عاصفة الحزم ليست حرباً طائفية سعودية

أنور مالك

عاصفة الحزم- بلا أدنى شكّ- فاجأت- من حيث توقيتها على الأقل- الإيرانيين والإعلاميين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين، وحتى مسؤولين غربيين، وجاءت من دون تنسيق مع الأمريكيين كما صرح السيناتور الجمهوري النافذ “جون ماكين”.

اندلاع عاصفة التحالف العربي والإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية على مليشيات الحوثيين الإرهابية في اليمن، فتحت جبهة واسعة من النقاش الفكري والسياسي والاستراتيجي حول دلالات هذه الحرب المعلنة.

كما أن إيران بعد الردّ الرسمي المحتشم، وتجاهل تام للتدخل العسكري المباشر لحماية حلفائها- كما ظنّ البعض من المخدوعين بوهم الملالي- لجأت عبر إعلامها ونشطائها وحلفائها، إلى محاولات تشويه عاصفة الحزم، وتحويلها زوراً إلى مجرد حرب طائفية أو “وهابية” – كما وصفتها – ظالمة على شعب مظلوم.

تزعم ذلك مع أن ما اقترفته إيران نفسها في اليمن لا يمكن وصفه من جرائم ضد المدنيين والمواطنين العزل، فضلاً عما تفعله من خلال مليشياتها الأخرى في العراق ونظامها النصيري في سوريا وحزبها الشيعي في لبنان وجيشها في الأحواز.

تابعت كثيراً النقاشات الحادّة على شبكات التواصل الاجتماعي وخصوصاً “تويتر”، ووجدت وجهات النظر تتباين، سواء بالنسبة للمؤيدين للعاصفة أو المشكّكين بها، في حين أن أسباب أغلب المعارضين لها تكاد تكون متطابقة إن لم تكن متقاربة إلى حدّ بعيد.

المؤيدون لعاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية بالتحالف مع دول إسلامية وعربية، ضد معاقل الحوثيين في اليمن، ينظرون إليها حسب خلفياتهم الدينية والمذهبية والفكرية والإيديولوجية والسياسية. وكثير منهم يتمنّون أن تكون وفق ما يريدونه حسب التصنيف الذي وضعوا فيه إيران.

أولاً:

يوجد من يراها مجرّد حرب سنّية مضادّة ضد الشيعة الذين تتزعّمهم إيران، وبهم قامت باحتلال عدة عواصم عربية؛ دمشق عن طريق نظام الأسد، بيروت بـ “حزب الله”، بغداد بواسطة المليشيات الشيعية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، صنعاء من خلال الحوثيين الذين يسمّون أنفسهم بـ “أنصار الله”.

لقد تصاعدت درجة التفسير الديني لعاصفة الحزم وبلغت درجة كبيرة، حيث سمعت مداخلات عبر قنوات فضائية ومواقع الإنترنت، وقرأت مقالات وتصريحات في الصحف والمجلات، تتحدّث عن أوان القضاء على من يسبّون الصحابة رضي الله عنهم ويطعنون في عرض الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

آخرون يضيفون لها الطعن في القرآن الكريم من خلال القول بتحريفه الذي ورد في كتب الشيعة المعتمدة، وأيضاً الحديث عن الشركيات وعبّاد القبور والأضرحة، وما إلى ذلك من المصطلحات التي تحفل بها الكتب السنّية التي تتصدى للفكر الشيعي المتطرف، الذي كل معطياته تشكّل خطراً ليس على أهل السنّة فقط بل على الإنسانية جمعاء.

بلا شكّ أن هذا التوجّه له دلالاته بالنسبة إلى المتديّنين الذين يتعاملون مع الشيعة ومليشياتهم من منطلقات دينية بحتة، ولكن ذلك- في الوقت نفسه- يقابله المناهضون لعاصفة الحزم والمؤيدون للحوثيين بكلمات وشعارات لا تخرج عن هذا الإطار، بل يحرّضون على إشعال فتيل ذلك، حيث يرون أن هذه الحرب هي “وهابية” ضد آل البيت رضي الله عنهم، ووصل ببعضهم إلى جعلها مجرد حرب “يزيدية” على الحسين رضي الله عنه.

لقد تابعت تعليقات المؤيدين للحوثيين، ووجدتهم يتّجهون نحو تأليب شيعة العالم عموماً، والعرب بصفة أخص، ضد هذه الحرب عبر خطاب ديني بحت، وطبعاً هذا ديدنهم، فالحروب الطائفية التي تشتعل في المنطقة إيران تتحمل مسؤوليتها الكاملة، بما تقوم به من تحريض إيديولوجي واضح المعالم.

هذا يدّعي، كما ادعت مرجعياته، أن “معاوية” عاد مجدّداً لقطع رأس أبناء “الحسين” رضي الله عنهما، وذاك يزعم، كما زعم من سبقوه، أن “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه يكسّر مرة أخرى ضلوع بنات الزهراء رضي الله عنهما.

