ليسقط الدُعُش والتدعش
لا نقصد بالدعش ولا بالمتدعشين في هذا المقال ما يطلق عليه في وسائل الإعلام ( تنظيم الدولة ...) ، لا بأشخاصهم ولا بهيئتهم الاعتبارية التي تجمعهم ؛ وإنما المقصود ذلك الذي لحظه واضع المصطلح الأول ، حين نحت تسمية من كلمات ( دولة – عراق – شام ) وأطلقها على نهج من التفكير والسلوك ، فلقيت القبول والرواج والسيرورة على ألسنة الناس . ليدخل المصطلح المعجم السياسي العالمي ، فيرد في نشرات الأخبار وتتناوله الوكالات والصحف والمقالات بالتحليل والتنويه . ووظف قوم اللقب على ما يريدون مع أن حقيقته في بعض ما يأفكون ويصنعون .
إن غرض هذا المقال أن يفصل بين المصطلح والأشخاص ، وأن يربط بينه وبين الأفكار والمناهج والأفعال لنكتشف في لحظة أن الكثير من أصحاب الياقات البيض ، والوجوه الحليقة بجيليت ثري ، أو من المتجردات من برقع وخمار أو من رداء وبعض إزار هم وهن متدعشون ومتدعشات أيضا وبامتياز كبير .
إن المقصود العام للمصطلح كما نلمحه هو توصيف منهج اختلالي تتلبس به السياسات والقائمون عليها فتتخبط على غير هدى ، على حد قول من قال : ( يريد أن يعربه فيعجمه ..) . نلتمس في التدعش: احتكارا للإيمان و وللعقل والعلم والفضيلة ، كما نلتمس ظاهرية حرفية في الفهم شديدة التبسيط والمباشرة و الضيق والابتسار ، ونتابع ثالثا تناقضا شديدا بين الفكر والقول والفعل حتى لا تكاد ترسو مع المتدعشين على بر . وأبرز مجالي التدعش في هذا الظرف أن تسمع مسؤولا أمريكيا يتحدث عن : الحرية أو الديمقراطية أو حتى عن حقوق الإنسان !!
نلحظ التدعش في أصحابه ؛ عند بعضهم على طريق التخبط والضلال وضبابية الرؤية وتشوشها وفقدان البوصلة ، وانعدام القدرة على معرفة نجم القطب الذي يهتدي به الناس في ظلمات البر والبحر . ونلحظه عند آخرين على طريق مَن غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما ، كما هو حاله في التدعش الأسدي والصفوي والأمريكي أيضا ...
التدعش عنوان منهج ، وليس حكرا على أشخاص . وربما يكون لكثير من بني الإنسان من هذه الحالة نصيب . حالة تغلب على قوم عمليا فيتدافعها المنغمسون فيها ويلصقها كل قوم بالآخرين . وربما بدا أنه يكسب المعركة من كان لسانه أسلط وماكينة إعلامه أضخم ، وسبقه إلى عقول الناس وقلوبهم أقرب . يريد هذا المقال أن يقول للجميع حظكم من التدعش لا يجوز أن تنسوه وأنتم ترددون : يسقط التدعش والداعشيون......
والتدعش ليس فكرا فقط وإنما هو شعور وسلوك وموقف.
ومنذ انبلج فجر الثورة السورية المباركة ، وكادت شمس نصرها أن تسطع ، نُصبت لها الشباك ، وسبقت إليها رعونات أهل الطيش ، وتصدى لطريقها جرأة أهل العرامة والجهل ، وتآلب على أمرها قوى من أهل العجز لا يقدرون على شيء مما كسبوا . ثم كرت فئة ثالثة من أهل التدعش من يمين وشمال على هذه الثورة وثوارها بخنجر الظهر ، لتحرف المسار ، وتجر الجرائر ، وتستثير العدو ، وتعطي الذرائع وتغطي على الجرائم الجماعية الكبرى بارتكاب بشاعات فردية ، تجاهر وتفاخر بها ، وتتبعها بكل ضروب الحماقات لتحويل البوصلة الإنسانية والسياسة الدولية والإقليمية عمن قتل مئات الألوف ، وانتهك أعراض آلاف الحرائر ، ودمر المدن إلى تقديم أفلام استعراضية هوليودية لا تنكي في عدو ، ولا تدفع عن دم ولا عن عرض فكانوا الوبال على الثورة ومشروعها وحاضرها ومستقبلها بما قدموا للمجرم الأصلي من غطاء ووطاء ، وبما قدموا للعالم المتدعش أصلا ضد الثورة من ذرائع ...
