دروس من غزة

دروس من غزة

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

من تلك المدينة الصابرة الصامدة التي تُواجه عقلية المؤامرة تخطيطاً وتنفيذًاً ،من تلك المدينة الصغيرة التي لا تكاد تُرى على خريطة العالم وها هي تُري العالم ما لا يُصدق من صبرٍ وكفاحٍ أمام ضيق عيش وحصار ، وقلة موارد  أو  انعدامها ،نتعلم دروساً  شتى من غزة ، فليست العبرةُ في مساحةِ أرضٍ وفي جيش جرار ، وليست القوة في ذكاء سلاحٍ وتحالف دُول ، ولا قيمةَ للعدد والعُدة ، ولكن القوة في هذه الروح التي تُحرك الجسد ، وفي قوة الفكرة ورسوخ المبدأ, وهي تجمع الجهود ولا تُبددها ، وتجمع الفصائل على كلمةٍ سواء ، وحين تُوجه فُوهة الكلمةِ وفوهة البندقية  اتهاماً ومواجهةً وقتالاً لعدو واحد ، فتجد القليلَ كثيراً ، وتجد البشر والشجر والحجر سنداً في المواجهة والقتال .

هل تملكُ غزة جيشاً نظامياً مدرباً حتى تواجه جيشاً غارقاً بعتاده ؟؟!!

هل درستْ غزة خطط حرب وقتال لِتُقابلها بخططها العسكرية ؟؟

وهل تملك الأسلحة الحربية البحرية والبرية والجوية ؟؟ هل تملك ألافاً مؤلفةً من جيشٍ نظامي أو غير نظامي ، احتياطي أو غير احتياطي ؟؟

فكيف ملكتْ ما ملكتْ ، وواجهتْ مَنْ واجهتْ ، وهي تُعاني ما تعاني من حصار وفقر وانقسام وفراق الأخ والسند العربي ؟؟

إنها أُسطورة هذا الزمان ، وهي تُعيد التاريخ لفئةٍ  وفتيةٍ آمنوا بربهم ، لفئةٍ قليلةٍ وهي تُغالبُ وتَغلبُ فئةً كبيرةً ، وهم يُرهبون عدوَّ الله وعدوَّهم ، نعم أسطورة تفتك بأسطورة الجيش العظيم والكبير والقاهر ، أسطورة وهي تُعيد الثقة بكلِّ حقٍ بأن يعود ما دام وراءه مُطالب !!

إنهم العظماء وهم يستصغرون العظائم ، ويهزمون كلَّ أفكار الهزائم ، ويُقابلون الحصار بإصرار ، فيأكلون مما يزرعون ، ويلبسون مما ينسجون ، ويُقاتلون بما يصنعون وبما يغنمون ، فكانوا في البحر موجاً ، وخرجوا في البرِّ فوجاً وفوجاً ، وكانوا في السماء طيوراً أبابيل ترمي العدو معنوياً ومادياً ، فَنَصَرهم الله بالرعب الذي تركوه في نفوس أعدائهم ، وها هم  يُثبتون وجودهم بوجودِ أرضٍ وحقٍ ومَطالب لهم ، ويثبتون حقهم فيما يَفرضون أو يَرفضون ، ويُبهرون العالم ببسالةٍ عجزت عنها جيوشٌ وهِممٌ تَغنينا بها زمناً وخدلتنا أزماناً !!

لقد فرضت غزْةُ شروطها ، وكتبتْ بمدادها ، وتكلمتْ وفق إراداتها ، صادقةً بوعدٍ وواثقةً بوعيد ، وجمعت الأحرار على كلمةٍ سواء ، وعلى عدوٍ واحد ، وفضحت المنافقين والمتآمرين والمهزومين من أُمة العرب ، لقد أعادتْ هيكلةَ الأُمة وميزت بين الرأس والذنب ، ويوسف وإخوته والذئب ، وها هي تسعى على درب النصر ، ومن سعى إليه وصل.