سِنُّ الشِّعْرِ

معتز عبد الحميد صقر

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

حين قرأت في ( قضية الشعراء الجاهليين في كتاب ابن سلام ) للأستاذ محمود شاكر، مررت بعيني على قضية عمر الشعر التي تكلم عنها أو أثار فيها الكلام الجاحظ، وقرأت رأي شاكر فيها، ورفضه رأي الجاحظ في أن الشعر بدأ مع امرئ القيس وخاله المهلهل، وأرى نفسي تميل إلى رأي شاكر .

لن أعرض لرأي شاكر، ولكني سأزيد فكرة طرأت لي، أرجح فيها رأيه .

 الأستاذ توفيق الحكيم في حول الأدب والابتكار فيه، فهو يقول: " كذلك ليس الابتكار في الفن والأدب أن تطرق موضوعا لم يسبقك إليه سابق، ولا أن تعثر على فكرة لم تخطر على بال غيرك .. وإنما الابتكار الأدبي والفني، هو أن تتناول الفكرة التي قد تكون مألوفة للناس، فتسكب فيها من أدبك وفنك ما يجعلها تنقلب خلقا جديدا يبهر العين ويدهش العقل .. أو أن تعالج الموضوع الذي كاد يبلى بين أصابع السابقين ؛ فإذا هو يضئ بين يديك بروح من عندك .. " ( فن الأدب، توفيق الحكيم، صـ11، مكتبة مصر ) .

وعلى ذلك فإن الابتكار في الشعر لا يعني اختراع غرض من الخيال بعد أن تجلس مع نفسك في ساعة تجلي، بل إن الابتكار فعلا هو أن تبدع في غرض من أغراض الشعر المعهودة، فإنك إن اخترعت غرضا للشعر جديدا، فلن يساوي ذلك إبداعك في غرض قديم كالمديح والنسيب.

 فالكاتب في هذه الأغراض يكون قد اطلع علي العديد من الأعمال الشعرية المقولة فيها قبل أن يكتب هو فيها، وحاول أن يحسن هو في كتاباته عن كتابات سابقيه بعد أن تأمل أشعارهم، وأخص بالكلام أوائل الشعراء .

من هذا المنطلق يتبين لنا أن امرأ القيس - إن كان أول من كتب الشعر - كان من الأولى ألا يكون شعره على هذا القدر غير الحدود من الجمال الفني أو ما على يسمى بالحبكة الفنية .

فما هذا الإبداع في نظري إلا نتيجة لقراءات متعددة في أشعار سابقين عليه بأزمان متفاوتة وحفظ أشعارهم، كان من هذا الأشعار الركيك والمقبول والحسن والمتقن، وينتقل الشعر عبر هذه المراحل بمضي الأزمان .

وعلى هذا يجب أن يكون أول من نظم أبياتا من الشعر كان شعره ركيكا جدا وضعيفا ، ثم ظل يتطور من أقل المراحل إلي أعلاها علي أيدي شعراء كُثـْر .

هكذا يسقط رأي الجاحظ من بين الآراء الصحيحة .

ولكن إنصافا، سنفرض جدلا صحة رأي الجاحظ، باعتبار الشعر معجزة، وامرئ القيس رسولا جاء به .

إن صدقنا ذلك، فهل يصدق أن ينزل رسول على قوم  بمعجزة ليست من جنس ما برعوا فيه ؟!

كان الله جارك يا جاحظ ...!

صعبت أمامك المسألة ، وغلقت أبواب الحلول ، بل وكأنها لما تكن !