الجنة تحت أقدام المخترعين

وليد رباح

[email protected]

دون التقليل من شأن الام .. فانها انجبتك اتباعا لنصائح  جسدها الغض المندفع  نحو الرغبه ،فالعجائز لا ينجبن، وسواء اتيت الى هذا العالم بالخطأ نتيجة نسيانها تناول حبة مما يسمونه ( منع الحمل) او جئت بناء على تعمد في غفلة من الزوج الذي  لا يسأل زوجته عادة ان اخذتها ام لم تأخذها ..فان سألها وذلك لايحدث الا لماما فقد تتناول حبة اسبرين امامك كي توهمك انها لن تحمل .. والنتيجة انك اتيت الى هذا العالم رغما عن  رغبتهما او احدهما في الانجاب ..ومن هنا اصبحت قطعة من جسد امك  التي تحافظ عليك حفاظها على احد اعضائها ، مما يعني ان حبها وتحنانها عليك هو حب وتحنان على نفسها محافظة على النوع  وتلك نرجسية نتغافل عنها عمدا عن سابق اصرار وتعمد . فهي تريد تخليد ذكراها على هذه الارض بانجابك ، ولو ان ذلك التخليد وتلك الذكرى لا تدوم الا في سنوات عمرها القصير .. وتلك امثولة لكي يعمر هذا الكون ويتواصل الانجاب والتوالد .

ولقد قيل قديما ان الجنة تحت اقدام الامهات ، وللحقيقة فان الجنة بعيدة كل البعد عن قدميها، فان اخذتها فانها تأخذها بناء على تنفيذ شروطها التي نصت عليها الاديان، ولو اني اعتقد ان ذلك المثل قد وضع خصيصا لكي تبر بامك ، جزاء وفاقا لسهرها  وتعبها في تربيتك التي غالبا ما تأتي عكس ما ترغبه الام ، فقد تسهر وتتعب ولا تغفل عينها عنك ولكنك في النهاية  تحمل جينات اقاربك  الذين  سبقوك لكي تتخرج اما  فاسقا او عالما ، مجرما او عاقلا ، سكيرا او زنديقا او زاهدا متدينا ، تيسا او مخترعا او مكتشفا ، الى آخر المنظومه .

ولا يختلف هذا الامر بين امرأة واخرى .. فكلهن سواء ، العاقلة والمجنونة سويا ترغبان في الانجاب تخليدا لذكراهما ، السيدة والخادمة تحملان نفس الفكرة  ، العظيمة والوضيعة لا تختلفان عن الاخريات ، المحتشمة والصائعة تتساويان في هذا الامر ، ومن الغريب انك انت القادم من عالم الغيب تعتبر امك خير النساء ، وانها الوحيدة في هذا العالم التي سهرت عليك واحتضنتك الا ما ندر ممن يعقون ، ولا تعترف بان ام جارك ايضا هي خير النساء ، وانها ترعى اولادها كما ترعاك امك ، حفاظاعلى النوعية ورغبة في ان يظل ذكرها على مدى عمرها ، وقد تذكر امك او تتذكرها بعد رحيلها ، لكن ذلك لا يدوم الا بالقدر الذي تحفظ فيه ذاكرتك ما قامت به من تعب ووصب ،ولكنك في النهاية تصيبك نعمة النسيان  فتركن الى ذلك رويدا رويدا  وتهتم باولادك الذين اتوا الى هذا العالم ايضا برغبة منك او عدمها ، فالحياة مثل دولاب يدور ولا يتوقف ، وفي النهاية لا تتذكر امك الا عندما تضع اكليلا من الزهور على قبرها بعد سنة من رحيلها .. ثم انك تنسى ذلك مع تعاقب الايام .. وتظل في وحدتها مدفونة تحت الارض يعانق جسدها التراب . وقس على ذلك ما يأتي من الاجيال .  

من كل ذلك .. ندرك ان عناية الام بك  عناية غريزية زرعها الله في قلبها كما زرعها ايضا للحيوانات والطيور وكل ما يدب على هذه الارض .. ايضا حفظا للنوع .. فكل يحافظ على نوعه من الانقراض ..

واذا ما اعتبرنا ان العصر قد تغير .. وان الجنة هي لمن قام بشروطها وافاد البشرية بما انتجه عقله .. ادركنا سريعا ان الجنة تقبع تحت اقدام المخترعين والمكتشفين .. اولئك الذين افادوا البشرية واوصلوا حياة الانسان الى رفاهية  ودمار في آن واحد .. فالمدمرون يأخذون جزاءهم عند محاسبتهم يوم الدينونه .. ومن اعطوا الرفاهية لهم جزاءهم ايضا .. تماما مثلما هي الام التي ترعى اولادها والتي لا ترعاهم ..فكل له في الاخرة من نصيب ..

سألوا مرة رجلا  عمره عشرون عاما ما اسم امك فقال : زجاجة الحليب .. ضحكوا فقال لهم .. لا تستغربوا. فامي ( كما قالت ) لم ترضعني حتى مرة واحده .. فقد استعاضت عن ثديها بزجاجة الحليب  التي القمتنيها بعد ولادتي مباشرة .. من هي امي اذن ؟ تلك التي انجبتي ام زجاجة الحليب التي غذتني .. وعندما قالوا من الذي القمك الزجاجة قال : انها امي خيفة ان تعتقلها الشرطة بحجة انهاقتلتني جوعا .. انه الخوف وليس التحنان .. ورغم انني لا اعتقد بما يقوله الرجل .. فقد غدت الكثير من النساء يفعلنها خيفة على صدرورهن من الترهل .. ومع الرضاعة الطبيعية يأتي الحب والتحنان والالتصاق بالرضيع  .. انه الحب الحقيقي لا حب البلاستيك الذي غدا في صلب حياتنا ..

ان المخترعين والمكتشفين ممن افادوا الناس بعلمهم هم الذين اثروا حياتنا سواءبالسلب او بالايجاب .. فمن اثرى حياتنا بالحب منهم وقام بشروط الجنة فانها له  .. ومن يستجيب للحب لا يمكن الا ان يكون قد اعطانا شيئا جميلا ولا يعقل أن يكون شريرا .. فهو يحمل في قلبه الحب والتحنان حتى وان كان مقصده الربح والاقتصاد .. تماما مثلما هي الام التي ترعى اولادها بذلك الحب وهذا التحنان .. وصولا الى تخليد حياتها .. ولا يغرنك ما يحشو به المتزمتون في عقولنا من تراهات .. ومن اثراها بالدمار فان له النار خالدا فيها ابدا ..لآنهم آفة هذا العالم وشريروه ..

 ومع كل ذلك فاننا نحن العرب  ما زلنا بعيدين كل البعد عنهم ..انهم يربحون ونحن مانزال نخسر.. سواء في السلم او الحرب .. فمتى نقول بملء افواهنا .. ان الجنة تقبع تحت اقدام المخترعين ؟؟