الإصلاح يبدأ بالثقافة
إن عُلماء الاجتماع والسياسة والتاريخ يؤكّدون: من أن الثقافة هي صاحبة الدور الأبرز في نهضة الأُمم والشعوب، بوصفها تتعاطى مع الحياة بأسلوبها الخاص، ضمن سياقات التاريخ المتوالية، كونها – أي الثقافة – هي حصيلة مواريث القِيم والتقاليد، ولكل شعب من الشعوب ثقافته الخاصة التي تميّزه عن غيره من باقي الأجناس البشرية .
وليس اعتباطاً أن يقول الفيلسوف الفرنسي ( كانت ) من أن ( الثقافة هي العقل النظري للأمّة ) وانطلاقاً من هذا القول، يمكن النظر الى تطوّر ثقافة العراق في العصر العبّاسي، حيث كان للثقافة ورجالها الصوت الأعلى في رفعِ مداميك الحضارة العربية – الإسلامية، كون الثقافة لا تُحد بأفقٍ قومي أو عرقي أو إثني أو سياسي أو ديني. فالمحرك الأساس في هذا المضمار هو العقل، وعندما يدرك العقل وجوده الحضاري في الأمة فانه قادر على السيرِ بالشعوب والأمم نحو الفضاءات الأرحب للحياة في كل المناحي ، وبالضرورة ستطوّر فنونها وابداعاتها الثقافية، وكلما كان رأس السلطة السياسية مُدركاً لأهمية العقل ودوره الثقافي كان البلد هو الأنجح في ميادين الإنتاج والتنمية والسمو الحضاري، بحيث يترك هذا ( القائد أو الزعيم) أو تلك السلطة، بصماته على مسار التاريخ، عندما تكون الأولويّة في شؤون الحُكم والسلطة الى الجهة المثقّفة والشخص المثقّف في اتخاذ القرارات ورسم المسارات للبلد والأمة .
وتاريخ الدولة العبّاسية، وتحديداً في عصر المأمون ( 170 – 218 ه /786 – 833 م ) رأينا أن الدولة كانت في طليعة الأمم والشعوب في العصر الوسيط، فقد كان المأمون يضع في قِمّة الهرم السياسي، كالوزراء وحكّام الولايات والقُضاة والسُفراء، من ذوي الشأن الرفيع في الثقافة والتحصيل المعرفي، فيما كانت المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها ( بيت الحكمة ) في بغداد، كان يسند رئاستها الى أبرز المبدعين في مجال الفلسفة والطب والرياضيات وعلم الفلك والترجمة ، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو السياسية . فقد أسند رئاسة بيت الحكمة الى أوسع فكر ثقافي في زمانه هو ( رأس المترجمين وعالم الفلسفة والطب حُنين بن اسحاق ( 808 – 873 م ) وكان هذا الرجل عراقيٌّ من اهل الحيرة، سرياني الأصل والانتماء ومسيحي المعتقد ، فقد بلغت ترجماته في الطب والفلسفة والأدب ( 260 كتاباً ) ومؤلّفاته الإبداعية نافت على ( 115 كتاباً ومقالة ) وتوظيفه في هذا المكان كان تقديراً لجهوده المعرفية وإقراراً بمكانته العلمية وانجازه المعرفي، حتى أن المأمون كان يبالغ في تقدير عمله في الترجمة، حيث كان ( يعادل وزن ترجماته بالذهب الخالص ) . أنظر ترجمتنا الموسّعة له في كتاب ( مترجمو بغداد في العصر العباسي – ضمن موسوعة بغداد الثقافية في العصر العباسي في 20 مجلداً ) والموسوعة قيد الإصدار .
