التمايزُ العقديُّ والمُشتركُ العُمرانيُّ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن احمد الرفاعي

وَمنْ إشكالاتِنا في أدائِنا الحضاريِّ..إشكاليةُ الاضطرابِ بينَ فقهِ التمايُزِ العقديِّ والثقافيِّ للأمةِ..وبينَ فقهِ المُشتركِ العُمرانيِّ والتكامُلِ الحضاريِّ معَ الآخرِ..وَهذِه مَسألةٌ فيها تَفصيلٌ تَناولتُها في كتابي (شركاءٌ لا أوصياءٌ) أوجِزُه بِما يلي:الأمةُ الإسلاميِّةُ مِثلَ غَيرِها مِنَ الأمَمِ..لَها عَقيدتُها الدينيِّةِ وثقافتُها الخاصةِ بها في إطارِ التعدديِّةِ الثقافيِّةِ البشريِّةِ..ومِنَ الاعتقادِ في الإسلامِ أنَّ حياةَ الإنسانِ كُلُها في عبادةِ لله تباركت أسماؤه لِقُولِه تَعالى"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"والعبادةُ في الإسلامِ نَوعان:عِبادةُ روحيِّةٌ تتكامَلُ مَعَها عِبادةٌ عِمرانيِّةٌ..ومَهمةُ العبادةُ الروحيِّةُ إعدادُ إنسانٍ مسؤول جادٍ سليم الذهن ومُستقيمٍ الوجدان لِقولِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "منْ لمْ تنههُ صَلاتُه عنِ الفَحشاءِ والمُنكرِ لمْ يَزدد مِنَ اللهِ إلا بُعداً"وذلكَ ليكون الإنسان مُؤهلاً للنهوضِ بأمانةِ العبادةِ العِمرانيِّةِ..وتَحمُّلِ مسؤولياتِ أمانة الاستخلافِ في الأرضِ..وَهي مَهمةٌ إنسانيِّةٌ جامعةٌ..وأدَاؤها تَكّليفٌ ربَّانيٌّ لَه ثوابُه في الآخرةِ..ولَه جَزاؤه ومنافِعُه في الدُنيا..وَالنَّاسُ يُؤجرون عَلَى ذلكَ حَسبَ اعتقادِهم ونياتِهم وهُم في ذلكَ نَوعان:

نوعٌ ربطَ دُنياه بآخرتِه فينالُ ثوابَ الآخرةِ مَقروناً بمنافعِ الدُنيا.

وأخرٌ فصلَ دُنياه عنْ آخرتِه ينالُ منافعَ الدُنيا كاملةً غيرَ مَنقوصَةٍ.

وعلَى أساسٍ منْ هَذا الفهمِ..تَنتفي بتقديري إشكاليةُ التمايُزِ العقديِّ لأي أمةٍ في إطار شرف التكليف الرباني للناس بعمارة الأرض..فالجميع مشمول بشرف التكليف لقوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"والكل متاح له الاستمتاع بالدنيا وما فيها لقوله تعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ"أما الجمعُ بين نعيم الدنيا والآخرة فشرط الله تعالى بشأنه الإيمان وعدم الشرك به سبحانه والاستقامة والتقوى في الأداء لقوله تعالى:"وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا"أجل في سياقِ تأكيدِ المُشتركِ العِمرانيِّ بينَ النَّاسِ جميعاً تَنتَفي ظاهرة التناقُضِ الوهميِّ عندَ البعضِ بينَ التمايُزِ العقديِّ وبينَ التعايًشِ معَ الآخرِ..بل يتأكدُ التعاونُ والتنافسُ مع الآخر للنهوضِ بمسؤولياتِ مهمةِ أمانةِ المُشتركِ العمرانيِّ لبناءِ الحياةِ لقوله تعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ".