الأحزاب والفرقان

أحمد سعد دومة

"الأحزاب "و"الفرقان"

تحزباتٍ فاشلة ..

ووعد بالنصر

أحمد سعد دومة /غزة

عضو رابطة أدباء الشام

thepoet1@yahoocom

مرَّت أسابيع عدَّة ، والمجزرة الدائرة على عموم غزّة لم تنتهي بعد ، وكأن الكيان الصهيوني المجرم يصرُّ على تدمير وقتل كافة أشكال الحياة هنا .. يريد أن يواري سوءته ، ويخبئ فشله الذريع أمام المقاومة الأبيَّة بتدمير الطرق والأراضي وقتل الأطفال وتدمير المنزل ، واستهداف الصحفيين والمسعفين ،وحتى مراكز الأمم المتحدة التي تعمل له وبه .

كل هذا لا يدل إلا على إفلاس صهيوني لم يسبق له مثيل ، فقد تحطمت-بفضل الله- هذه الأسطورة الزائفة على صخرة المقاومة المذهلة في غزَّة .

فكلَّما حاول التقدّم خطوة ،فاجأته المقاومة بما لم يحسب له حساب ، فجنوده قُنصوا ،وآلياته وميركافاه دمِّرت،وحتى طائراته أسقطت بعضها ، اعترف أنه إنما يحارب مجموعة من الأشباح يقاتلون ويقتلون ،ويختفون ..فلا يستطيع بهم لحاقاً ،ولا لنفسه أخذاً بثأر ولا رد شرف .

قد يظن البعض أن المقاومة تمتلك من الأسلحة ما لا تمتلكه آلة الدمار الصهيونية ،وهذا ليس صحيحاً البتَّة ، فالمقاومة تستخدم من الأسلحة أكثرها تواضعاً ، وأقدمها تصنيعاً ،وأقلها تطوراً.

لكن ترى ما السبب في هذا الصمود المذهل الذي تعجب منه الصديق قبل العدو ؟؟!

في الصراع بين الحق والباطل، وفي التدافع بين جند الله تعالى وجند الباطل حِكَم وأسرارٌ لا يحيطها علماً إلا العليم الحكيم الذي جعل التدافع بين الفريقين سنة من سننه في البشر لإصلاح الأرض ومن عليها [وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ] {البقرة:251}.

وكل ما جرى ويجري بين معسكر الحقِّ ومعسكر الباطل من المعارك الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية هو جزء محتوم من هذا التدافع الذي أراده الله تعالى قدرا ؛ ليَهْلِك من هلك عن بينة ويَحيا من حيي عن بينة، وليميز الله الخبيث من الطيب، ولْيُظهر المنافق من المؤمن، والمقاوم من الخانع ، والثائر من المستكين ، والوطني من العميل.

إن الناظر لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم نظرة العاقل المعتبر لوجد التاريخ يكرر نفسه ، وصفحاته تُفتح اليوم ثانية ، فما غزوة الأحزاب عنَّا بحدثٍ غريب ، فهاهم اليهود يحرِّضون ويحزِّبون "بني النضير ،بني أسد وبني سليم وكنانة وغطفان وغيرهم من الأعداء وحلفائهم وعملائهم " يتحزّبون لحرب النبيّ وصحبه ممن حملوا راية الحق ودافعوا عنها بروحهم ونفسهم ، حاصرهم المشركون ، وتربَّصوا بهم ... حاولوا وحاولوا ..ولكن هيهات لهم أن ينتصروا على من وعدهم الله بالنصر ، لا بالحصار ولا بالحرب والنار ...ولا حتى بالتفاوض والحوار .

لم تكن غزوة الأحزاب حرباً ميدانيّة ،أو نزال حقيقي في ساحة قتال ، بل كانت معركة أعصاب وامتحان نفوس واختبار قلوبٍ وإرادة ، ولذلك كان من البديهي أن ينتصر المسلمون ، ويفشل أعداءهم فشلاً حقيقيّاً لا مثيل له .

علم النبيّ-صلى الله عليه وسلم- بنقض بني قريظة للعهد ، وعلم المسلمون بذلك فعظم البلاء ،واشتدّ الكرب ، وزاد الخوف والترقب { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } ( الأحزاب : 10 – 11)

والمنافقين طبعاً لهم دورُ في زيادة الأزمة كعادتهم في الأحزاب ، وفي الفرقان ، وذلك بالسخرية من المؤمنين وبثّ روح الهزيمة ،ومحاولات التثبيط المستمرة للمقاومين المجاهدين ، كما قال تعالى : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } ( الأحزاب : 12 )