فلو قارنّا ما هو قائم اليوم في العراق، من تبوّء بعض الشخصيات في ( الوزارات أو البرلمان أو المؤسسات الثقافية والعلمية المختصّة) والتي جاء توظيفها على أساس المحاصصة الطائفية، وما كان عليه العراق في عصر المأمون، لعرفنا الفارق الكبير في تسنّم المثقّف لمركزه الصحيح، فلقد ذكرت المصادر التاريخية أن المأمون قد طلب من والٍ له في إحدى الولايات بأن يحضر الى بغداد ومعه كاتبه قائلاً له : كيف تخاطبني بكاتبٍ يلحن !؟ أي يخطأ في الإعراب ، بينما أوضحت لنا وسائل الإعلام المرئية المعاصرة ( وزيراً ) في حكومة المالكي السابقة قال في حوارٍ تليفزيوني معه في سوريا ( لقد تشرّفت في مقابلة ضخامة السيد الرئيس ) وكرّرها مرتين في ذلك اللّقاء ، وهو لا يعرف التميّز بين ( فخامة الرئيس وضخامة الرئيس ) فإذا كان الوزير في ( هذا المستوى الثقافي ) فكيف سيكون طاقم وزارته ؟ .
كشفت لنا مسيرة الحكومات المتعاقبة بعد الإطاحة بنظام البعث الفاشي، خلال فترة وجودها البالغة لأكثر من 12 عاماً ، من تداول السلطة على أساسٍ طائفي توافقي، بأن استبعاد المثقّف يُخلخل البُنية السياسية والثقافية والاجتماعية في العراق، وهذا هو السبب في تراكم الأخطاء، فقد انكشفت عورات الجميع، لأن المثقّف العراقي الأصيل رفض أن يُدنّس قلمه في محبرة الفساد، فعِفّة القلم من عِفّة صاحبه، وبقى هذا المثقّف بعيداً كل البُعد عن فساد السلطة وتقسيم الغنائم على أسسٍ طائفية وتكتلات حزبية وقوميّة شوفينية ضيّقة، جعلت من المثقّف العراقي أن يكون بعيداً عن عوالم الفساد المستشري في العراق اليوم، وحسنٌ فعل، فقد حصّن نفسه، لكن تأثيره الإبداعي ظلّ فاعلاً من خلال كتاباته المتعددة ومقالاته السياسية وآرائه النقدية في أكثر من منبر وموقع ومكان ، مما زاد في مسألة بلوغ السيل الزُبى في نفسية المواطن العراقي ، وبدا يدرك أن ( لصوص الطائفية ) وانتهازيي اللحظة الفالتة من التاريخ وأصحاب ( البدلات الزيتونية ) قد تحوّلوا بين ليلة وضحاها الى ( أصحاب لحىً) ويتختمون بالعقيق اليماني أو الفص السليماني، ويعلنون انتماءاتهم الطائفية بوضوح وعلى كل المنابر الإعلامية ، ولهذا السبب أدرك هذا المواطن أن كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى اليوم كانت مخفقة بوضوح، ولم تستطع أن تُقدّم مشروعاً وطنياً قط، بل كان المشروع الطائفي هو المشروع السائد ، الأمر الذي يتقاطع بين هذين المشروعين بشكل واضح، ولذلك كان سقوط رؤوس هذا المشروع الطائفي مدويّاً وسريعاً وفاضحاً لكل أركان المشروع الطائفي، بكافة رموزه ومسمياته، وكشفت زيف (الإسلام السياسي) الذي اثبت بأن رجاله وسياسيّه ليسوا برجال سلطة وغير مؤهلين لحكم البلد ، بعد أن أثبتوا بأنّهم لصوص بامتياز وفاشلون، ولهذا السب انتفض عليهم الشعب بكافة شرائحه الاجتماعية ونخبه المثقّفة ، ونزلوا الى ساحات الشرف النضالي بمظاهرات سلمية – مطلبية، ذات مدلول حضاري يُدلّل على أن المواطن العراقي ليس سهلُ الانقياد، ولا يمكن أن تنطلي عليه أوهام النظريات الطائفية والأيديولوجيات الدينية والمحاصصات الحزبية، بعد أن منحها فترة طويلة في الحكم تجاوزت 12 سنة في السلطة، فأثبتت فشلها في كل شؤون الحكم السياسي وإدارة الدولة العراقية .
ومن هذا الإدراك السياسي والثقافي، بعد هذه التجربة المريرة، وتجاوز على صلاحيات الأمة والمواطن فخرج بشكل ثقافي واعٍ وقال: ( لا ) كبيرة ومدويّة ، لا لحكم الطوائف، لا لحكم المحاصصة ، لا لسرّاق المال العام، وعلى هذا الأساس من الوعي استجابت الجماهير لكل هذه النداءات، الأمر الذي أصبح معه موقف السيد حيدر العبادي في حرجٍ شديد ، بوصفه رئيساً للوزراء والحاكم التنفيذي الأول، فاستجاب لهذه المطالب مرغماً، وبدأ بطرح اصلاحاته السياسية فهو مجبر عليها بعد أن فرضت الجموع مطالبها، وانتزعت موقفاً واضحاً من (المرجعية الدينية) والتي كانت سابقاً مضلّة الى حكم الطوائف الدينية، فأصبحت في موقفها الأخير منسجمة مع إيقاع هذه المظاهرات ومطالب الناس المشروعة .
وبعد ما قام به العبادي من حزمة إصلاحاتٍ أولية ، فإننا نلاحظ أن إصلاحاته لم تأتِ على ذكر إصلاحات في الجانب الثقافي في المشهد العراقي المتدهور، وهي مسألة ندركها عند كل من له خلفية دينية مؤدلجة بإطار طائفي، ولهذا السبب بقي خطابه الإصلاحي ناقصاً من جهة الثقافة ، فلا يمكن لأي إصلاحٍ سياسي أن يحدث دون أن تكون البداية من الشأن الثقافي، كون هذا الميدان يخص هويّة البلد الوطنية، ولا يصح تجاوز الأصول والبدء بالفروع، كما جرت العادة في الحُكم المبني على المحاصصات والهويات الفرعية، لأن الثقافة الوطنية تعني وتشمل كافة المكونات الثقافية في العراق، دون تميّز، وهو ما قرأناه في العصر العباسي، ولمسناه في حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم .
وبغية الانسجام مع اصلاحات السيد العبادي السياسية، نؤشّر بالآراء والملاحظات التالية ، كي تكون حُزمة الإصلاحات شاملة ومتكاملة في جانبها الثقافي، كونه الرديف الأرأس للإصلاح السياسي ، وأن نجعل من مسألة الإصلاح إصلاحاً لكل مؤسسات الدولة، كي نبني دولةً تصلح للتعايش المجتمعي الشامل وتكون حاضنة لكل مكونات الشعب الثقافية .
أولاً: وحدة الثقافة العراقية : وتشكل هذه النقطة مرتكزاً رئيسيّاً للانطلاق نحو مشروع وطني للثقافة، يجعل من ثقافة العراق وارثه الحضاري نقطة رئيسية يُبنى عليها عِدّة محاور محليّة لتنصهر في بوتقة واحدة تؤسس لمنظور حضاري، ينطلق فيه المشروع الوطني لاستيعاب كل الطاقات الإبداعية، ومن كل الأطياف والقوميات، بحيث تكون الثقافة العراقية هي المنطلق النظري لهذا المشروع، وعلى ضوء هذا المنطلق نرى ما يلي :
*- ضرورة السعي الجاد من قبل كل المثقفين العراقيين في الشتات والداخل العراقي، لإيجاد مؤتمر وطني عام للمثقفين العراقيين، يحددون بموجبه أسس الثقافة الوطنية العراقية في هذه المرحلة، وإيجاد المؤسسات الفاعلة لهذه الثقافة خارج كل الأُطر المحاصصاتية والطائفية والحزبية، بحيث يصبح الهم العراقي، هو الهاجس الأرأس في المؤتمر .
