الفِئةُ المُختَّارَةُ
د. حامد بن أحمد الرفاعي
لِكُلِّ عَصرٍ أُنشودتُه الفكريِّةُ والثقافيِّةُ والسيِّاسيِّةُ..تغنَّى اليونانيون بالليبراليِّةِ وتَفاخروا بها نَهجاً يحرِّرُ الإنْسانَ..وترنِّمَ الفرنسيون بالعلمانيِّةِ ورَفعُوها شُعلةً للتنوِّير في حياتِهم..وقَرعت الماركسيِّةُ طُبولَها تُبشَّرُ بالاشتراكيَّةِ انتصاراً للفقراءِ في وجهِ حيتانِ المالِ والإقطاعِ..وتراقصَ كثيرون على ترانيمِ النازيِّةِ والفاشيِّةِ والصهيونيِّةِ..والشعوبُ على مدارجِ البُؤسِ والظُلمِ والحرمانِ تُصفِّقُ وتُرحَّبُ بهذه الشعاراتِ التي تَعدُهم بالأفضَلِ لحياتِهم..وكُلٌّ في بلَدِه استجابَ أو أُخضِعَ للدخولِ في تَجّربةٍ معَ هذه الشعاراتِ ووعودِها الجميلةِ..ولكنَّهم اكتشفوا أن وراءَ هذه الشعاراتِ وفي وجدانِ أئمتِها يَكمُنُ لُغمٌ كَبيرٌ مدمرٌإنَّه لُغمُ (الفئةُ المعصُومةُ)التي تَزعُمُ لنفسِها الصلاحَ والنقاءَ فاستحّوذَت على كُلِّ شيءٍ..فازدادَ الفقراءُ فقراً وتَغوّلَت حِيتانُ المالِ والإقطاعِ..وأُشعِلت حروبٌ وأُبيدت عشراتُ الملايينِ من البشر..ودُمِّرت مدنٌ بكاملِها..وفي لحظةِ صحوةٍ للضميرِ الإنسانيِّ تشكل ما يُسمى النظام ُ العالميُّ..واتّخذت أمريكا الديمقراطيِّةَ ديناً لها..وأخذت تُبشِّرُ به بينَ الأُممِ تُحاربُ وتُسالِمُ من أجلِهِ..وصبأ أكثرُ النَّاسِ فاعتنقوا الديمقراطيِّةَ ديناً لَهم..وفُتِنَ كثيرٌ مِنَ المُسلمين بهذا الدينِ الجديدِ فاعتنقوه وأخذوا يُبشِّرون به في مجتمعاتِهم..بل ذهبَ بعضُهم إلى أكثرَ من ذلك فقالوا:(بديمقراطيِّة الإسلامِ). وتأثُّراً بنزعةِ أبناءِ العمِ اللدُودين( شَعبُ اللهِ المختارِ) برزت بينهم ظاهرة( الفئةُ الديمقراطيِّةُ الربَّانيِّةُ المُختارةُ) وحدثَت انتفاضاتٌ شعبيِّةٌ أطاحت بِنُظمٍ قائمةٍ رغبةً بالإصلاحِ..وتولى إدارةَ شؤونِ البلادِ سَدنَةُ الديمقراطيِّةِ الربَّانيِّةِ ورُهبانُها..واستبّشرَ النَّاسُ خيراَ..ولكنْ سُرعان ما اكتشفوا أنَّهم أمامَ فئاتٍ ديمقراطيِّةٍ ربَّانيِّةٍ مُختارةٍ تُصِّرُ كُلُّ مِنْها على أنَّها:الأفّهَمُ..والأكّفَؤ..والأمّهرُ..والأجّدرُ..والأخلَّصُ..والمؤّتَمنُ الأوحدُ على أداء الديمقراطيِّةِ الربانيِّةِ..ولسانُ حالِها يُردِّدُ:إمَّا أنا أو الطوفانُ..ودخلوا في صراعٍ شديدٍ كُلٌّ منْهُم يَدَّعي أنَّه نَبيُّ الديمقراطيِّةِ ورسولُها الخَاتَمُ..ومَن يَخرجُ على طاعتِه فقد كَفرَ..وهاهي الطوائفُ الديمقراطيِّةُ الربانيِّةُ المختارةُ تَقتتِلُ..وهاهي الشعوبُ تَسيرُ من سيئٍ إلى أسوأ..مهددة بزوالِ سيادتِها وفقدانِ هويتِها..وأئمةُ الديمقراطيِّةِ الربانيِةُ مَخمُورون بترانيمِ مزاميرِ ديمقراطيِّتِهم المزعومة..وبعدُ يا قوم..أليسَ فيكم رَجلٌ رشيدٌ ..؟؟؟!!!