الاحتِكَارُ المُدَمِّرُ
د. حامد بن أحمد الرفاعي
التفاهمُ يُنتجُ الحبَ الذي يُؤسِّسُ التَعايُشَ الآمنَ بينَ النَّاسِ..والتفاهمُ يَأتي منَ التعارُفِ..الذي هُو منْ ثمراتِ الحوارِ بينَ أتباعِ الأديَّانِ والثقافاتِ..أعتقدُ أنَّ هُناكَ الكثيرَ منْ المبادئ الإنسانيِّةِ المبثوثةِ في القيمِ الدينيةِ والثقافيِّةِ..نحنُ بحاجةٍ إلى استِكشَافِها..فَكُلُّ دينٍ يَدعو إلى العدلِ والسلامِ والحبِ..والحريةِ والكرامةِ الإنسانيِّةِ..والبيئةِ الآمنةِ والتنميةِ والازدهارِ والتعايشِ الآمنِ..هَذه المبادئ موجودةٌ في الإسلام..ووجدتُ بعضاً منْها في المسيحيِّةِ..وغيرِها من الأديِّانِ والثقافاتِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ..المسيحُ علَيه السلامُ يقولُ:"اللهُ محبةٌ"والرسولُ الأعظمُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَ لأخيهِ مَا يُحبُ لِنفسِهِ"ويُعلقُ ابنُ رجب الحنبلي فيقولُ:"الأخوةُ هي الأخوةُ الإنسانيِّةُ"وهَذا يَعني أنَّ الحبَ ينبغي أنْ يُبذلَ لِجميعِ البشرِ منْ دونِ تَمييزٍ..ويُؤكدُ ذلكَ قولُ نَبينَا المُصطفى صلى الله عليه وسلم:"خيرُ النَّاسِ منْ نفعَ النَّاسِ"وبعد..فَما هي العقبةُ التي تَمنَعُنا اليومَ منْ تَأسيسِ مبادئ إنسانيِّةٍ مُشتركةٍ ؟المشكلةُ تكمنُ في نقصِ المعرفَةِ المُتبادلَةِ..وفي سُوءِ فَهمِ القيمِ الدينيِّةِ والثقافيِّةِ..وفي الخُروجِ عنْ مَقاصدِها الربَّانيِّةِ الإنسانيِّةِ..وبسببٍ منْ نَزعةِ احتكارِ فَهمِها والإخلاصِ لَها مِن قبلِ بعضِ الأشخاصِ..مِمنْ نَصَّبوا أنُفسَهم سَدنَةً لِنُصوصِ الهُدى الربَّانيِّ منْ كُلِّ ملةٍ ودينِ..واحتَكرُوا مَفاتيحَها لا يُنازعُهم فيها إلا ظالمٌ..فهُم حصراً الأقدرُ علَى التعامُلِ مَعَها..وهُمُ الأجدرُ بسبرِ أغوارِها وتقريرِ دلالاتِها..وهُمُ المُؤتَمنُون دونَ سِواهُم علَى تَطبيقِها..وتحقيقِ مقاصدِها في حياةِ النَّاسِ..أجلْ إنَّها لعَقَبَةٌ كَؤُودٌ يَومَ يُمارسُ بعضُ أهلِ الأديِّانِ هَذا الاحتكارِ المُدَمِّرِ..وقد جعلَه اللهُ مَيسوراً لقولِه تعالَى:"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر".