البشير يعود سالماً والعدو يبوء خائباً

شكل وصول الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى جنوب أفريقيا، للمشاركة في أعمال القمة الأفريقية، صدمةً كبيرة لكل الذين كانوا يتوقعون أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه عن محكمة الجنايات الدولية، ستدفعه نحو الانكماش والجمود، وستحول دون مشاركة السودان الفاعلة في أعمال القمة، وسيغيب السودان بغياب رئيسه، الخائف من الاعتقال، والهارب من العدالة الدولية.

 إنهم لا يعرفون عمر حسن البشير جيداً، إذ راهنوا كثيراً على خوفه وتردده، وأنه سيجبن وسيخضع لهواجس الاعتراض والاعتقال، ولكن وصوله الشجاع والمعلن إلى جوهانسبرج على رأس وفدٍ سوداني كبير، وعلى متن طائرة سودانية تتبع الخطوط الجوية السودانية، أفشلت حسابات المتآمرين، وصدمت عنصريي جنوب أفريقيا من ذوي المعايير المزدوجة والمكاييل المزيفة، الذين حرضوا على اعتقاله، بعد أن أصدرت محكمة أفريقية قراراً قضائياً بتوقيفه ومنع مغادرته البلاد، تمهيداً لتسليمه إلى محكمة الجنيات الدولية.

لكن الرئيس السوداني نجح بقراره الجريء في تحدي الإرادة الاستعمارية الغربية، وواجه المخاطر التي تكتنف رحلته وسفره، ولم يخضع لمحاولات عزل السودان وإخافته، كما استطاع أن يفرض احترامه على قادة الدول الأفريقية التي تضامنت وتحالفت معه، وهي التي تدرك أنها المستهدفة من محكمة الجنايات الدولية، فكان تحديه ومواجهته للأخطار المحدقة به انتصاراً للإرادة الأفريقية السوداء، التي نال ثقتها وتقديرها وحب شعوبها، ليكون فيها أحد أعلام أفريقيا الكبار، الذين يطمحون إلى الاستقلال والإرادة الحرة، وهم الذين عانوا طويلاً من ربقة الاحتلال والاستعمار والاستعباد .

إنه عمر حسن البشير رئيس دولة السودان، أكبر دولةٍ أفريقية رغم انسلاخ الجنوب عنها، التي تنتمي إلى أفريقيا جنساً وعرقاً، وإلى العرب لساناً وحضارة، وإلى الإسلام ديناً وقيماً وانتماءً، والتي تتوسط باقتدار أربعاً وخمسين دولة أفريقية، وتحيط بها ثمانية دول، وتمتد أنسجتها وعروقها لتتغذي وتغذي كل الدول الأفريقية من معين العروبة والإسلام، فكانت بموقعها ودورها موئلاً للأفارقة جميعاً، الباحثين عن الحرية، والثائرين على الاستعمار، والرافضين للظلم، والداعين إلى العدل، والساعين إلى الخير، والمدافعين عن الإسلام، والناشرين له، ليجدوا في الخرطوم دوماً أملاً ونوراً ونبراساً، وأهلاً كراماً، وبيتاً عالي الأسوار يحفظهم ويحميهم.

لهذا كان التآمر على السودان كبيراً، والحرص على النيل منه متواصلاً، ولكن هل استطاع المتآمرون على السودان ورئيسه أن يتجاهلوا دوره، وعاصمته العتيدة، وتاريخه الناصع، ودوره الباهر، وآثاره البينة، ومساعيه الخيرة، وجهوده الرشيدة، ومستقبله الواعد، وغده المشرق، ورجاله الصِيْد الأُباة الكُماة، ولاءاته العربية الخالدة، ومياهه العذبة الزلال، ونيله الفرات الدفاق، وأرضه السمراء، وخيراته المكنونة، ومدخراته المختزنة، إنهم وإن لم يستطيعوا، فإنهم لن يكفوا عن المحاولة، ولن يتوقفوا عن المؤامرة.

إنه السودان العربي الذي يمتد فسيحاً وعميقاً، منغرساً في الأرض، ممتداً في العمق، متعالياً في السماء، سامقاً فوق النجوم، علماً يخفق، ورايةً ترفرف يعتز برئيسه البشير، ويرى فيه عنواناً للسودان، ورمزاً للبلاد، وقائداً لمسيرته، مقداماً مغواراً، يفخر به السودانيون ويعتزون، ويقدمونه على أنفسهم ولا يبتئسون، ويفدونه بأرواحهم ولا يتأخرون، فكان حضوره وتحديه للخوف الذي نشروه حول مشاركته محل تقدير وإعجاب شعبه.

وحريٌ برجلٍ مثله أعطى بلا حدود، وضحى بلا تردد، وتفانى في خدمة شعبه، وفي الوفاء لوطنه، وعمل على بسط السلام، ونشر الأمن، أن ينال هذا التقدير، وأن يحوز على هذا الإعجاب، وأن يحظى بتقدير العرب والأفارقة وغيرهم، الذين يدركون كذب وافتراءات محكمة الجنايات الدولية التي عملت على تلفيق الاتهامات وتزوير الحقائق، ولي عنق العدالة، التي عملت على تشويه صورة البشير، وتصويره بأبشع الصور، ورميه بهتاناً بتهمة القتل والإبادة والاغتصاب.

من منا لا يعرف عمر حسن البشير، الأفريقي السوداني العربي المسلم، إنه رجلٌ تواضعه جم، وأدبه رفيع، وخلقه نبيل، وغيرته صادقه، ودفاعه مستميت، وحبه صادق، وولاؤه سابق، يخشى الله في شعبه، فلا يظلم ولا يبطش، بل يسعى لأمنهم وسلامتهم وخيرهم وطمأنينتهم، مسلمين ومسيحيين ووثنيين، جنوبيين وشماليين، دارفوريين وكردفانيين.