فالله تعالى يعلم ما سيحدث في الأحزاب ،وكذلك يعلم ما سيحدث في الفرقان وهاهو تعالى يخبرنا بالصورة ويوضِّح لنا المعالم ، فمصير هؤلاء "الأحزاب" و"قوى الشرِّ العالمي" ما بين قتلِ وأسر ... لا خيار ثالث أمامهم ،أما المجاهدين المقاومين فنصرُ أو شهادة . ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً ليجزي الله الصادقين بصدقهم و يعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً و ردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً و كفى الله المؤمنين القتال و كان الله قوياً عزيزاً و أنزل الله الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم و قذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون و تأسرون فريقاً )

.وطال على المؤمنين الحصار ،واشتدَّ عليهم الخطب وعظم ، دعا النبي ربّه ليهزم الأحزاب ويزلزل عروشهم وأركانهم ، وما هي إلا أوقات قلائل حتى ساق الله لنبيِّه النصر ومن معه ، فكان للمؤمنين النصر ، بأن أنزل الله عليهم الملائكة تحارب معهم ، وتلقي الرعب في قلوب عدوِّهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا } ( الأحزاب : 9 ) .

فالـ"مقاومين" من الصحابة مع نبيِّهم رجال قابلوا البلاء بالرضاء والتسليم، وتسلحوا له بالإيمان واليقين، ولم يبدلوا دينهم أو يتنازلوا عن شيء منه، وما كان ذلك منهم إلا بتثبيت الله تعالى وتأييده ومعونته عز وجل لهم، وذلك إنما ينال بتقواه وطاعته ، وحرصهم على الموت الذي وهب لهم الحياة العزيزة في الدنيا ،والنعيم الخالد في الآخرة.

فلا نفع الأحزاب تحزبهم ،ولا نفع العملاء عمالتهم ، ولا الصامتين صمتهم ... فالوعد من الله لجنده بالنصر ، ومن أوفى بعهده من الله !!!

فما حدث لهم من مصيبة وهزيمة ،وفشل في الأحزاب ..سيحدث لا محالة لهم في "الفرقان" على أيدي الرائعين من حملة لواء الحق ، والمدافعين عن الأرض والعرض والكرامة ،والشرف.

فَهُزمت جموع الباطل في الأحزاب بالريح وهي من جند الله تعالى، وبالملائكة عليهم السلام وهم أيضا من جنده عز وجل، وهم المراد بقوله سبحانه [وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا].

اليهود جمعوا القوى لمحاربة أهل الحقّ في العام الخامس من الهجرة ، وخذلهم الله وزلزل عروشهم على أيدي"المقاومين" من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- وساعدهم في ذلك العملاء والخونة والمنافقين ، واليهود أيضاً يعيدون التاريخ ثانيةً ، فيحزِّبون الأحزاب ، ويجمعون القوى ،ويجهزون الترسانة والأسلحة ، بمساعدة العملاء والمنافقين والخونة ، ليحاربوا "المقاومين" في غزَّة .

كانت غزوة الأحزاب امتحانا صعبا نجح فيه أهل الإيمان، وأخفق فيه أهل النفاق..كان امتحانا ابتلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولكن الله تعالى ثبت المؤمنين بصدقهم ويقينهم، وخذل المنافقين بشكهم وارتيابهم، وردَّ الكافرين بغيظهم لم ينالوا من المسلمين نصرا ولا غنيمة ، وهو ما يحدث وسيحدث في معركة الفرقان تماماً ، فالسيناريو واحد ،والمعطيات واحدة ، والمعسكرات –كذلك- واحدة .

إن المُراهنِ على العمالة والخيانة والنفاق والخداعِ مراهنٌ على جوادِ بلا أقدام ، خاسرٌ لا محالة ، لا يستطيع-أصلاً- دخول السباق ، وإذا أُدخلِ ، فلن يًسابق ولا يتحرك ، ولن يحصد إلا هزيمةً تلو الهزيمة.

أما المراهن على المقاومة والتحدي ،والمطالبة بالحقِّ وشراء الحريِّة والكرامة بثمنها ، هو الذي راهنَ على أقوى الجيادِ وأكثرها أصالة وفحولة ، وقدرةً على حسم السباق والصراع من الجولة الأولى ... وإن طالت هذه الجولة .

إننا في أشدِّ الحاجة اليوم لاستلهام هذا الدرس الرائع العظيم من دروس المقاومة الصامدة ، والوعدُ الإلهي المتحقق ، فنثبت بمثلهِ على طريق الحقِّ ، ونزداد بوعدِ الله إيماناً ويقينا ، مستعينين على عدوِّنا وعملائه وأذنابه بالله جلّ وعلا ، فالحملات تشتد على الحقِّ ضراوة وشراسة ، لكن وعد الله حقّ ، ولن يخلف الله وعده ، فتمسكوا بدينكم ، وثقوا بنصر ربكم ، واصبروا على البلاء ينفرج ، وتحمَّلوا العدوان وقاوموه يندحر بإذن الله وفضله

والله غالبُ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .