استشهاد القائد

د. فوّاز القاسم / سوريا

ثمّة سؤال كبير يحيّر المجاهدين  ، وهو : ما تأثير غياب القائد على سير المعركة العسكرية ... !؟

وللإجابة على هذا السؤال العظيم فقد استعرضت جانباً من التاريخ العسكري الإسلامي ، فوجدت فرقاً بين معسكرين :

المعسكر الكافر : حيث تغيب العقيدة العسكريّة الربّانية ، ويرتبط الجند بالدنيا ، ويكون للقائد في المعركة الدور الأكبر ، فإذا غاب القائد بقتل أو أسر ، انفرط عقد الجيش كلّه ، وحلّت به الهزيمة المنكرة ...

ولذلك فقد استغل القادة المسلمون وعلى رأسهم عملاق العسكرية الإسلامية خالد بن الوليد رضي الله عنه هذه الثغرة في صفوف أعدائه ، فكان أول شيء يفعله في ميدان القتال ، أن يطلب مبارزة القائد الخصم ، فإما قتله ، وإما أسره ، ثم تنفتح له أبواب النصر على مصاريعها ، ولقد كان ذكر خالد يسبقه مسيرة شهر ، ولقد حدّثتنا كتب التاريخ العسكري عن قادة عمالقة ( أندرزغر ) فروا منه هرباً ، وهاموا على وجوههم ، فماتوا في الصحراء من العطش ...!!!

أما في المعسكر الإسلامي فالعكس هو الصحيح ، فالبرغم من أهمية القائد ، وأهمية حضوره وقدوته ، إلا أن مسار المعركة غير مرتبط بوجوده ، لأن العقيدة العسكرية الإسلامية تربط الجندي المجاهد بالله وباليوم الآخر ، ولا تربطها بالقائد ، كائناً ما يكون ، حتى لو كان هذا القائد هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ..

(( وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ اللهَ شيئاً ، وسيجزي اللهُ الشاكرين )) آل عمران

( أيها الناس : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبدُ الله فإن الله حيٌّ لا يموت ) أبو بكر الصديق

ولقد حفلت معارك المسلمين العسكرية بنماذج مشرّفة ، يعزّ على البشرية مجرّد تصورها ، لولا أنها حدثت واقعاً في حياة الناس ...

ففي معركة مؤتة استُشهد القادة الثلاثة الذين عيّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، الواحد تلو الآخر ، ولم يفتّ ذلك في عزيمة الجيش المجاهد ، حتى استلم الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فانحاز بالمسلمين إلى قواعدهم ، في أروع عملية انسحاب تكتيكي في التاريخ العسكري كلّه ...!!!

وفي معركة الجسر ، استشهد قائد المعركة أبو عبيد بن مسعود الثقفي وسبعة من آل بيته ، الواحد تلو الآخر ، فلم ينهار الجيش ، ولم ينهزم ، حتى آلت القيادة إلى المثنى العظيم بن حارثة الشيباني ، فاستطاع أن ينحاز بالجيش من بين مخالب الأعداء ، ويلملم جراحه ، ويربت على أكتافه ، ويعيد ترتيب صفوفه ...

وفي أقل من شهر ، خاض بنفس هذا الجيش ملحمة البويب المظفّرة ، فكسر ظهر الفرس ، ودقّ عظمهم ، وانتصر لشهداء الجسر أعظم انتصار ...!!!

وفي ملحة نهاوند الخالدة استُشهد القائد العظيم النعمان بن مقرّن ، فما فتّ ذلك في عضد المجاهدين ، بل أكملوا المسيرة من بعده ، وانتقموا له من الفرس شرّ انتقام ، حتى سحقوهم وألقوا بهم وبملكهم يزدجرد على تخوم الصين ، ولذلك فقد سمّيت هذه الملحمة العظيمة في التاريخ الإسلامي ب ( فتح الفتوح ) لأنها فتحت للمسلمين بلاد فارس على مصاريعها ...!!!

وبعد ... فإن استشهاد أي قائد من قادة المجاهدين في ميدان الجهاد ، لا شكّ أنه خسارة كبيرة للشعب السوريّ العظيم وثورته المباركة ، ولكن ذلك – على عظمته – لن يفتّ في أعضاد المجاهدين ، ولن يؤثر على معنوياتهم ، بل العكس تماماً هو الصحيح ، فدماؤه ودماء إخوانه الشهداء الأبرار الطاهرة ، ستكون النور الذي ينير للمجاهدين درب ثورتهم وجهادهم ، والحادي الذي يصدح في آذانهم ويرفع معنوياتهم  ، والنار التي تحرق أكباد الأعداء وتعجّل بدحرهم .

(( ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله  )) صدق الله العظيم