفوهة الرئيسة للنفق .. ويمكن استخدامه ثانية بعد القليل من اصلاح العطب الذي حدث فيه.
ما لم يتوقعه العدو .. مع شراسة اعتدائه على المدنيين في ضغط على المقاومة (للاستسلام) لا يمكن الا ان يجعل هذه المقاومة تبتكر اساليب اخرى لا يتوقعها العدو .. فقد حلل كاتب عسكري اسرائيلي في صحيفة معاريف الاسرائيليه .. ان تدمير تلك الانفاق من المعجزات التي لا يمكن ان تتم بكاملها مع وجود المقاومه .. وهذا هو السر الذين جعل اسرائيل مرتبكة في اتخاذ قرار سياسي بوقف العدوان من طرف واحد .. متذرعة بانها قامت بتدمير الانفاق بكاملها أو جلها .. وتلك اكذوبة لا تنطلي على احد ..
والمستقبل الذي نراه في هذه الحرب الدائرة بين الحق الفلسطيني والباطل الاسرائيلي .. سوف يكشف لنا ان ارض غزة ستصبح في مقبل السنوات انفاقا تصل الى الارض المحتلة بحيث تكون هناك مدينة اخرى تظهر على السطح واخرى في باطن الارض .. ولايستبعد ان يصل المقاتلون المحترفون الى بعض المدن الاسرائيلية .. تماما مثلما حفر نفق من ارض غزة الى معسكر اسرائيلي فيما سبق واختطاف الجندي شاليط الذي كان فاتحة عهد للمقاومة باستخدام الانفاق بعد نجاح التجربه .
هذه بعض الحقائق التي يمكن ان نعرضها .. ولكننا حرصا على اسرار المقاومة لا نستطيع كتابة كل ما نعرف .. ونرجو ان لا نكون قد اذعنا سرا .. فنحن لم نعط العدو سوى ما يتبلغ به الجائع من ملعقة للطعام ربما كانت سامة ومصيدة لافكاره ..
مرحى للمقاومه .. ومرحى لاهل غزه .. دمهم يعني انهم اقتربوا من التحرير .. فقد اصبح توازن الرعب العسكري قريبا .. والغد لنا .. للمقاومه .. لاهل غزة .. لفلسطين .. وانا لمنتظرون.