في تونس... عادات وتقاليد اجتماعية راسخة

وفرحة بعيد الفطر المبارك

رضا سالم الصامت

مع حلول عيد الفطر المبارك ، يحرص المواطن التونسي على ممارسة طقوسه و عاداته الاجتماعية فبالنسبة للتوانسة هو " العيد الصغيرفيه يلتئم شمل الأسرة حول مائدة إفطار وفي صبيحة يوم العيد يتوجه الناس صوب المساجد والمصليات لأداء صلاة العيد ،مرتدين اللباس التقليدي الجبة و هناك من يرتدي لباسا جديدا ، و يخرج التونسيين زكاة العيد لتذهب إلى الفقراء و المساكين  ثم يذهبون لأداء صلاة العيد و فور الانتهاء  يتعانق المصلون و يتبادلون التهاني  ثم يغادرون  المساجد  في اتجاه المقبرة القريبة للترحم على أرواح الموتى من الأقارب و بعد ذلك يتوجهون في فرح و حبور إلى بيوتهم القريبة .

 من عادة التونسي  الجلوس على الأرض لتناول الطعام  ، لأنه  يعتقد أن في ذلك أكثر راحة نفسية و جسدية له  و يعد  فأل خير و بركة ففي اليوم الأول من صبيحة يوم العيد تجتمع الأسرة لتناول طبق " الشرمولة  " و هي أكلة شعبية لها  تاريخ و تطبخ منذ دخول العشر الأواخر من شهر رمضان  وهي أكلة  تتكون من زبيب و هو عبارة عن عنب مجفف  يرحى  جيدا ثم يطبخ بالبصل حوالي 2 كلغ  و بزيت الزيتون  و يقلى  ثم  يضاف إليه ماء قليل  و بهارات  فتنتشر في المكان رائحة طيبة تدخل في النفس البهجة  و الفرح  هذه  الأكلة  معروفة في جهة صفاقس و الجنوب التونسي ككل .

ان هذا الطبق الذي يتم استهلاكه مع سمك مملح بمختلف الأنواع ، و منه البصل و الزبيب وزيت الزيتون و غيرها من البهارات التي تضيف نكهة فواحة على الطبق ...

و الغريب أن هناك  أسطورة تقول أن  الشرمولة أصلها  يوناني  و قد انطلقت الى تركيا و من تركيا وصلت الى شمال افريقيا و تحديدا إلى صفاقس  و الشرمولة انواع و هي تختلف من مدينة الى اخرى فمثلا شرمولة جزر  قرقنة أو جزيرةجربة أو في الشمال التونسي  مدينة بنزرت أو تونس العاصمة لا تشبه شرمولة مدينة صفاقس أبدا .

و حسب الأسطورة  إن مكتشفها  بحار يوناني تحطم  مركبه اثر عاصفة بحرية و غرق من معه من رجاله  و نجا بنفسه و بقي  تائها تقذفه الأمواج هنا و هناك  لمدة شهرين و كان سيموت من شدة العطش و الجوع  فاخذ يبحث في مركبه عله يجد شيئا يسد رمقه  ، فعثر على كيس به عنب و بصل فوضعه تحت أشعة الشمس ليجف ذلك العنب و يصبح زبيبا ثم قام بطبخه  في قدر به ماء  و أكله  و كان هذا البحار اليوناني يدعى   شارل مولا و لذلك سميت  بهذا الأسم " شار مولا "  حسب الأسطورة .

فشرمولة مدينة صفاقس تتميز على غيرها بمذاقها الحلو بسبب كثرة الزبيب المستعمل اثناء طهيها لمدة ثلاثة او اربعة ايام و طبخها لأيام يزيدها نكهة، و تستهلك بطبق آخر ان صح التعبير و هو طبق يحتوي على سمك مملح يكون عادة من انواع سمك كبيرة الحجم مثل " المناني و البوري و الغزال و الكرشو و غيره " 

غالبا ما يتم شراءها مملحة أو طازجة ثم يقع تشريحها قبل ايام العيد و اضافة الكثير من الملح فيها...خلال ليلة العيد توضع في قدر او اناء من الماء بعد أن يتم تنظيفها و إزالة الملح لتطبخ صبيحة العيد بالماء المغلي ...

بعد اخراج زكاة الفطر و الانتهاء من صلاة العيد و بعد تبادل التهاني ، تجتمع العائلة الصفاقسية حول المائدة لتناول " أكلة الشرمــــولـة " ذات اللون العسلي و معها رقائق من الحوت المالح ... و تؤكل  الشرمولة  بغمس الخبز  " خبزة العيد  " الجميلة الشكل و اللذيذة الطعم ، مع أكل رقائق من السمك المملح و شرب الماء و لكن ليس بكثرة  و بهذه الطريقة يقال أن الشرمولة الصفاقسية و السمك  المملح  " المالح يجعلان المستهلك يقبل على شرب الماء و هذا مفيد للصحة حيث تنظف المعدة بعد صيام شهر كامل ،و شيئا فشيئا تعود المعدة لنشاطها العادي عند تناول المأكولات العادية الأخرى.

في صبيحة يوم العيد تضع  صاحبة البيت  لزوجها  صحن  الشرمولا و نفس الشيء  لكل أفراد الأسرة صحنا خاص بهم ، أما ربة البيت فإنها  تقوم بإرسال صحون منها لجيرانها و هي أيضا تستلم منهم و يسمون هذه العادة  " الذواقة و هي عادة ما تزال محببة لدى العائلات التونسية  إلى يومنا هذا  و بالنسبة  لتجمع العائلة التونسية  حول مائدة إفطار  من صبيحة اليوم الأول من عيد الفطر  المبارك  يتناولون أفراد الأسرة و الضيوف إن وجدوا  أكلة الشرمولة  حلوة المذاق ذات نكهة طيبة ويغمسون الخبز  فيها و يأكلون و مع السمك المجفف و المملح    . 

الجدير بالذكر انه وقبل أيام من حلول العيد ، تنتشر في الأسواق و في المغازات  الكبيرة  تجارة بيع الحلويات  و المرطبات و كعك العيد  و حلوى العيد و يشكل هذا في حد ذاته حركية تجارية نشطة وتلقى تجارة التوابل و الخضر و الغلال رواجا كبيرا رغم غلاء الأسعار ...

و في ختامي مقالي أتمنى لكل مسلم و مسلمة   عيدا سعيدا  و لكل طفل و طفلة   عيد فرحة و لكل بطل و بطلة  من أبناء  غزة  عيد نصر و انتصار و لكل شهيد و شهيدة  عيد رحمة   و للأمة  العربية و الإسلامية  عيد  وحدة و سلام  و  للجميع عيد خير و بركة  و كل عام و انتم  بألف  بخير .