زيارة ظريف إلى دمشق و بيروت : رسائل إيرانية
تواصل طهران اليوم جهودها السابقة القائمة علی الاستمرار في سياسة التدخل وبث الفوضى في المنطقة من خلال الزعم بسعيها لتمتین العلاقات مع دول العالم عبر شرح ثمار وبركات الإتفاق النووی الإیرانی وأهمیة نتائجه علی المنطقة أولا وکیف یمکن الإستفادة منه فی مواجهة التحدیات والفوضى التي تواجه المنطقة ثانیاً، والسعي إلى محاولة بناء منظومة إقلیمیة متحدة لمحاربة ما يسميه ملالي طهران بالإرهاب ثالثاً، وكذالك التمهید لإیجاد حلول للملفات الإقلیمیة لا سیما فی العراق ، لبنان ، الیمن وسوریا رابعاً.
فی عرض مبسط لمجموعة الرسائل التی تحملها زیارة ظريف إلى بيروت ودمشق نقف لنعرض مجموعة من النقاط:
زیارة جواد ظریف لبیروت ومن بعدها دمشق لها أهمیتها الإستراتيجية الخاصة بالنسبة للدور التدخلي السلبي لإيران في المنطقة ، وذلك لعدة أسباب ،وعلی رأسها مبادرة حل الأزمة السوریة، فقد عقد منذ أیام قليلة اجتماع فی طهران جمع کلاً من ظریف ونظیریه السوری والروسی لبحث المبادرة الإیرانیة ومناقشتها، هذه المبادرة والتی ترتکز علی وقف اطلاق النار، وتشکیل حکومة وحدة وصفتها طهران بالوطنیة الموسعة والانتقالیة التي تنسجم مع اتفاق جنیف الأول ،علی أن تدرس الحکومة الإصلاحات الدستوریة، وتضع خریطة طریق لاصلاحها ،یلی ذلک انتخابات تشریعیة فرئاسیة فی مهلة ثلاث سنوات ، والهدف النهائي حسب ما تريده طهران هو مواجهة الدور المتنامي للتيارات التكفيرية ، ووضع حد لها ، مع ضمان بقاء النظام السوري الدموي بتكوينه السياسي والفكري والبنائي . اذن ظریف فی هذه الزیارة سیُطلع الوكلاء التابعين لإيران ، علی أسس هذه المبادرة ومناقشتها معهم ،باعتبار أن نجاح هذه المبادرة سینعکس علی لبنان ایجابیاً. وبعدها سیجری نقاش هذه المبادرة فی دمشق وبحث سبل تطبیقها وامکانیة ذلک وإجراء التعدیلات علیها وفق الرؤیة التي تنسجم مع رؤية نظام بشار الأسد ، وتعديل الإستراتيجيات التي تنسجم مع محاولات النظام اليائسة لوقف انتصارات المعارضة . کما من المتوقع أن یتطرق الحدیث إلی الأزمات التی تشهدها المنطقة فی کل من العراق والیمن، وسبل توظيف حزب الله لأدوار تخريبية جديدة ، والإستعداد للقيام بمهمات جديدة من خلال مداخل الأزمات الإقليمية ، تحت بند محاربة الإرهاب السلفي التكفيري . کما سیکون للزیارة مساحتها الأساس بالتأکید علی الاستقرار السیاسی فی المنطقة الناتج عن هذه التحركات الإيرانية المشبوهة ، والتأکید علی أن مبدأ زيادة مستوى التنسيق بين محور ما يعرف بالممانعة ، هو طریق الحل الصحیح والسلیم لکل مشاکل المنطقة برمتها .
تُعبر الزیارة عن تأکید ایرانی للمواقف السابقة برؤية ایران علی أی مبادرة تخص الشأن اللبنانی کالفرنسیة الأخیرة وغیرها يجب أن تمر عبر بوابة طهران أولاً ، مع التزامها بموقفها من أن الملف الرئاسی کما باقی الملفات هو شأن إيراني، وليس داخلی لبنانی ،إذ لا یمکن للأطراف اللبنانیة أن تحله بالتفاوض فیما بینها ،وبحسب المصلحة الوطنیة من دون ربط هذا الإستحقاق بإیران التي تريد تفصيل الحل وفق المقاس والمصلحة الإيرانية ، فدول وشعوب المنطقة بالمنظور الایرانی لا تتمتع بالنضج والقدرة علی حل مشاکلها بذاتها، ولا یمکن أن تقوم بذلک عبر التفاوض بين مكوناتها السياسية ، فهذا غير مسموح به على الاطلاق ، فإلوصفة السحرية الإیرانية هي دوماً الحاضرة وبقوة للإسهام فی إيجاد الحلول ، وتقديم المبادرات القابلة للتطبيق ، وإلا نسفت إيران كل الجهود ، ودخلت في معركة كسر عظم ضد كل من يحاول سحب البساط من تحتها .
