العمل الإسلامي.. والحرب النفسية (3)
د. عامر البوسلامة
أهداف الدعاية في الحرب النفسية:
باعتبار أن الدعاية جزء من الحرب النفسية، لذا فإنها تلتقي معها في كثير من الأهداف، ونذكر منها:
ـ تغيير المستهدف في تفكيره وقيمه ومعتقداته ورأيه وسلوكه، تغييراً من شأنه أن يحقق الكسب لموجة الدعاية والخسارة للخصم.
ـ إحداث الفرقة في صفوف الخصم، وزعزعة إيمانه، وكل ما يحمل من أفكار ومعتقدات، كل هذا لأجل إضعاف معنوياته ومن ثم هزيمته.
ـ كسب العدو فكرياً، وإظهار أن قضية العدو خاسرة، ورفع معنويات العناصر الموالية في أرض العدو، حتى يحين الوقت المناسب لاستخدامهم.
ـ الخداع والتمويه الإستراتيجي، والتقليل من شأن انتصارات العدو، والتهويل من شأن هزائمه.
ـ المحافظة على روح القتال في الجبهة الداخلية وتنميتها، ورفع معنويات السكان المدنيين، وتوجيه أفكارهم لتقبل فكرة الحرب، وما ينتج عنها.
ـ كسب التأييد والرأي العام وتنمية الاحتفاظ بصداقة الدول الحليفة والحصول على صداقة الدول المحايدة، وإظهار عدالة القضية التي يقاتل من أجلها (1).
ومن أشهر وأقدم أساليب الحرب النفسية، وأكثرها تأثيراً في تحقيق أهداف (الحرب النفسية) (الإشاعات والأكاذيب).
وما آفة الأخبار إلا رواتها، هذا في مجال الرواية العامة، أما الفن الشيطاني القاتل، فن الإشاعات، فهو فن رهيب، وخطير، وتكمن في زوايا بروزاته كل معاني الشر والرذيلة، لأن فيها عناصر القذف، وخلط الأوراق بلا تحقيق، والتضليل، والشكوك والريب، وتحطيم المعنويات، وهدم معالم الثقة بين الناس، والعمل على جعل (الضبابية) هي أساس الملتقى الحياتي العام الذي يبعث على تأصيل القواعد الهوائية، وكأنها مرتسمات حق، وخرائط نجاة، ولا سبيل إلى الحياة بدونها.
حتى يمكن أن تجد أخص خصائص التجمع البشري، قد هدمت في ظل شيوع مثل هذا الخط المدمر... لأنها تبعث على الاحتياطي المعمول به خارج هامش الإمساك الصحيح لمتقنات الأمور. ومن هنا كان الواجب الشرعي أن تحارب.
فما هي الإشاعة؟
عرفت بمجموعة من التعريفات منها: الإشاعة هي الترويج لخبر مختلق، لا أساس له من الصحة، أو المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر في جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح، أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع والحقيقة، وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي أو النوعي، تحقيقاً لأهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة، أو عدة دول أو النطاق العالمي بأجمعه (2).
* ومن خلال هذا التعريف، نخرج بما يأتي:
1. الإشاعة ليست أمراً عبثياً ارتجالياً، يكون انسيابياً كأنه أمر فطري، بل إن الإشاعة أمر مدروس، ووراءه مدبر، أو مدبرون، قد يكون على مستوى فردي أو جماعي، عام أو مؤسسي.
2. وجود من يتابعها ويعمل على تناقلها بين الشرائح المطلوبة، من الطبقة البشرية التي يبتغى توصيل هذه الشائعة في صفوفها، لذلك حتى لو هدأت فإنه يجري تحريكها، ونفخ روح الحركة فيها، لأنه بهذا يتحقق الهدف الذي يراد لها.
3. إن لكل شائعة هدفاً ما، يراد له أن يتحقق، وهذا الأمر بطبيعة الحال يختلف من حال إلى حال، ومن واقعة إلى أخرى.. وهذا بدوره يؤكد على النقطة الأولى، ألا وهي التخطيط والتدبير.
4. الشائعة سلاح حربي معروف، وهو قديم حديث، وهذا السلاح ليس سلاحاً حديدياً، أو نارياً، ولكنه في الواقع ربما يكون أخطر من السلاح الحديدي أو الناري، لأنه يعمل على التدمير المهول لكن بطريقة هادئة تسللية، سلاح لا تستطيع أن تحدد انطلاق شرره وناره، ولا أن تعرف موقع تخطيطه لأنه يعمل في الخفاء.
5. من هنا ندرك أن الشائعة أمر خطير، وخطير جداً لجملة من الأسباب سقناها في جزئيات بحثنا للمسألة آنفا، وواقعنا المعاصر يشهد لمثل هذه الحقيقة.
6. وما ذاك إلا لأن: (الهزيمة حالة عقيلة، وإن المعركة التي يهزم فيها الإنسان هي المعركة التي يعترف لنفسه فيها بالهزيمة، وبذلك يتحول إصراره على المقاومة إلى الخضوع واليأس والتسليم بالهزيمة، لأن من مهام الشائعات تهيئة الخصم للقبول بالهزيمة من خلال إطلاق الإشاعات التي تقضي على روحه المعنوية، حتى يصل لدرجة تجعله يعتقد أن الحرب أنكى من الهزيمة، والتاريخ يزخر بكثير من الشائعات التي غيرت مجرى الأمم، وأقامت الحروب، وشتت الجماعات) (3).
7. والشائعات تعتبر من أهم الأسلحة في أوقات الحروب بصفة خاصة لأنها تثير عواطف الجماهير وتعمل على بلبلة الأفكار ولها أهم دور في الدعاية السوداء. أما إذا استخدمت بغير قصد فتسمى ثرثرة أو دردشة، ويمكن أن تتضمن الشائعات بعض القصص أو النكت، وهي كثيراً ما تتغير وتتبدل أثناء تداولها، فقد يطلق رجل الدعاية شائعة من الشائعات فتصل إليه محرفة بعد وقت معين.
الهوامش:
(1) (الحرب النفسية) (ص 103) د/ محمد المخلف.
(2) (الرأي العام والحرب النفسية) (ص 114) التهامي
(3) (الحروب النفسية) (ص 101) صلاح نصر.