العيد في الشام هموم وأحزان
د. محمود نديم نحاس
في العام الماضي وفي مثل هذه الأيام كتبت مقالة بعنوان "عيد الشام هذا العام"، وإذ أعود للكتابة عن الموضوع نفسه أجد أن الأمر ازداد سوءاً، بزيادة عدد المهجرين والمشردين. فأي عيد هذا الذي مر على شعب، ربعه مشرد، وربعه لاجئ في الدول المجاورة، وعُشره بين قتيل وجريح ومعتقل ومفقود، والباقون يتوقعون أن تنزل فوقهم البراميل المتفجرة، فكأنهم ينتظر الموت في أي لحظة! وأي بسمة سيستطيع العيد أن يرسمها على الوجوه أو الشفاه والحزن مسيطر على الناس، والدموع تملأ المآقي؟
أرسل لي صديق قصيدة لشاعر نظمها في معتقله، وقرأها في زنزانته يوم أحد الأعياد من وراء القضبان، فأبكت كل من كان عنده غلمان، بل وربما أبكت الجدران، ولربما أسالت دموع السجّان، فخفف عن المعتقلين العدوان، وتنازل يوماً عن أعمال الشيطان، وانحاز إلى المساكين ضد الطغيان، وعامل المساجين معاملة الإنسان، ورفض أن يكون من الأعوان، في جلد المواطنين وتخريب الأوطان، ولربما أعلن العصيان، وهو يرى الشباب يموتون في الريعان، ليس فيهم مجرم ولا مُدان، سوى أنهم رفضوا لفرعون الإذعان، وأرادوا هدم الأوثان.
وقبل قليل جاءتني رسالة تقول: من لم يمت بالقذائف والنيران مات غرقاً على شواطئ اليونان. وذلك في إشارة إلى حوادث غرق مراكب تهريب المشردين إلى أوروبا وهم يبحثون عن ملاذ آمن، بل وعن جوازات سفر لأولادهم.
لابد أن أولادك قد لبسوا ثياب العيد، وراح كل واحد منهم يتباهى بالجديد، وينهل من الحلوى التي كان ينتظرها خلال شهر الصيام... ألا فتذكر أولاداً كانوا في نعماء، فإذا بهم اليوم مشردين في أنحاء الأرض، في البراري داخل وطنهم، أو في المخيمات خارجه، لم يستطيعوا أن يحتفلوا بالعيد، فليس هناك أب يأخذهم إلى صلاة العيد، أو يأتيهم باللباس والحذاء الجديد، فالأب إما مغيّب في السجون من غير ذنب جناه، أو قضى إلى ربه من طلقة قناص أثيم، أو قُطعت رجله تحت قصف الظالمين. والأم المسكينة جمعت أولادها ولاذت بالفرار خوفاً على نفسها وعليهم، فتعرضت في منفاها لما لم يكن متوقعاً، إذ وجدت نفسها المعيل الوحيد، وحولها الأفواه جائعة والبطون خاوية.
وإضافة لحال هؤلاء هناك مناطق محاصرة، لا يدخل إليها رغيف خبز واحد، يعيش أهلها على ما يستطيعون استنباته في أرضهم، وقد عز الطعام، وندر المال، وهم يودعون كل يوم من يموت جوعاً.
الكل يزفر ويئن من الألم الدفين، والأسى يملأ بالدموع العيون، والجميع يشكون إلى الله الجبار أن ينتقم من الطغاة الآثمين. فالعيد ليس لهم، وإنما عيدهم يوم يزول الظلم ويعودون إلى ديارهم آمنين، ويكفيهم شرف أنهم صامدون على الحق المبين، لم يساوموا على الدين، ولم يستكينوا للظالمين، ينتظرون الفرج من رب العالمين. فيا ربّ أعطهم النصر المبين، وأطعم منهم الجائعين، وآمن منهم الخائفين، وآمنّا جميعا يوم الفزع الأكبر، فذلك الفوز العظيم.
ولقد أجاد الشاعر حينما وصف عيد الشام بقوله:
أبكي على الشام لا عيدٌ يمر بها *** ولا سرور يُناغي أعين العين
ولا اغتماضٌ لطرف الموت يمنحهم *** حيناً يُلملم أحزان المساكين
من لم يمت بسيوف الغدر قرّحه *** جوعٌ ودنّسه جَور الشياطين