عين جالوت موعدنا

سنوات من القتل التتري

وجلنار تنادي : وإسلاماه

زهير سالم*

[email protected]

لا شيء يشبه ما يجري على المسلمين في الشام على أيدي مثلث قوى الشر ( المتحالف والمتواطئ ) إلا ما جرى على هذه البلاد في أيام الغزوين الفرنجي ( الصليبي ) الهمجي والمغولي ( التتري ) الوحشي .

( بشار الأسد ومحازبوه ) و( مناصروه ) و(المتواطئون معه بالسكوت عليه )  يفعلون في الشام اليوم ما فعله هولاكو في القرن السابع للهجرة . منذ أن انطلقت جحافل التتار نحو مملكة خوارزم شاه سنة 617 للهجرة  إلى أن سقطوا صرعى في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 منها في عين جالوت .

قربيا من نصف قرن من القتل والاستباحة والتدمير لسكان هذا الجزء من العالم  ، سبقها أكثر من قرنين من جرائم الحرب وحروب الإبادة على أيدي الفرنجة ( الصليبين ) الهمج القساة ..

وبعد ما يقرب من ألف عام ها هو التاريخ  يعيد التاريخ نفسه . على أيدي مغول العصر وصفوييه والمتواطئين معهم الساكتين على جرائمهم من صليبيه .

 . بشار الأسد  ( هولاكو ) القرن الحادي والعشرين . يرتكب  في الشام وأهله مع تطور وسائل القتل وأساليبه وأدواته أضعاف أضعاف ما قدر           ( هولاكو ) الأول على ارتكابه .

بشار الأسد ( هولاكو ) القرن الحادي والعشرين  لم يترك موبقة مما ارتكب ( هولاكو)  بحق المسلمين إلا وتفوق فيها عليه كما وحجما وقسوة وعنفا . ولم يترك جريمة إلا واقترفها بأدوات العصر التدميرية  التي لم يكن  ( هولاكو)  قد سمع بها .و لم يترك بشار الأسد بحيرة للإثم والدنس والغدر والمكر والخسة والتوحش مما تلطخ فيها هولاكو إلا وغاص أعمق فيها .

انحطت جموع ( هولاكو ) التترية إلى بلاد المسلمين بشراكة مباشرة مع الأمراء الجيورجيين والأرمن بكتائبهم وجيوشهم  بالطريقة نفسها التي يدعم فيها الروس والصفويون بشار الأسد في حربه المتوحشة على الإسلام والمسلمين .

في سنة 617 عندما توجهت جيوش جينكز خان في أقصى الشرق إلى بلاد المسلمين لم يكن السلطان خوارزم شاه يشكو إلا من وهن دب إلى نفوس رجاله ومقاتليه .

كانت الهزيمة الأولى على أسوار بخارى التي انسل منها جند خوارزم شاه ولم يصبروا إلا أياما قليلة . وانحاز إلى قلعتها أربع مائة رجل من الجند فصاولوا جيش جينكز خان اثني عشر يوما عجزت المدينة بكل من فيها أن تصبر مثلها . ومن بخارى إلى سمرقند ومن سمرقند إلى وإلى وإلى وإلى بغداد سنة 656 ...

وللدرس والعبرة أروي : عن بغداد العظيمة بخليفتها الذي كانت جاريته ترقص بين يديه صمدت اثني عشر يوما فقط لتصمد بعدها ميافارقين في ديار بكر بين يدي حلب عامين . عامان أعاق الكامل الأيوبي تقدم جيوش التتار بكل الجحافل التي يتحدثون عنها .

وللدرس والعبرة  مرة أخرى أكتب لم تكن جحافل التتار عظيمة ، ولم تكن قواتهم لا تقهر وإنما كان الوهن قد ملأ القلوب والنفوس وعشعش في العقول .

أترحم على الكامل الأيوبي صاحب ميافارقين الذي صمد في وجه التتار بمدينته الصغيرة ونفسه العظيمة عامين . ورفض الواهن الضعيف المتخاذل الناصر يوسف ( صاحب حلب ودمشق) نصرته أو مدده أو التفريج عنه طمعا في غير مطمع كطمع الذين يزورون اليوم(  قم  وطهران ) والشام تذبح طمعا في نجاة ...

أحدثكم أخرى عن ميافارقين التي انهارت تحت الجوع والحصار كما يضطر اللحم الآدمي الحي اليوم في حمص أو في القلمون أو في قرى الغوطة إلى إجراء المصالحات ...

استسلمت المدينة ، نزلت على شروط التتار ، فقتل التتار كل من فيها . فقتل التتار كل من فيها . فقتل التتار كل من فيها . من رجال وأطفال وعجائز النساء . وعجائز النساء لكي يفهم المغزى قارئ الكلام ..

أما الملك الكامل محمد الأيوبي البطل  فقد أمسكوا بالرجل وعذبوه كما يعذب هولاكو القرن الحادي والعشرين بشار الأسد  كل الرجال . كانوا يقطعون قطعة من لحمه وهو حي ينظر ويشوونها على النار ثم يطعمونه إياها . حتى مات . ثم قطعوا رأسه وحملوه على رأس رمح وساروا به من ميافارقين إلى حلب ثم إلى دمشق ليرهبوا بمصيره كل الناس ..

بعد ميافارقين دخلت سنة 658 والتتار على أبواب حلب فدخلوها وعاثوا فيها فسادا ، قتلا وتدميرا ونهبا واستلابا . كانت حلب ضحية المغول لكبرى بعد بغداد . وإذا كان المؤرخون قد قدروا لمجزرة بغداد العظيمة أربعين يوما وألف الف إنسان . فإن حلب التي لم تكن في حجمها اليوم  أباد التتار من فيها بسبعة أيام وخلفوا فيها خمسين ألف شهيد ..

