في يوم محاكمة الرئيس: جلسة مع «ربات البيوت»!
عندما انتقلت يومها، من التلفزيون المصري، إلى قناة «الجزيرة» كدت أتعرض لصدمة حضارية، إذ كانت الهوة سحيقة وكان الفارق كما بين «السما والعمى»!
إنه يوم صدور الأحكام على الرئيس محمد مرسي والذين معه، في قضيتي «اقتحام السجون»، و»التخابر». وفي جلسة سابقة بشرنا مراسل التلفزيون المصري، بأن تلفزيونه حصل على حق البث الحصري لوقائع الجلسات، منحه لهم «المستشار الجليل» شعبان الشامي، وهي الصفة التي يطلقها المراسل الجهبذ للقضاة الذين يحاكمون الدكتور مرسي. وكان العرف قد جرى على أن «الجليل» لا تطلق إلا على قاض، جمع المجد من أطرافه، ومثل قيمة وقامة، ولم يطلقها أحد على قاضي بعد «المستشار الجليل» يحيى الرفاعي!
تنقل بعض الفضائيات المحاكمة عن التلفزيون المصري، وقد تفوتها فقرة، لذا فإنني أخذاً بالأحوط، أنتقل إلى هذا التلفزيون مباشرة، صابراً محتبساً، فلا يشاهد أحد التلفزيون الرسمي للسلطة في مصر إلا من ذنب أصابه، وفي كل مرة تكون هناك مذيعتان، تمارسان «اللت والفت»، بطرح أسئلة تبدو كالأسئلة، وفي هذا اليوم سألت إحدى المذيعات ضيفها رئيس إحدى محاكم الجنايات، إن كان بإمكان المحكمة بعد إعلان الحيثيات أن تقوم بتصويب ما ترى تصويبه؟ والقاضي يرد عليها بما هو معلوم للجنين في بطن أمه، بأنه بمجرد إعلان الحيثيات، انتهت علاقة القاضي بالحكم. فتعود لتسأله إن كان يجوز أن يصدر حكم بلا أسباب؟
صاحبتها بالجنب، ترسل إليها ابتسامة عريضة، كنت أظن في كل مرة أنها تعبيراً عن السخرية من عدم الإلمام بالأبجديات، فإذا بها عندما يصبها الدور تطرح أسئلة متواضعة، لا تزيد عن أسئلة صاحبتها في الضحالة، ورأيت من المناسب أن أغلق الصوت تماماً، لكن بين الحين والآخر يتم الانتقال للمحكمة، ويطل علينا «المراسل الهمام» بتكرار ما قاله في النقل السابق، وهو في حالة فرح، وكأنه يقف في العيد، والعيد في الصعيد ليس مجرد يوم، ولكنه مكان أيضاً.
المراسل في حالة «ابتهاج فطري»، وفي جلسة سابقة، حذرنا وهو «منفرج الأسارير» من أن نقع ضحية لخداع المتهمين، الذين سيدخلون القفص بعد قليل وهم يبتسمون تعبيراً عن الصمود. فقد شاهدهم قبل دخولهم القفص وهم في حالة انهيار، لكن الصورة التي يحرصون على الظهور بها أمام الكاميرات ليست حقيقية. وقد كرر التحذير أكثر من مرة، ولا أدري لماذا لم يعرض علينا صورهم وهم كما يقول؟!
المنزعج عبد الفتاح السيسي
يبدو أن ابتسامات الرئيس والذين معه تزعج سلطة الانقلاب، التي وضعتهم في قفص حديدي عازل للصوت، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري، ومع ذلك فإن الابتسامات وعدم الاكتراث بما تقرره المحكمة يظهر على وجوه من في القفص فيزعج عبد الفتاح السيسي، الذي يعيش منزعجاً طوال الوقت، ولم يعد يعرف كيف يتصرف وهو المحاط بالخصوم غير المكترثين، وبأحمد شفيق ومن يناصرونه في أجهزة الدولة، حد شهادة واحد من أهل بيت السيسي لصالح المرشح الرئاسي السابق، ومن المخابرات الحربية التي يحكم بها، فقال إن شفيق هو من فاز في الانتخابات الرئاسية وليس محمد مرسي، وهو لواء سابق في هذا الجهاز الحاكم الآن!
