المشروع الإسلامي ومشكلة النتائج
عبد العزيز كحيل
[email protected]
كثيرا ما يحكم على الحركة الإسلامية بالإخفاق لأنها لم تصل إلى السلطة ولم تقم
الدولة الإسلامية المنشودة ،ولاكت هذا الكلام ألسن وكررته كتابات حتى شكل عقدة لعدد
كبير من أبناء الحركة أنفسهم فصاروا يتساءلون عن جدوى العمل الدعوي في ظل سلسلة من
الهزائم رغم التضحيات الجسام،وغدا الأمر ورقة ضغط معنوي وإقحام في يد مناوئي الحركة
الإسلامية يسكتون بها الدعاة ويقنطون من إمكانية تجسيد الحل الإسلامي وقد ترتب عن
هذا الضغط وهذا التصور جملة من الأخطاء من أهمها نكوص بعض الدعاة يأسا من تحقيق
النتيجة وإصرار آخرين على بلوغ سدة الحكم مهما تكن التضحيات والوسائل وبين الصنفين
كادت تضيع مصداقية الحركة الإسلامية والمشروع الإسلامي.
أصل المشكلة...خطأ:
إن الذي سبق خطأ وهو فرع عن خطأ يكمن في رؤية العمل والنتيجة،وقد كتبنا في مقال
سابق حول الموضوع وأكدنا على ضرورة ارتباط العمل بالنتيجة باعتبار هذه الأخيرة-في
الغالب الأعم-معيارا لصواب السعي أو عدمه،لكن ما المقصود بالنتيجة؟إننا معشر العرب
والمسلمين ابتلينا بداء الكرسي فأصبح هو مقياس الفوز والفشل وميزان الصواب والخطأ
وامتد ذلك إلى صفوف الحركة الإسلامية بسبب ضعف التربية والصلة بالله تعالى وقلة
البصيرة بمقاصد الإسلام فأصبحت بعض فصائلها عبارة عن أحزاب دنيوية بحتة همها الوصول
إلى السلطة بكل ثمن إلى درجة أنها ترجئ أي عمل بناء ومبادرة خيرة إلى ما بعد إقامة
الدولة الإسلامية كأنها هي الغاية القصوى بدل أن تكون وسيلة-كبيرة نعم لكنها
وسيلة-يُعبد الله بها أو بدونها فضيعت مقاصد وخرمت أصولا وفوتت فرصا سانحة لخدمة
الإسلام وأمته بسبب الغفلة عن حقيقة النتيجة المطلوب تحقيقها.
من قال إن النتيجة المرجوة من وراء العمل الإسلامي هي فقط الوصول إلى السلطة؟هل ورد
هذا في كتاب أو سنةأو وقع عليه إجماع؟لعل البعض اختلط عليه الأمر فعزا ذلك إلى
الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله عندما كان يشحذ الهمم لاسترجاع الخلافة لكن
الرجل كان في غاية الوضوح وهو يبين شمولية الهدف ومنهج المرحلية من أجل
تحقيقه:تكوين الفرد المسلم والبيت المسلم والدولة الإسلامية،وتندرج تحت كل عنصر
غايات فرعية تؤدي في مجموعها إلى نجاح المشروع الإسلامي.
ثم إن التجارب الطويلة المريرة علمتنا المراجعة والتقويم والإقرار بالخطأ عند وجوده
سواء على مستوى الوسيلة أو الرؤية نفسها،ومن الغباء أن نلدغ من جحر أكثر من مرة
ونصر على نهج اجتهادي ثبت خطؤه أو لا تتكافأ فيه التضحيات والنتائج،وما يتعلمه
الإنسان لا يستوي على سوقه حتى يتفاعل مع الواقع ليحدث التناغم المبدع الفعال،ولو
أن الجهود التي بذلت هنا وهناك في سبيل الكرسي-باسم الإسلام-من غير إعداد كاف ولا
أهلية مؤكدة لو أنها استثمرت في مجالات منتجة هادئة بدل التصارع السياسي والمنهج
الدموي لربح الإسلام في بلاده وفي غير بلاده.