ثانياً: تأسيس المجلس الأعلى العراقي للثقافة والفنون والآداب . وهذه المؤسسة يجب أن تنبثق من (المؤتمر الوطني العام للمثقفين العراقيين) وينتخب إليه من هُم على حضورٍ ثقافي واضح المعالم، وأن يكون لديه منجزاً ثقافيّاً متميّزاً لا يقل عن ( 5 مؤلّفات ) على الأقل، في مختلف صنوف المعرفة الثقافية، وأن يُصاغ ( لهذا المجلس ) نظاماً داخليّاً، يُحدّد الأُطر والوظائف لأعضاء هذا المجلس .
ثالثاً : السعي الحثيث لإبعاد ( الإسلام السياسي) ومنظماته المختلفة عن الفعل الثقافي داخل مؤسسات الدولة الثقافية، لأنه كان السبب الرئيسي وراء المحاصصة والاقتتال الطائفي في الحُكم، وهو أُس الفساد في الدولة، الأمر الذي يجعله في حالة تناقض دائمة مع كل منظور حداثوي للثقافة العراقية .
رابعاً : إعادة الاعتبار لثقافة العراق الآركيولوجية، وتخصيص باحثين اكاديميّين في التصدي لهذه المهمة التاريخية الحضارية، وعلى الأُسس المعرفية التي صاغتها مدرسة العلاّمة الراحل طه باقر، ومن الضروري هُنا إعادة إصدار مجلة ( سومر) التراثية ، بطاقم تحرير متخصّص، يبرز إرث العراق الحضاري، الذي شكّل التراث السومري أولى معالم التاريخ الحضاري للعالم، وفق تعبيرات المستشرق الكبير نوح كريمر .
خامساً : إعادة النظر، بشكل جذري، في هيكلية وزارة الثقافة العراقية، وجعل المبدعين العراقيين هُم الأساس في تحمّل مسؤولية إدارتها، وابعاد كل العناصر الطائفية في مراكز قرارها في مختلف مؤسساتها الفرعية .
سادساً : السعي الجاد والملتزم لوجود ( منظومات معرفية للثقافة العراقية ) تُبرز أصالة الثقافة العراقية وتاريخيتها الإبداعية من قُبيل :
1- إيجاد قاموس ثقافي – سياسي ، يُحدد المنطلقات النظرية للثقافة العراقية، بوصفها وحدة متجانسة تاريخيّاً، كي يكون الرأي العام العراقي متوحّداً حول محمولاتها المعرفية ومضامينها السياسية والاجتماعية في الممارسة الثقافية النقدية .
2- الضرورة القصوى لإيجاد ( موسوعة الفولكلور العراقي) تؤرّخ وترصد كل ظواهر الحياة العراقية من منظورها الأنثروبولوجي الثقافي، تشمل كافة المكونات الثقافية للمجتمع العراقي. إذ ان هذا الجانب الثقافي العراقي قد أثار انتباه الدارسين وعلماء الفولكلور في العالم، فقد أشار عالم الفولكلور الإنجليزي المشهور السير جيمس فريزر في كتابه الشهير ( الغُصن الذهبي) ما يلي: ( الشرق حاضن الفولكلور، وحاضنه الأبعد العراق ) الأمر الذي يجد ضرورته المُلّحة بإيجاد ( موسوعة الفولكلور العراقي) حيث ان كل الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921م وحتى اليوم، لم يخطر ببال أيَّ وزارة ثقافة عراقية لأن ترعى مثل هذا الجانب بعناية فائقة، على الصعيد الأنثروبولوجي والساسيولوجي والأدب الشعبي، الأمر الذي فقد معه الكثير من أساسيّات هذا الفولكلور وحامليه. فقد اندثرت كثير من المعالم والعادات والتقاليد، ورحل الكثير من حاملي هذا الفولكلور من (قُصّاص وأصحاب نادرة، وشعراء شعبيّين وغيرهم ) ممّن احتفظوا بالكثير من هذه الموروثات، ولكن يدُ القدر أخذت منهم هذا التراث الغني ، أضف الى ذلك ( تعمُّد) المؤسسات