تحب تفهم تدوخ
كتبنا من نشيد المــــــــوت أغنيةً على آلامهِ ننعـــــــــــي المحبينا
فما برأت جــراحُ القلبِ أو هدئت وعـدنـا للأســـــى نروي مآسينا
بغير الله ضائعــــــــــــــةٌ هويتـنا ولن يجـــــــدوا لنا فيها عناوينا
أكتب هذا المثل " تحب تفهم تدوخ " وأتخذته عنوان لمقالي بعد أن رأينـا التفجيرات تدك كل ركن وكل زاوية ، بعد أن أصبحنا بين قاتل ومقتول وجريح ومجروح من أولادنا وبنو جلدتنا .. أكتب عن أرواح أزُهقت من غير ذنب، عن شلال الدم الذي يدمي القلب، و دموعُ سُكبت من عيون الثكالى.
عن ماذا نتحدث، عن مرحلة صعبة نعيشها، عن قسوة إنسانية نشاهدها، عن محنة أخلاقية وتخبط فكري وبلبلة في الذهن، أو عن أطفال حرموا الأمن والأمان !!.
ما نراه من تفجيرات في كل يوم داخل بلادننا، داخل احياننا، و في شوارعنا، يشير إلى ماذا؟
هل إلى غلوٍ في العقيدة وقلة وعي بمقاصد الشريعة وتطبيقاتها ؟ أو هي نشر الدعاوى المضادة لطبيعة حياتنا الإسلامية، و التي هي: مدد من الحب والحكمة والطاقة اللانهائية..الوجود الحكيــــــم القاطن بداخـلنــــــا..الإحساس العميق بالمعرفة واليقين.
للأسف لا يقتصر تأثير هذه التفجيرات على هذا المغامر الذي يفجر نفسه بل تتجاوزه الى المجتمع لتنتشر كالطاعون تضرب دون رحمة هنا وهناك فلا تبقي ولا تذر.
فإلى متى نبقى في تضليل ويشوٍّه إسلامنا، ونحن من تتجلى رسالتنا في عمارة الأرض، وبناء الإنسان، ونشر السلام وحفظ الأرواح... يبدو أننا لا نزال في أمس الحاجة إلى إنارة طريق بعد أن ظهرت قوى ظلامية تشدنا إلى الخلف بدلا ً من أن نندفع إلى الأمام.
ويخيل إليّ أننا لا نزال " نرواح " في مكاننا.
اليوم والآن وفي هذه اللحظة ، الكل يتساءل عن الأسباب الكامنة وراء ظاهرة التفجيرات.. مع إدراكنا لماهية اللعبة التي تكمن وراءها، سواء كانت سياسية أو لها علاقة بتوجيه أيديولوجي معين أريد فرضه.
لربما ضمن الأسباب التالية على سبيل المثال، تكون وراء هذه الظواهر:
- وجود حالات من التململ الاجتماعي الناتجة عن نقص العدالة الاجتماعية التي تشكل بيئة خصبة من عدم الرضا والرفض وقد تصل لحالات من التمرد الواسع والفوضى.
- تجاهل دور المجتمع المدني والعمل التطوعي الفعال الذي يشكل أحد الأسباب في تحييد النشطاء والفاعلين ممن يحملون الفكر المعتدل والذين يعملون على تعميق مفاهيم التضامن الاجتماعي والعمل الجماعي، و هذا التجاهل بدوره، قد يساهم في بروز الفكر المتشدد وزيادة قدرته على الانتشار.
- غياب استراتيجية إعلامية وتوعوية واضحة وذات أهداف جامعة تعيد للمبادىء والمفاهيم الجوهرية أهميتها من أجل رأب الصدع ومواجهة العنف والتطرف والطائفية والمذهبية التي تكاد تذهب بهذه الأمة.
ونؤكد ضمن هذا السياق، على هذه الإستراتيجية لأن، لدينا أساس تاريخي وثقافي وفكري وايديولوجي متين جدا ًيمكن أن نبني عليه صرح حاضرنا ومستقبلنا.. ومؤمن بأن الطبيعة البشرية لا تخلو من انحرافات، ولايمكن محو السلبية بالمطلق في الإنسان.
بالمقابل، لدينا صورة أخرى تفاؤلية، تتمثـــل في أسلوب عدد ليس بالقليل من الدعاة وعلماء الدين والمشايخ ودعاة الفكر الإسلامي وتبنيهم لخطاب تربوي جديد لمجابهة ما يحدث في بلادنا الإسلامية بما يتوافق مع هذه المرحلة الصعبة، وبما يضمن إبراز دور الرسالة المحمدية العالمية، والتي لا تحمل في معانيها و دورها، انتحارا ًبالمتفجرات أو تشويهاً فكريا ً.. بل تحمل قلبا ًغامرا ً بالحب والايمان.. ذلك الايمان مصباح الدجى.
وتحقيقا ًللحق و تأكيدا ً لما سبق من وجهة نظري ، فإن " برنامج سواعد الإخاء " الذي عرض في شهر رمضان المبارك لهذه السنة أعطاني، قناديل الأمل والتفاؤل، بأنه، قد يكون خطوة إلى الأمام وبداية طريق، بأن مشايخنا ودعاة الفكر الإسلامي، أو يمكن أن نسميهم العلماء " المثقفين " قد إستدركوا الأمر، وتبصروا الخطر، وماضون في الإتجاه الذي يعالج شيطانية الفكر لدى الأنسان المسلم والعربي بشكل عام .. لأن دورهم في هذه المرحلة هو توحيد الصفوف ، بتوحيد الأمة ، والريادة في الدعوة إلى رفع الحدود " والرائد لا يكذب أهله "، والذود عن كرامة المواطن العربي ومواجهة الأفكار الظلامية المتخلفة . فشكرا ً لهم .
إن أمة أرادت أن تقيم وجودها وتعيد بناء ذاتهـا.. لا بد لها من أن تفكر أول ما تفكر فى درء الأخطار الداخلية والقضاء على ما ينغـــز في جسدها.. و قد آن لنا أن نعي أبعادها ومراميها وندرك خباياها وأسرارها، ولا نهمل أن نسلط الأضواء على دعاتها وقادتها وتابعيها.. ولا يعتقد أحد أن الهدم من الداخل يقتصر على طبقة بعينها، بل هى ممتدة أذرعهـا فى كل مجال، وأصابعها تتحرك من وراء كل ستار وفي كل ميدان.. والله أعلم.
وسوم: العدد 627