هل حققت الحركة الإسلامية نتائج إيجابية؟
لا يعني هذا الذي نقول أن عمل الحركة على المستوى العالمي باء بالفشل،فهذا من تعميم
خصوم الحل الإسلامي الذين يعمدون إلى قراءة انتقائية وغير موضوعية لتاريخ الحركة
الإسلامية ويصدرون أحكامهم المثبطة،والواقع يشهد بالنتائج الطيبة على أكثر من صعيد
رغم المعوقات الداخلية فضلا عن الخارجية فالحركة أثارت الوعي الإسلامي العام بعد
ضياع قاتل وعبأت الجماهير فالتفت حول دينها بعد أن كان ملاذ العجزة والدراويش وجددت
الانتماء له وأعادت للأمة الاعتزاز بإسلامها فالتزم الرجال والنساء بأحكام الدين
وأخلاقه وسلوكياته جوهرا وشكلا وتنامى الوعي بضرورة الحل الإسلامي وانتقلت الأمة من
الانهزام الروحي والحضاري إلى موقع التحدي وإثبات الذات.
ومن جهة ثانية تجاوزت الحركة الفكر المجرد إلى حركة إيمانية قوية تعيد صياغة
الإنسان المسلم وتربطه بهموم أمته ومشاكل الإنسانية فانتقل الإسلام من الزوايا
والتمائم إلى الجامعات والمعاهد وعالم الشغل والمال والاقتصاد وميادين الفن والجمال
والإبداع وخاض أبناء الحركة غمار البحث العلمي والعمل النقابي وأنشؤوا البنوك
والمشروعات الاقتصادية والاجتماعية فكانوا محل إعجاب الجماهير وحسد النخب المتغربة
ولكنهم برهنوا على كل حال على جدية عملهم ونضج سعيهم المتأني الواعي إلى الحصول على
مقاعد برلمانية لا يستهان بعددها في أكثر من بلد إسلامي وعرضت عليهم المشاركة في
عدة حكومات ائتلافية والمستقبل ينبئ بنتائج أكبر وأكثر يحققها التيار الإسلامي
المعتدل متى التزم بالمرحلية والتدرج في إطار خطة تتماشى،وشمولية الإسلام لا تقتصر
على التعلق بسدة الحكم،وماذا ينفع الوصول إلى السلطة في غياب العدد الكافي من
الربانيين والبرامج المفصلة والقاعدة الصلبة التي تسند من يحكم بشرع الله؟وهذا هو
المجال الرحب الذي ينبغي أن تشتغل فيه الحركة الواعية فإن نجحت فيه كانت في غيره
أنجح.
السياسة والتربية والدعوة:
من ينكر هذه المكاسب وغيرها؟أم أنها لا تستحق الذكر ما لم يتربع الإسلاميون على
كرسي الحكم؟إن قوما بالغوا في العمل السياسي حتى عدوه هو وحده العمل الإسلامي
وصاروا يستخفون بالتربية والدعوة رغم أن هداية الحيارى وإرشاد الضالين وتوجيه
التائهين وتكوين جيل النصر المنشود من أنفع الأعمال وأفيدها للإسلام والبشرية
،فنجاح الحركة الإسلامية لا يقاس بوصولها إلى السلطة كما أن مصداقيتها لا توزن بعدد
الشهداء الذين قدمت وإنما يتعدى الأمر إلى ما كونت من رجال ونساء يصنعون الحياة لا
تخلو منهم ساحة يكسبون القلوب وينتجون الأفكار الحية وينشغلون بهموم أمتهم ويكسبون
للإسلام مواقع متنوعة،وكل ذلك من شأنه أن يوصل دعاة المشروع الإسلامي إلى غاياتهم
بالطرق الطبيعية ويكفيها الدماء والسجون والمحاصرة إلا ما كان من لأواء يتمحص بها
الصف وتختبر معادن الرجال وتمضي سنة الله في ابتلاء الصف الايماني
وفي تقديرنا أن الحركة الإسلامية في أكثر من بلد كان يمكنها اغتنام فرص الانفتاح
الديمقراطي لتكثيف العمل الهادئ الهادي الهادف لولا شغف المتحمسين للكرسي ولعل
أكثرهم أدركوا أن الداعية الواعي يشتغل بالسياسة لا كعمل وحيد وهدف نهائي وإنما
كوسيلة إلى جانب غيرها،فللعمل الصالح مجالات وأشكال وشعب أشرنا إليها إجمالا،أما
تفصيلها فقد أوردناها في مقال مستقل بعنوان " العمل الصالح بين النظرة الشعائرية
والطرح الحضاري :"
فنحن مع الدعوة والتربية ومع السياسة السائرة في فلكهما المحكومة بضوابطهما..وكل
نتيجة تحقق في هذا المجال تعتبر لبنة في صرح المشروع الإسلامي.