الثقافية الحكومية العراقية، السالفة والحالية، ولم تكن في مستوى المسؤولية الثقافية والأخلاقية والوطنية لأن تولي هذا الجانب المقام الأسمى والأولوية المعرفية، نظراً لكونها تجهل قيمة هذا التراث الوطني الكبير والثَر، ومن هنا نلحظ عدم وجود لمثل هذه المنظورات الثقافية في كل مشاريع الحكومات العراقية المتعاقبة والحالية منها، وليس بوارد ذلك في عقليتها أو خططها التنموية الثقافية، ولذلك غاب الفولكلور العراقي وغابت قيمه، وقد استوجب الان من أن نفكّر بشكل علمي واقدام معرفي لجمع هذا الفولكلور وتدوينه، ومن المؤسفِ حقّاً أن لا نرى أو نشاهد في يومٍ ما أن يظهر على شاشات التلفزة والقنوات العراقية والفضائيات العربية وزيراً للثقافة العراقية يتحدث في مثلِ هذه الموضوعات، أو نشهد إقامة ندواتٍ ومحاضرات في وزارة الثقافة يُدعى لها المختصون في هذا التراث الشعبي، سوى أنّه كانت لدينا مجلة هامة اسمها ( التراث الشعبي ) وهي الوحيدة التي كانت تنشر في اعدادها بعض الموضوعات التراث الشعبية والفولكلورية في العالم العربي، وقد فقدت هذه المجلة وهجها المعرفي عندما جيّرها حزب البعث الفاشي الى منطلقاته النظرية العنصرية ذات الأفق الشوفيني المسدود، ثم جاء بعده ( نظام المحاصصة الطائفية ) ليقضي عليها بالكامل، الأمر الذي يتطلّب إعادة إصدارها تحت إشراف باحثين متخصّصين بالتراث الشعبي العراقي بأفقه الوطني العام .
3- ضرورة العمل الجاد والمضني لإصدار ( أطلس الفولكلور العراق ) كي يكون الوثيقة الجغرافية المصوّرة لانتشار هذا الفولكلور العراقي وفق تقسيماته الجغرافية .
4- ضرورة إحياء وإعادة إصدار ( المجلاّت المختصة ) بموضوعات التراث والثقافة من قُبيل : ( مجلة المورد العراقية) وإسناد تحريرها وإدارتها الى عقول ثقافية مُدركة لأهميتها الثقافية، وكوادر مختصّة في هذا الجانب، وضرورة ابعاد كل من له منظور طائفي – محاصصاتي عن إدارة تحريرها .
5- ضرورة ان يكون هناك ( مجلات مختصّة) في المسرح والسينما والفنون التشكيلية، يحرّرها مبدعون في هذه المجلات حصراً، بغية النهوض الثقافي العراقي، وإعادة الروح المعنوية فيه من منظور حداثوي يستجيب لكل المتغيرات الثقافية في العالم .
6- ضرورة ان يكون هناك ( مجلة فصلية لشؤون الفكر السياسي) بغية مواكبة العقل العراقي لكل المتغيرات السياسية في العالم وفي المحيط الإقليمي .
7- إعادة ترميم وفتح كل صالات العرض المسرحية وقاعات العرض الخاصة بالفنون التشكيلية، وإعادة إحياء ( الفرقة القومية للتراث والفنون والموسيقى ) وأن يكون هناك مختصين يشرفون عليها وتخليصها من أيدي الطائفيّين وأصحاب المحاصصة، وإعادة وهج الروح المبدعة في هذه المواقع والمؤسسات الثقافية.
سابعاً : الحُريّة الفكرية في التأليف والنشر: وهذا المنظور من الأهمية بمكان، يستوجب اطلاق العقل فيه من وازعٍ معرفي، يخضع فقط الى رقابة الضمير، بغية اطلاق العنان لكل المواهب الفكرية لأن تأخذ مداها الأبعد في الحرية الفكرية والانطلاق نحو عوالم الإبداع المتعددة . وأن يصدر قانوناً برلمانيّاً بهذا الخصوص ، يثبّت هذا الحق لكل مبدع عراقي .