إنه جنديٌ مدافع، وقائد صامد، ورئيس مجاهد، مسكون بهموم السودان، وحالمٌ بآفاقه، في عهده تدفق الخير، وأخرجت الأرض كنوزها، وأغدقت على السودان خيراتها، وفي عهده أمن الناس، واستراح المقاتلون، وتصالح المتقاتلون، واتفق المتخاصمون، ونعمت البلاد بالأمن والأمان، فعم الخير، وساد السلام، وغمر السودان فيضٌ من الرحمن وافر، خيراً سابغاً وعطاءً موصولاً وظلاً ممدوداً لا ينقطع.

إنه عمر حسن البشير، الذي لا يفتأ يُذَّكر نفسه، بأنه عبد الله عمر، قد مَنَّ الله عليه وألبسه ثياب الملك، وأجلسه على كرسي الحكم، حاكماً يتقي الله ويخافه، وعينه ترنو إلى الفاروق عمر بن الخطاب، يحتذي حذوه، ويسير على نهجه، ويحلم بعدله، ويطمح إلى مجده، ويخشى الرحمن إن قصر، ويخاف الآخرة إن تأخر، يسمع للقريب، ويجيب دعوة البعيد، ويلبي الملهوف، ويعين المحتاج، وينأى بنفسه عن الظلم، ويحاسب نفسه بشدةٍ إن أخطأ، ويعاقب ذاته إن تجاوزت، لم تبطره الدنيا، ولم يفسده الحكم، ولم تغره الوعود، ولم تفت في عضه الأحداث ولا السنون، ولن تخيفه التهديدات ولا المذكرات، ولن تقعده المؤامرات ولا التحديات.

إنه عمر حسن البشير، الذي يعرفه عامة السودانيين، يلبس جلبابهم الأبيض، ويعتمر عمامتهم التي تزين جباههم، ويحمل عصاه التي أرادها كدُّرةِ بن الخطاب عمر، يعرفها الناس، ويلوح بها فرحاً لا تهديداً، وابتهاجاً لا ترهيباً في أفراح السودان ومناسباته، يشارك السودانيين أفراحهم، ولا يغيب عن مواساتهم في أحزانهم، ويخف لاستقبال الغائبين، ويبش في وجوه الزائرين، وقد رأيناه في ولايات السودان يلبس ثيابهم الشعبية، ويتزين بخرزهم، ويتمنطق بسلاحهم، بسيطاً قريباً منهم.

إنه عمر حسن البشير الذي يذكره السودانيون ضابطاً في الجيش متقدماً، عينه على الوطن، ويده على الزناد، وقلبه مسكون بالسودان وأهله، لم يغادر يوماً ثكنته، ولم يغب عن موقعه، ولم يتأخر عن القيام بواجبه، ينتصب للحق شامخاً، ويهب للخير واقفاً، مرفوع الرأس، عالي الجبين، منتصب القامة، موفور الكرامة، يرى في وطنه القوة، وفي جيشه العزم، وفي رجاله المضاء، وفي جنوده الوفاء، وفي ساحاته العطاء، فيتقدم الصفوف شجاعاً، ويقود الجنود حكيماً، لا يبالي بموتٍ يخلده، ولا بجرحٍ يقعده، فالوطن في عينه أغلى وأعزُ وأنفسُ .

يذكره السودانيون في صلاتهم، يدخل مساجدهم من خلف الصفوف، ويجلس حيث ينتهي به المقام، فلا يتجاوز المصلين، ولا يتخطى الرقاب، ولا يزاحم أحداً بحراسه، ولا يدفعهم بمرافقته، ينظر الناس حولهم، فيرونه جالساً بجوارهم، لا يميزه عنهم شئ، بجلبابه الأبيض، وعصاه السوداء، وعيونه المسكونة بالألم والأمل معاً، تنتهي الصلاة فيلتف حوله الناس، مصافحين بلا خوف، ومعانقين بحق، ومعاهدين بولاء، سعداء بأن رئيسهم بينهم، يحبهم ويحبونه، ويعطيهم ويعطونه، يرون فيه الأمل والغد المشرق الآمن .

تعالوا بنا ننصر البشير ونؤيده، وندافع عنه وعن السودان، كيما يكون لنا تحت الشمس مقام نفخر به ونعتز، فالبشير منا ونحن منه، قد أسعدنا حضوره، وأفرحنا تضامن القمة معه، فلك أيها البشيرُ عمرُ، قلبنا ولساننا، ندافع عنك ونحميك من أي خطر، ونمنحك وقد خاطرت وتجاسرت المزيد من ثقتنا فيك، فلا تبتئس من باطلهم، ولا تخاف من قوتهم، فحقنا مهما كان ضعيفاً فإن إيماننا به يحميه ويحفظه.

إنه البشير، وإنه عمر، نكبر به ويكبر بنا، ونفخر به ويفخر بنا، ونحبه ويحبنا، أفلا نسانده في محنته، ونقف معه في أزمته، إذ أن محنته لنا محنة، ومصابه لنا مصاب، كما أن تكريمه لنا تكريم، وانتصاره لنا انتصار، وتحديه لنا عزة، ومواجهته لنا شجاعة، وقد أصبح اسمه علم، أرادوا له الدنية والمهانة فأرادها الله له عزة، وكرامة، فهل نخضع للمتآمرين على عزتنا واستقلالنا، ونقبل أن نعطي الدنية في كرامتنا، وأن نخضع لموازينهم ومعاييرهم الخرقاء، المجافية للحق، والبعيدة عن العدالة، والمخالفة لكل القيم ومعاني الخُلق والكرامة.