الحديث عن فوز الفريق أحمد شفيق، ليس موجهاً ضد الرئيس مرسي بقدر ما هو موجه لعبد الفتاح السيسي، ويبدو أن قائد القوات الجوية السابق، والذي يعيش إلى الآن في الأمارات قد فاض به الكيل، فتكلم حتى صار نجم الإعلام الأول في الأسبوع الماضي، فإذا كانت سلطة الانقلاب قد تدخلت ومنعت إذاعة مقابلته مع قناة «العاصمة»، فقد أثار المنع ردود فعل واسعة، أعاد التذكير بالرجل، فلم يكن هناك مندوحة من إذاعته، وقد استضافه «عمرو أديب» في برنامجه، وحاول جاره بالجنب، وهو محام في الأصل، أن يسوق نفسه له كمحام، يكاد يقول له أن كثيرا من الإجراءات المضرة به، ومن بينها وجود اسمه إلى الآن على قوائم ترقب الوصول، راجع إلى تقصير الدفاع، أو جهله بالقانون!
لا أعرف من صاحب اقتراح أن يتحول المحامي خالد أبو بكر إلى مذيع؟ وهو لا يمتلك مهارات مقدم البرامج في حدها الأدنى ولو على مستوى «ربات البيوت» في التلفزيون المصري، وصوته فيه ضعف، يتحول لمصدر إزعاج عندما يرفعه ليجاري عمرو أديب صاحب الصوت الجهوري، الذي يشعرك أنه جزار في المدبح.
صوت خالد أبو بكر، في «سرسعته»، يتسبب في إهاجة القولون النائم، ويحوله إلى خلية إرهابية نشطة!
محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الاجتماعي (أو شيء من هذا القبيل) أرجع السر في عدم إجراء السيسي الانتخابات البرلمانية، إلى أن الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) كان يراهن على من ينتمون للحزب الوطني الحاكم في مرحلة مبارك، لكن تم اكتشاف أن ولاء هؤلاء هو في الأصل للفريق أحمد شفيق!
إبادة الفريق شفيق
في مقابلة شفيق مع عمرو أديب أو في قناة العاصمة، أحدثت ردود أفعال، دفعت من كانوا في حالة صمت عن الكلام مثل رئيس المخابرات العامة السابق، مراد موافي، ورئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق سامي عنان، للخروج عن صمتهما، بعد أن ذكر شفيق أنهما أبلغاه بفوزه في الانتخابات الرئاسية!
الأذرع الإعلامية للسيسي تقوم الآن بحملة إبادة ضد أحمد شفيق، الذي صار هماً مضافاً لهموم السيسي وليس أقلها أنه فشل في البر والبحر، بالإضافة للصمود الأسطوري لمرسي والذين معه، فصارت مجرد ابتسامة أمام كاميرات التلفزيون تصدع أركان حكم قائد الانقلاب العسكري.
ولهذا كان من الطبيعي أن يحذر «بسلامته» من الانبهار بابتسامات «المتهمين» لأنها ترتسم خصيصاً للتصوير في حين أنهم في حالة انهيار؛ رآها ولمسها!
في هذه الجلسة السابقة كانت الضيفة، عميدة سابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وقد أبدت إعجابها بأداء المراسل، وإذ كان عليها بحكم الوظيفة أن تقيم الأداء مهنياً، إلا أن التقييم كان على قاعدة «ربات البيوت» أيضاً، إذ قالت إنه عندما كان يعمل مراسل التلفزيون في وزارة الداخلية في مرحلة الفوضى الأمنية، كان «محمود» يقول لها عندما يظهر المراسل نسمع له لكي نطمئن. و»محمود» هذا هو زوجها أستاذ الإعلام أيضاً! لا أعرف ماذا كان يقول مراسل التلفزيون المصري في زمن الانفلات الأمني فيدفعهما للاطمئنان والنوم الهادئ، فيبدو أن «ابتهاجه» كان يؤدي نفس وظيفة كوب اللبن كامل الدسم!