إن إدراكنا لحقيقة أن هذا ( المفهوم ) المعجون أصلا بماء الجهل ، والمستنبت في تربة أكثر من محضن داعشي شرير ، ثم معرفتنا بحقيقة الدور الذي يؤديه هذا المزيج المشاكس المتنافر من غير دخول منا في نوايا أحد ، يجب أن يشكل القاعدة الأساسية للفهم والتفسير ثم التقدير والتدبير ..
ومن متابعتنا الميدانية الدقيقة للنتائج المباشرة للأداء المشبوه ، ومن معرفتنا اليقينية بالصيرورة النهائية ، لمشروع عدمي ماضوي ، بعد اكتمال الدور الوظيفي ، في تفتيت مواقف الثوار ، وخذلانهم ، والانقضاض عليهم من خلفهم ، وجعلهم أولويته في حربه على الثورة ومشروعها ، ومهادنة قوات الطغاة ، ومواقعهم ، ومن متابعتنا لعديد ما وقع من غدر وفجور وقتل لأبرياء بدعاوى هي للجاهلية أقرب وإن حملت عناوين الإسلام ، وما تم اغتياله من ثوار وقادة وقيادات كل أولئك ؛ يجعلنا نجزم بلا شك أن هؤلاء الأخلاط من الأشرار في موقفهم الكلي ، وأدائهم العام ، وأساليبهم وطرائقهم وأدواتهم هم أعداء هذه الأمة وشعوبها وعقيدتها وثقافتها وحاضرها ومستقبلها . وهم في خانة العداء لشعب سورية المسلم ولثورته المباركة ولمشروعه الإسلامي الوطني الأصيل . و أن هؤلاء الأخلاط هم من العدو الذي يجب علينا أن نحذره ، ونجانبه ، وإن اضطررنا أن نرد صياله بما يرتد به . وأنه لم يعد يصلح بحال مهادنته أو إمساك العصا معه من وسط ، أو التلوم عليه ، أو الرجاء فيه ، أو الدفاع عن جرائمه وجرائره ولو بالصمت الذي يتدارى خلفه البعض اليوم لواذا ..
لقد قلنا مرارا إن رفضنا لعقيدة التدعش ولفكره ولمنهجه ولسلوكه ولمخرجاته وطموحاته لا ينطلق من خلفية دولية أو إقليمية أو تنافسية على شر نأبى أن نكون من الوالغين فيه .
إن رفضنا لهذا المنهج ينبع من فقه إسلامي ، ورؤية شرعية ، ومنهج وسطي مستقبلي لا يغرق أبدا في أحقاد التاريخ ، كما يفعل الأمريكي والأوربي والصفوي ، ولا في نماذج الماضي مهما بدت زاهية كما يفعل الذين تغلبهم على عقولهم حمى الحنين إلى الماضي وما كان فيه..
وإنه لمما يثير قلقنا أكثر أن نجد من حولنا قوى عالمية وإقليمية ومحلية ما تزال غارقة في التدعش والغة فيه . وأن منطلقات هؤلاء وعقولهم وأفكارهم وسياساتهم ومواقفهم وأساليبهم هي أكثر تدعشا من المتدعشين أنفسهم .
اللهم إنا نعوذ بك من عقد المتدعشين جميعهم ومن نفثهم وشرورهم وآثامهم وبغيهم ومكرهم وكيدهم وكل ما أرادوه ويريدونه بدينك ودعوتك وعبادك في سورية والعراق من شر ومن سوء ...
اللهم من كاد لهذه الثورة المباركة ، ولمشروعها وللقائمين عليها فكده ومن أراد بهم شرا وسوء ومكرا فخذه أخذ عزيز مقتدر ...
اللهم إنا مغلوبون فانتصر ..
وسوم: العدد 631