ثامناً : الإعلام والتحريض الطائفي : هو الآفة التي خرّبت عقول أبناء العراق وغيرهم من البلدان العربية، وهو السرطان الذي أتت بهِ حكومات المحاصصات الطائفية التي جاءت تحت حراب الاحتلال الأمريكي، ومن ينفّذ أجندة هذا الاحتلال في الداخل العراقي ، حيث راح هذا الإعلام ينفخ بنار الطائفية والعداوة والبغضاء ، حتى اصبحت ( القنوات الفضائية ) إحدى الروافع الكُبرى والخطيرة لتأجيج هذا الإحتراب، الأمر الذي دفع بهذه الفضائيّات لأن تنزاح وتبتعد عن خطّها التنويري الثقافي، وأصبحت أداة خطرة لتفريق الشعب العراقي وغيره من الشعوب العربية، وأصبحت فعلاً ( أداة بلا ضمير ) الأمر الذي يذكّرنا بمقولة غوبلز – وزير الإعلام الهتلري النازي التي يقول فيها ( إعطني إعلاماً بلا ضمير، أعطيك شعباً بلا عقل ) .
وهذا التهريج الإعلامي الطائفي أصبح هو المسيطر في كل القنوات الإعلامية وكوادرها والمشتغلين فيها، الأمر الذي جعل من (الإعلام الوطني) في خبر كان، وراح هذا الإعلام يتناسى كل البرامج الثقافية والإخبارية في هذه الوسائل الإعلامية، وبدأت مثل هذه النفحات الطائفية تخترق بوضوح شبكة الإعلام العراقية، وتربّع على مجلس أمنائها وكادرها بعض الإعلاميين الغير كفوئين وناقصي الخبرة والثقافة، وهذا الأمر ناتج كون هؤلاء جاءوا عن طريق المحاصصة الطائفية، وهو أمرٌ خطير جداً، يستوجب أن تسلّط عليه أضوية الإصلاح بشكلٍ مركّز وكاشف، وضرورة أن يكون هناك كوادر واعية في هذه الشبكة، ترفض بشكل واضح هذا الانجرار الطائفي في كادرها، بوصفها تمثّل كل أطياف ومكونات الشعب العراقي الثقافية، مما يتطلّب أن تكون المسألة الوطنية في الإعلام فوق ايّ اعتبار آخر، طائفياً كان أو حزبيّاً، وأن تكون شبكة الإعلام العراقية موجّهة وفاعلة في إبراز جانب الثقافة الوطني، بكل مخرجاته وحواشيه وتفرعاته، ولذا يجب أن يكون هناك ( ميثاق شرفٍ وطني ) للإعلام العراقي، تسنده التشريعات القانونية الصادرة من البرلمان العراقي في الأمور التالية :
1- تجريم الإعلام الطائفي وغلق قنواته ومصادر تمويله، وفضحها علناً .
2- تخصيص لجنة متابعة إعلامية وطنية مهنية مختصّة بهذا الشأن، تراقب الإعلام الطائفي والعنصري بشكل دقيق ويومي، لترفع امره الى القضاء العراقي .
3- لجم أبواق الفتنة الطائفية ومراقبة الخطاب الديني بشكل دقيق في الجوامع والمساجد وبيوت العبادة الأخرى، لأن الخطورة تكمن هُنا، ومن خلال هذا الخطاب تم اختراق كل منظوماتنا الروحية والأخلاقية، وتناسينا قول الرسول الكريم ( إن الله يكره لكم القيل والقال ) .
4- ضرورة أن يكون هناك معهداً وطنياً للإعلام العراقي، تضع برامجه ومناهجه جهات أكاديمية مختصّة تؤمن بوحدة الشعب العراقي وتنمّي ثقافته الوطنية وتحافظ على أصالته وتاريخه .