المثير للسخرية أن الحلول السحرية الإيرانية قد إنسحبت على الاستعداد الإيراني لحل مشكلات لبنان المتفاقمة ، بما فيها مشكلة المحاصصة لحل مشكلة النفایات التي يعاني منها لبنان منذ قرابة شهرين ، و أكدت تباعاً عن إستعدادها لتقريب وجهات النظر بین کافة الأفرقاء في هذا الموضوع .
تأتی زیارة ظريف أیضاً بعد الإتفاق النووی لتعيد التأکید الإيراني علی أن مواقفها المبدئیة ثابتة تجاه المنطقة ، والسعي لدعم محور ما يسمى المقاومةبكافة السبل ، فخلافاً للشائعات التی تُروج من أن الإتفاق النووی من شأنه أن یؤثر علی دعم ایران لمحور المقاومة ، تأتی زیارة المسئول الإيراني لتؤکد علی أن الدعم سیُعزّز لهذا المحور الذی تری فیه ایران نفسها جزءا لا یتجزأ منه، وهذا ما کان قد أکده ظریف ایضا فی حدیث له من أن بلاده ستواصل تقدیم کافة انواع الدعم لحلفائها فی المنطقة بما فیها القدرات الدفاعیة، فالمقاومة فی لبنان وجارتها سوریا فی المفهوم الایرانی هو خط أحمر من جهة ،وهو جبهة للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني من جهة ثانیة، فحق الشعوب بالمنظور الایرانی بالمقاومة والتصدی ليس لإسرائيل التي إختفت بقدرة قادر من الاعلام الإيراني مرة واحدة ، بل إنسحب إلى الجماعات التکفیریة ، وباتت تتصدر لائحة الدبلوماسية الإقليمية والدولية الإيرانية .
وبحسب المعلومات والتقاریر الواردة ، فقد بشرتنا طهران ، بأن ادارة واشنطن وعواصم صنع القرار في أوروبا أصبحت مقتنعة أکثر من أي وقت مضى بمبدأ توسیع الشراکة مع إيران فی محاربة الارهاب، وتم إعطائها تفویضاً مع حلفائها فی التحرک لبناء التحالف الجدید ضد الحركات التكفيرية ، والسعي لأن يکون نظام بشار الأسد شریکاً صریحاً فی هذا التحالف. كذلك نجحت طهران مؤخراً في بناء رؤية مشتركة مع موسکو لتعزیز دورها لاستبدال استراتیجیة التحالف الجوی الذی قادته واشنطن ضد «داعش» فی العراق وسوریا ؛ باستراتیجیة جدیدة ترتکز علی تحالف اقلیمی على الأرض تتزعمه طهران ، ووكلائها لمحاربة الارهاب التكفيري ” السني” في المنطقة ، مقابل الحصول على تفويض دولي بقيادة الإقليم ، وفق ما ينسجم مع الطموحات والمشاريع الإيرانية .
الحقيقة أن المسرح الاقلیمی والدولی بدأ یشهد الیوم المزيد من الحراک الإيراني من أجل وضع خارطة طریق لهندسة التحركات الإيرانية التخريبية في المنطقة من خلال مداخل الأزمات فی سوریا والیمن والعراق، و من السذاجة الاعتقاد بأن هذه التحركات تتم باندفاع ذاتي إيراني فقط ، بل بغطاء ودعم أميركي غربي ، ناهیک عن النظرة الإيرانية لکیفیة محاربة الارهاب والتنظیمات التكفيرية ستترك مهمة التعاطي معها وفقاً للاجتهاد الدموي الإيراني ،بعد أن نجحت طهران في التسويق لفکرة فشل استراتیجیة القصف الجوی لدول التحالف الاقلیمی والدولی لمحاربة هذه التظيمات ، حيث لم تحقق أی نتیجة علی الارض.
النتيجة أن إيران باتت ترى نفسها اليوم تتقدم علی الدول العظمى فی الحراک المباشر مع حلفائها الإقليميين لبلورة رؤية وخطة واضحة لمحاربة ما أصطلح عليه بالإرهاب التكفيري ، وأن ساعة التحرك قد دقت كي تتحرك طهران في مشروعها ، مسثمرة نتائج الاتفاق النووي مع الغرب .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 629