مسرح النكبة

"67عاما الأبواب تنتظر مفاتيحها"

سميحة خليف

سبعة وستون عاماً مضى على مسرح النكبة، والذكريات ما زالت محتفظة في لب عقولهم، فحدثوا : أطلت شمس الصيف ببداية فصلها، كانت مناورات الحرب في القرى البعيدة قد بدأت بأساليبها الخفيفة، لكن فجأة دون سابق إنذار، بدأت المعركة دامية، قصف عشوائي على أطراف القرية، فزعت القرية من سبات النوم، وبدأ الجميع بالخروج من بيته، متجهين إلى مدخل القرية الأخر للهرب.

تكلمت ذاكرة الجدة أم سعيد مسترجعة فصول النكبة، فقالت: حدثتني أمي عن تلك الليلة: كان الليل حالك السواد، وذوي الإنفجارات قريباً، والرصاص المتطاير يلمع في سمرة الليل، ومصابيح الدبابات تقترب أكثر فأكثر، اتخذ جد أباكِ قرار الرحيل وصرخ مردداً: " اجمعوا الشيء المهم في صرة، إنها كم يوم ... تهمد نار الحرب ونرجع، لا تقلقوا "، وهربنا من المدخل الأخر للقرية، لم نكن نحن من اتخذ هذا القرار فقط، كان أهل القرية جميعاً اتخذ نفس القرار.

كانت ظاهرة خروجهم من منازلهم موجعة القلب، هدمت بيوتهم، وفقدوا هويتهم، فكانت النتائج، لجوء ومعاناة، وتراث دفن، أصبحوا شعب لاجئ مشرد في العراء، لكنهم لم يرجعوا، فكانت ألوان العذاب حياة لهم، وأصبح الخامس عشر من أيار كارثة وطنية.

أكملت روايتها: بعد تسعة عشر عاماً، عام 1967م ... نكبة ثانية لكن بإسم أخر" النكسة "، لن نرجع إلى بلادنا بعد، بل هجرنا من مكان لجوئنا مرة أخرى، كنت شابة صغيرة، أذكر أننا كنا نجلس بسلام في خيمنا، إلا أن العدو لم  يهنئ إلا بترحيلنا، فقفزوا مثل القرود بيننا موجهين الأسلحة نحو رؤوسنا، فكان حكم الأقوى على الأضعف، فرحلنا من جديد، هدموا خيمنا، وأفسدوا  محصول الزرع، ونصبوا الآليات العسكرية مكانها، وطردنا كأن الأرض أرضهم وليس لنا حق فيها، فآلت النتيجة بأن خسرنا أرضاً أخرى ترعرعنا بها، فكان لنا من جديد عائلة ملجأة، خيمٌ أخرى، وشتاتٌ قاهر.

 مضت الحياة بصعوبة العيش ، وأصبحت الأن بعد عمراً أروي لأحفادي قصة نكستنا الثانية، وقصة نكبة أجدادي التي روتها لي أمي، وها نحن الأن على فصل نكبة ثالث، بعد ثمان وأربعون عام، سوف نرّحل من أرضنا من جديد، بحجة أن الأرض التي نحن عليها ملك لدولتهم الصهيونية، فنحن أصبحنا كرة في وسط الملعب، مرة ندخل مرمى الحرب ومرة نتأرجح مرمى الترحيل، وستظل تروى الحكايات لأجيالنا القادمة لكن بنكبة جديدة.