بلا شك أن هذا الخطاب والخطاب المضاد؛ يسير وفق مقاربة حشد الأنصار لكل طرف على أساس ديني بحت، ومنهج إيران المعروف دائماً هو التركيز على المعطيات الدينية فيما يخصّ المسألة الشيعية لأجل تحريك شيعتها في كل العالم.

الذي يسيطر على الذهن الإيراني في هذه المرحلة هو فتح جبهة جديدة لرفع الضغط عن الحوثيين في اليمن، أو من أجل الضغط على التحالف بقيادة السعودية كي توقف العاصفة، قبل أن تقضي على الحوثيين وتنزع سلاحهم، وتنهي بذلك الوجود الإيراني في اليمن السعيد.

أذكر في هذا السياق أن إيران، مع ارتفاع حدّة الضغط الدولي على نظام بشار الأسد، حاولت بشتى السبل تحريك الشيعة السعوديين من أجل خلق فتنة داخلية ببلاد الحرمين، وهذا كي تتوقف عن دعم الثورة السورية وتتراجع في مواقفها المؤيدة لثورة السوريين ضد نظامهم المستبد.

لا شكّ أن جهاز المخابرات الإيرانية يتحرّك الآن في المسعى نفسه، مع أنه باء بالفشل الذريع على مدار السنوات الماضية، والسبب يعود أساساً إلى التعامل الرسمي السعودي مع القضية الشيعية بحذر وعمق وحنكة سياسية، جعل كل مخططات ملالي طهران تنكسر ولم تحقق شيئاً.

في هذا السياق، تشير معلومات استخباراتية إلى أن إيران حرّكت أجهزتها الاستخباراتية لتنشيط الخطاب الطائفي على خلفية عاصفة الحزم، ولذلك يجري النشاط في مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق تسميات أخرى على عاصفة الحزم، حيث يسمونها حرب مذهبية أو طائفية أو “وهابية” أو غيرها.

ثانياً:

آخرون يرون أن عاصفة الحزم هي حرب استباقية لحماية بلاد الحرمين من التغوّل الفارسي الذي صار على حدودها.

وأن الحوثية لو لم يتحوّلوا إلى مجرد ذراع لدى أخطبوط إيراني يتمدّد ليبتلع المنطقة العربية عموماً والخليج العربي بصفة أخص، ما أعلنت السعودية هذه الحرب عليهم، وخاصة أنه لا توجد دبلوماسية هادئة مثل التي تتمتع بها المملكة، وهي لا تلجأ لخيارات الحرب إلا عندما تستنفد كل الخيارات السلمية كاملة.

بلا شك أن الحوثيين صاروا مجرد مليشيا إيرانية بهوية يمنية، وأن حراكهم يجري في إطار خدمة مشروع إيراني كشّر عن أنيابه مع ما يسمى “الربيع العربي” لتحقيق مآربها التوسعية.

كما أن تهديداتهم للسعودية معلنة وواضحة، وتأتي في إطار ما تريده إيران من مخططاتها التي تضع بلاد الحرمين أسمى غايات مشروعها الفارسي.

وطبيعي جداً أن تدافع السعودية عن أمنها واستقرارها، وأيّ دولة في مكانها ستفعل ذلك وأكثر؛ لأنه من واجبها تجاه شعبها، فضلاً عن بلاد الحرمين التي أمنها من أمن كل المسلمين، ولو كانوا في أدغال الأمازون. فضلاً عن خطر داهم صار على حدودها ويعلن ذلك صراحة، سواء من خلال مليشيات شيعية أو حتى المحسوبة على السنّة، والتي حاربتها السعودية أيضاً بكل عزم.

لكن في المقابل، إيران التي تزعم أنها تناهض الطائفية وتحاربها، لم نسمع يوماً أنها حاربت مليشيات شيعية، بل تستعملها رغم كل جرائمها بحق الإنسان والإنسانية من أجل تخريب الأوطان العربية وتدميرها. في حين تعلّق على المشانق شيعة الأحواز من المواطنين المدنيين الذين يناهضون احتلالها لهذا البلد العربي منذ 1925.

وهذا أكبر دليل على أن إيران ليست دولة بل تحوّلت إلى مجرّد مافيا طائفية تستمد دعمها من دول مافياوية أخرى مثل روسيا.

بل إنها تلبس قناع دولة معمّمة بالدين الشيعي، هدفها الهيمنة على المنطقة بعد تدمير الوجود العربي والإسلامي وفق مقاربة عنصرية ترتبط أساساً بالعرق الفارسي الذي يسيطر على كل توجّهاتها الرسمية والدينية والقومية.

هذا غير مستغرب أبداً، لأن الدولة الإيرانية تشعر بكثير من العقد لا تختلف عن العقد التي يشعر بها الكيان العبري المسمى “إسرائيل”، منها العقدة القومية، وهي عبارة عن جزيرة فارسية في محيط عربي متلاطم الأمواج.

كما تشعر إيران بالعقدة الدينية وهي تصنع كيانها من ملايين الأشخاص من الطائفة الشيعية مقابل أكثر من مليار مسلم سنّي هم الأمة الإسلامية بعينها، حتى شكّلوا كابوساً طائفياً لدى ملالي طهران.