5- ضرورة اهتمام شبكة الإعلام العراقية ووزارة الثقافة والتعليم العالي وغيرها من الوزارات بكل رجالات الثقافة والأدب والعلم والفلسفة، والأكاديميّين المبدعين منهم، وغيرهم ممن يعتنون ويهتمون في قضايا الثقافة العراقية، والذين مازالوا في المنفى وتسليط الضوء على نتاجهم الثقافي والإبداعي، والوقوف على منجزاتهم الثقافية، ومعرفة أسرار معاناتهم، وتهيئة الفرص والمحفّزات لهم للعودة الى أرض الوطن، وإسناد المهام الثقافية لهم .
6- إعادة النظر بكل المدراء للمراكز الثقافية ، في الداخل والخارج ، وإبعاد الطائفيين منهم عن هذه المسؤوليات الثقافية، لأن هذه المراكز الثقافية هي الوجه الحقيقي لثقافة البلد، وعلى هؤلاء المدراء تقع مسؤولية الربط الثقافي بين الجاليات في الخارج وحضن الوطن، وضرورة أن تُسند إدارة نشاط هذه المراكز الى المبدعين حصراً، ومن المشهود لهم في مناحي الإبداع الثقافي، بحيث يكون(مدير المركز الثقافي ) يكون لديه مجموعة من كتب الإبداع وشؤون الثقافة – 5 مؤلّفات على الأقل ) في مجال اختصاصه، وأن يكون بعيداً عن كل ماله شأن طائفي .
7- ترتبط هذه المراكز الثقافية بالمجلس العراقي الأعلى للثقافة والفنون والآداب .
8- تلتزم وزارة الثقافة وشبكة الإعلام العراقية إلزاماً قانونيّاً بطبع مؤلّفات كل المثقفين العراقيّين، الذين احترفوا الكتابة الإبداعية، وكانوا أعضاءً في النقابات الثقافية العراقية كاتحاد الأدباء في العراق ونقابة الصحفيّين وغيرها من المنظمات الثقافية، وكذلك الاتحادات الدولية والإقليمية .
9- ضرورة إيجاد ( جائزة الدولة للإبداع العراقي ) تمنح سنويّاً للمثقّف العراقي الذي تميّز نشاطه بالفرادة والإبداع في مختلف نواحي الثقافة، وان يُشرّع بذلك ( قانوناً ) يقرّه البرلمان العراقي، ضمن ضوابط وشروط إبداعية معيّنة، تُحدّدها لجنة مختصّة من النقّاد والأكاديميّين في مختلف مجالات الثقافة ، كجائزة الدولة للبحوث والدراسات الإنسانية والإبداعية والفلسفية ومختلف فنون الأدب من رواية وقصة وشعر ونقد وغيرها من الأمور الثقافية الأخرى .
10- يشرّع قانون التقاعد الثقافي والضمان الصحّي والعيش الكريم، لكل المبدعين العراقيّين ، في الداخل والخارج، ضمن ضوابط وشروط يضعها المجلس الأعلى العراقي للثقافة والفنون بالتعاون مع اللجنة الثقافية في مجلس النواب العراقي .
11- ضرورة تفعيل التعاون الثقافي بين كل مؤسسات الدولة ذات الاختصاص الثقافي مع اتحاد الأدباء في العراق، ونقابة الصحفيين العراقية ، لإيجاد مناخ تفاعلي بين الجميع يخدم الثقافة العراقية .
12- إعادة الاعتبار لكل رموز الثقافة العراقية، ونصب التماثيل للمبدعين الكبار، وتسمية بعض القاعات الثقافية وصالات العرض بأسمائهم .
13- إيجاد ( مجمعات سكنية وبيوت ) لهؤلاء الكتّاب والمثقفين، تتولى الدولة منحها لهم في أماكن هادئة، وخارج ضجيج وصخب المدن، على أن تتولى الدولة تسديد 50% من كلفة البناء ويتولى الكاتب بقية المبلغ وفق أقساط شهرية محددة .
14- أن يجري تخفيض بطاقات السفر على الخوط العراقية لهؤلاء الكتاب بنسبة 50% ، كما هو جارٍ في أغلب بلدان العالم .
وسوم: العدد 629