الفوضى الأمنية، كانت بعد انهيار الشرطة في يوم جمعة الغضب، إذ فُتحت السجون، ويومها قلت إنها خطة يبدو أنه تم الاتفاق عليها في اجتماعات وزراء الداخلية العرب في تونس، فعقب تنحي بن علي شهدت تونس انفلاتاً أمنياً غير مسبوق، فعندما حدث هذا في مصر، كان الجميع على يقين من أنها من فعل وزير الداخلية حبيب العادلي!
الذي أكد صحة هذا، أنه في اللحظة التي فتحت فيها السجون، قاد التلفزيون المصري الاتجاه في دفع الثوار للعودة إلى منازلهم لحمايتها، بعد خروج عتاة المجرمين، وتم فتح خط اتصال بالجماهير، فإذا بالاتصالات كلها تثير الرعب، ففي هذه المنطقة ظهر مجرمون واقتحموا البيوت، وفي منطقة أخرى قاموا بالسطو على ما في المحال التجارية، وفي تلك المنطقة قاموا باغتصاب النساء، ويبدو أن من في «الكنترول» قد أرهقوا من الاتصال وتقليد أصوات المفزوعين، فاتصلت رئيسة التلفزيون «عزة مصطفى» مقدمة برنامج «صالة التحرير» في فضائية «صدى البلد» وبحسب قول سكرتير السيسي «عباس كامل»: «البت عزة»!
اتصال «عزة مصطفى» من منزلها جاء في السياق نفسه. والمعنى أن اقتحام السجون وإخراج المسجونين منها، استغل ضد الثورة، ومع هذا جاء الحكم في الجلسة الأخيرة ليبرئ الشرطة من هذا الفعل، ويقدمها على أنها ضحية لمؤامرة كبرى على مصر، وباعتبار ثورة يناير/كانون الثاني هي «مؤامرة»، ولا نعرف كيف لضالعين في هذه المؤامرة من الإخوان وحلفائهم أن يشاركوا في تصرف كان يهدد استمرار الثورة في يومها الأول، إذا استجاب الثوار لدعوة التلفزيون المصري وانصرفوا إلى بيوتهم لحمايتها؟!
اللافت أن الحكم تعرض لثلاثة سجون فقط، هي التي تم اقتحامها، في حين أن سجوناً أخرى تم اقتحامها وإخراج المسجونين منها.. فمن الذي اقتحمها؟!
نظام مبارك
لقد استمعنا إلى شهادات لأصحابها تتهم نظام مبارك بالوقوف وراء اقتحام السجون، والدكتور مصطفى الفقي اتهم في برنامج تلفزيوني جمال مبارك بأنه وراء ذلك، في حين أن شهادات لضباط بمصلحة السجون قالوا إن فتحها كان قرار مسؤولين بالجهاز الأمني، وقد قتل مدير مصلحة السجون اللواء البطران وهو في طريقه لأحد السجون لمنع فتحها، وآخر مكالمة له مع شقيقته «حبيب العادلي بيخرب البلد»!
لا بأس فعلها الإخوان بمعاونة الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، ونفر من المنتمين لحركة حماس منهم من قضى نحبه قبل سنوات ومنهم من ينتظر في سجون إسرائيل، وأين كان الجيش المصري والأجهزة الأمنية الأخرى المسؤولة عن تأمين الحدود الشرقية. لقد انهارت الشرطة في يوم جمعة الغضب فهل انهار الجيش أيضاً؟!
لقد تململ «سيبويه في تربته» وقد استبيحت كل قواعد النحو التي أقرها على لسان القاضي، والذي ما أن انتهى حتى انتقلت لقناة «الجزيرة»، وكانت «روعة ممتاز»، التي أشعرني أداؤها بالفارق الزمني بين العصر الحديث، والقرن الحجري عندما كان التقديم التلفزيوني أقرب لجلسات «تقميع البامية»، ومعذرة لذلك بعد أن صارت «البامية» في زمن السيسي سلعة استفزازية للمصريين.
فمتى يتوقف التلفزيون المصري عن إشاعة الضحالة في ربوع المنطقة؟!
صحافي من مصر