هل تعلمون وأنتم اليوم تنظرون إلى وجوه اللؤم تصفق لهولاكو القرن الحادي والعشرين أن هولاكو الأول كان يجد بين حثالات البشر من يعمل له ويسعى بين يديه . فوكل بحلب عماد الدين القزويني الشبيح الذي تعهد لسيده بهدم أسوار حلب وتدمير قلعتها ..

ومن حلب على طريق المدن السورية  حاملا على رأس رمحه رأس الملك الكامل دخل هولاكو دمشق في 15 ربيع الأول 658 بعد إعطاء الأمان لأهلها وليكون بعد الأمان كما في كل مرة الغدر والنكث .

لم يكن عجيبا أن يقبل بأمانهم الذي هو الوجه الآخر لغدرهم  قوم ملأ قلوبهم الوهن . كالذين يطالبون بالعود إلى المفاوضات في فلسطين .

ومن دمشق سار التتار جنوبا إلى الكرك والشوبك وبيت المقدس وغزة . غزة نفسها اليوم التي تقف في وجه الصهيوني قتدمر وتستباح .

بعد ميافارقين انساح التتار في مدن الشام ( سكين في زبد ) ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) . فقد أثمر صبر الملك الكامل في ميافارقين في تعويق مشروع السياحة التترية  في بلاد المسلمين فمات (منكوخان ) شقيق هولاكو في بلاده وُطلب من هولاكو أن يعود إلى بلاده . ويترك خلفه في الشام عشرين ألف مقاتل بإمرة نائبه ( كتبغا نوين )

  ليأخذ المبادرة من مصر فارس من فرسان الإسلام  وعالم من علماء الشام ( الفارس قطز والشيخ العز بن عبد السلام ) ، يزيح الفارس قطز طفلا عن سلطنة مصر  ، ويتولى بمشورة أصحابه الأمر . ويستشير في أمر التتار الشيخ العز بن عبد السلام فيزينه له ويشجعه عليه  بل يدفعه إليه.

ويستشير الأمير قطز أصحابه الفرسان فيتقاعسون ، ويتدافعون ، وإلى الأرض يثّاقلون  فيصرخ فيهم السلطان المظفر قطز أميرهم  قائلا : ( يا أمراء المسلمين مرّ عليكم زمن طويل تأكلون ، من أموال بيت مال المسلمين ، وأنا اليوم متوجه لقتال أعدائهم والدفاع عن حرماتهم ، فمن اختار الجهاد فليصحبني ، ومن لم يختر ذلك فليرجع إلى بيته ، وليتحمل خطيئة ما يحل بحرمات المسلمين )

نذكر دائما بالإكبار والإجلال والافتخار موقف سلطان العلماء العز بن عبد السلام يوم باع من نسميهم الملوك المماليك وأمرهم بالخروج عما في أيديهم من مال ومجوهرات ورياش ، الوجه الآخر للواقعة يفرض علينا أن نذكر الإيمان الذاخر الذي كان يعمر أولئك المحاربين من الفرسان الذي جعلهم يخفضون جناحهم لشيخ لا يملك إلا قوة الكلمة ولم يكونوا مثل مملوك العصر بشار الذي ما ترك عالما حقا إلا واستهتر به أو قتله أو شرده ...

كان هولاكو قد ترك في الشام عشرين ألف جندي بقيادة أحد أركان جيشه  ( كتبغا نوين ) وعاد إلى بلاده .

وقبل أن يغادر هولاكو الشام كتب إلى قطز متوعدا :

( من ملك الملوك شرقا وغربا الخان الأعظم ..

باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء ، ليعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غضبه فلكم بجميع البلاد معتبر وعن عزمنا مزدجر ، واتعظوا بغيركم ، وأسلموا إلينا امركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود الخطأ عليكم . وقد سمعتم أننا فتحنا البلاد ، وطهرنا الأرض من الفساد ، وقتلنا معظم العباد . فعليكم الهرب وعلينا الطلب . فأي أرض تأويكم ؟! وأي طريق تنجيكم ؟! وأي بلاد تحميكم ؟! فما بكم من سيوفنا خلاص ولا من مهابتنا مناص ، فخيولنا سوابق ، وسهامنا خوارق ، وسيوفنا صواعق . وقلوبنا كالجبال وعديدنا كالرمال . فالحصون لدينا لاتمنع والعساكر لقتالنا لا تنفع ودعاؤكم علينا لا يسمع . فمن طلب حربنا ندم ، ومن قصد أماننا سلم ...)

ووصل الرسول يحمل كتاب هولاكو إلى السلطان قطز فاجتمع بالأمراء واستشارهم فأشار عليه القائد بيبرس لقطع لطريق على المترددين من فرسان المماليك بقتل رسل هولاكو وترك مخبر يخبر عنهم كناية على العزم على القتال ...

وفي الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 دارت المعركة في منطقة عين جالوت وأعز الله جند الإسلام ...

وبينما المعركة تلملم أذيالها بالنصر المبين للمسلمين يصيب سهم غرب جلنار زوجة السلطان الفارس قطز فيجري نحوها ينادي : واحبيبتاه ..واجلناراه ..

فتقول كلمتها الخالدة : لا تنادِ  واحبيبتاه ..

بل نادِ : واإسلاماه اتركني وعد إلى مكانك في موقع القيادة...

وتركتها كلمة باقية إلى يوم الدين ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية