إعادة ترتيب المشهد الإعلامي: موسى وعكاشة وقناة «صدى البلد»!
بظهور «توفيق عكاشة»، مع «أحمد موسى»، على فضائية رجل الأعمال «محمد أبو العينين»، «صدى البلد»، فإن المسرح الفضائي يكون قد جرى إعادة ترتيبه، كما جرى ترتيب المشهد الإعلامي بشكل عام، بفرم جريدة «صوت الأمة»، ووقف طباعة جريدة «المصريون»، وإذا كان رجل الأعمال «أحمد بهجت» صاحب قناة «دريم» لا يزال مستمراً في المناورة من خلال جريدته «الصباح»، فقد تدخل جهاز الأمن المختص ورفع مقالاً من الصحيفة يرسم الخطوات اللازمة لتصبح «طفل الرئيس»، وكان رفع المقال وتعطيل الطباعة رسالة لا تخطئ العين دلالتها، فقد صارت هناك سلطة قوية، منبت الصلة بثورة يناير!
حزب «الوفاق القومي»، هو من الأحزاب الناصرية الخمسة، التي كان «عشمها» في عبد الفتاح السيسي فوق الوصف، إذ تصورت أنه سيعزل مرسي ويسلم السلطة للناصري «حمدين صباحي»، فلما طمع فيها، لم يفقدوا الأمل فيه، فهو فيه من «رائحة الحبايب» ومن «عظم التربة»، ويجدد شباب المرحلة التي خاض قائدها المعركة نفسها التي خاضها عبد الناصر، ضد الخصم المشترك وهو جماعة الإخوان المسلمين. وهما ينتميان لـ «بيت الوطنية» المصرية وهو الجيش، والاصطلاح لعبد الحليم قنديل، مع أن مبارك كان ينتمي للمؤسسة ذاتها ولم يمنع هذا «قنديل» من أن يقول له إني أتقيؤك، ولم يكن الانتماء لذات المؤسسة دافعاً من أن يقول له «اسمح لي أن أتقيؤك»!
رئيس حزب «الوفاق القومي»، هو المحامي «محمد محمود رفعت»، وهو «زميل الميدان» في ثورة يناير/كانون الثاني، أيام أن كنا نفترش الأرض في «التحرير»، وكان نصف رغيف وقطعة جبن، يوزعها فاعل خير فقير من القرى القريبة، تبدو طعاماً شهياً لذة للجائعين، وقد أغلقت المحلات والمطاعم أبوابها، ولم نسمع عن وجبات الكباب التي قال رجال أعمال بعينهم إنهم كانوا يوزعونها إلا بعد سقوط مبارك.
شارك «رفعت» في ثورة يناير، على خلاف رئيس الحزب العربي الناصري سامح عاشور، الذي قال منذ اليوم الأول إن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين إليها، وأن مبارك خط أحمر، وإن لم يمنعه هذا من أن يأتي للميدان متفرجاً!
ولم يكن حزب «الوفاق»، كحزب «الكرامة» الناصري أيضاً بزعامة حمدين صباحي الذي خاض الانتخابات البرلمانية على قوائم «الحرية والعدالة» حزب الإخوان المسلمين!
المشاركة في الثورة المضادة
لكن الأحزاب الناصرية الخمسة، اجتمعت على قلب حزب واحد، وشاركت في الثورة المضادة في 30 يونيو، واستمرت في تأييدها لعبد الفتاح السيسي إلى الآن، واجتمعت مرة ثانية على منحه «التفويض» لكي يواجه «الإرهاب المحتمل»، وأظنها توحدت على فض اعتصامي «رابعة» و» النهضة»، بالطريقة التي أرقت الضمير الإنساني.
ورغم هذا، فقد أعلن «رفعت» أنه للمرة الرابعة، التي يتلقى فيها دعوة للمشاركة في برامج تلفزيونية في هذا الشهر، ثم يتلقى اعتذاراً لأنه جرى استبعاده «بأوامر أمنية»!
قبل كتابة هذه السطور، حاولت الاتصال برئيس حزب «الوفاق» للوقوف على أسماء القنوات التي دُعي إليها، لكي أقف على حدود الرقابة الأمنية، وهل دعوته في المرات الأربع كانت لبرامج في التلفزيون المصري، أما في امتداداته حيث الفضائيات الخاصة، المملوكة لرجال أعمال يعملون في بلاط السلطة الجديدة، وإن كان بعضهم تصور في وقت من الأوقات أنه شريك في الانقلاب، فقد حرصت رسائل عبد الفتاح السيسي له إلى التأكيد على أن شعاره «أنا كالفريك لا أحب شريك»!
لقد صار الإعلام ملفاً أمنياً، وفي الواقع أن مصر كلها عادت لتكون ملفاً أمنياً، وجرى التخلص من كل الإعلاميين، الذين يملكون استقلالاً مهنياً، ولو في الحد الأدنى، أو كل من كانت له علاقة، ولو بالحب عن بعد، لثورة يناير، وجرى تهميش المتحولين، الذين أيدوا ثورة يناير بعد سقوط مبارك، فحتى «لميس الحديدي»، تركت السياسة وانشغلت بإعادة اكتشاف المناطق الأثرية بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي!
«منى الشاذلي»، فهمت المرحلة وعلمت أن دموعها التي سكبتها على «مبارك» لن تشفع لها، فانشغلت بتقديم برنامج بارد، مع نجوم الفن، كان فرصة لأن نقف من خلاله على أنها ليست «قعيدة»، فلم تكن تظهر واقفة في برنامج «العاشرة مساء»، لكنها الآن تظهر واقفة، وهذا هو «النيولوك الجديد» لبرنامجها: واقفة بدلاً من قاعدة!
ومبكراً، طُويت صفحة «يسري فودة» صاحب مقولة «طول ما الدم المصري رخيص.. يسقط يسقط أي رئيس»، وهو الشعار الذي أطلقه في عهد الرئيس محمد مرسي، والآن وقد صار الدم للركب، فلحسن حظ «فودة» فقد جرى إبعاده عن الشاشة!
إيقاف ريم ماجد
وكانت «ريم ماجد» هي الأذكى حيث قرأت المشهد مبكراً، فقد ساهمت في حملة إسقاط الرئيس محمد مرسي، وعندما وقع الانقلاب كانت على يقين بأنه لن يُسمح لها بشطر كلمة خارج النص المكتوب، فاعتزلت، فلما طال عليها الأمد، خانها ذكاؤها وظنت أنه يمكن لها أن تعود من خلال برنامج مشترك بين «أون تي في» مع قناة دولية يحمل اسم «جمع مؤنث سالم»، وإذا كان الكتاب يُقرأ من عنوانه، فإن البرنامج كما هو واضح هو في الشأن النسائي، ولا يمثل من يتبنوا القضايا النسائية خطراً على السلطة، فالدفاع عن حقوق المرأة يدخل في باب النضال المريح في كل الديكتاتوريات!
إدارة القناة ومن باب الحفاظ على هيبة صاحبها «نجيب ساويرس»، الذي يقدم نفسه على أنه شريك في الحكم، أرجعت عدم إذاعة البرنامج إلى عدم جمع الإعلانات الكافية التي تغطي إنتاجه، لكن «ريم» قالت في اتصال مع «محمود سعد» في برنامجه على قناة «النهار»: «إن جهات سيادية هي من منعت عرض البرنامج، وصاية وتعاليا على الشعب».
ولم تذكر اسم هذه الجهات، لأن الجميع يتحدث عنها دون أن نعرفها وكأنها «اللهو الخفي»، فهي التي تقوم بالرقابة على الصحف، وهي التي تتخذ قرارات الفرم والرفع لمقالات وأخبار وموضوعات ترى ضرورة رفعها، حتى وإن كانت تقربا للسيسي مثل تقرير «أحزان الرئيس» الذي كان سبباً في «فرم» «عدد صوت الأمة»، والذي يتحدث عن السيسي وحزنه على والدته المريضة قبل وفاتها!
في استوديو «الجزيرة مباشر»، وقد كنت مشاركاً في فقرة عن الرقابة على الصحف، أسعدني أن يكون ضيفاً على الهاتف الزميل «جمال سلطان»، رئيس تحرير «المصريون» وصاحب المقال الذي تدخلت الجهة إياها ورفعته!
كنت شغوفاً بمعرفة اسم هذه الجهة، وسأل المذيع «سلطان» عن هذه الجهة فلف ودار حول السؤال دون ذكر اسمها، وأخشى بسبب بعدي عن الوطن أن أفقد العلم بتفاصيل الأمور في بلدي! على أيامنا كانت مثل هذه الإشارات تفهم بالنسبة للمهتمين، فعندما يقال ابن مسؤول كبير فإن هذا المسؤول هو شخص واحد اسمه حسني مبارك. وعندما يكتب «جهة أمنية» فهي جهاز مباحث أمن الدولة، وعندما يقال «جهة سيادية» فإن الاصطلاح يشير إلى المخابرات العامة!
ما علينا، فلم يكن اعتراض «الجهات السيادية» على المحتوى في برنامج «جمع مؤنث سالم» وإنما على مقدمته، فلا يجوز لها أن تختفي بإرادتها وأن تظهر بإرادتها، وكان اعتزالها في السابق دلالته معروفة، فليس لها أن تتخذ قرار العودة من تلقاء نفسها، فهناك «جهات سيادية» حاكمة، توشك أن تصدر أحكامها على الأجنة في بطون أمهاتها!
والحال كذلك، فقد حلت لعنة «الجهات السيادية» على «ريم ماجد»، بعد مداخلتها مع «محمود سعد»، وكان القرار هو وقف البرنامج تماماً، والاستغناء عن خدماتها كلية في قناة «أون تي في»، وإذ كان من الواضح أن مدير القناة المقرب من «نجيب ساويرس»، «ألبرت شفيق» يدعمها فقد كانت الضغوط، بأن يغادر القناة أيضاً، وهو من ثقة «ساويرس» فيه فإن البعض قال إن هذا ليس له إلا معنى واحد وهو أنه قرر إغلاق القناة، ولم يكونوا يعلمون بأمر تعليمات «الجهات السيادية»، التي صارت تحكم مصر الآن، جعل الله كلامنا خفيفاً عليها كريش النعام!
التمام العسكري
إنها تُذكر مرة بـ «الجهات السيادية» ومرة بـ «الجهات الأمنية»، لكنها في النهاية هي تدير المنظومة الإعلامية والسياسية في مصر الآن وفق القواعد التي وضعها السيسي والذي لا يحب تعدد الولاءات، وهذا التعدد هو القاعدة، فلم يعد كافياً أن تؤيد الانقلاب وتلعن الإخوان دبر كل صلاة، لكن لا بد أن يكون «تمامك العسكري» لدى شخص الحاكم!
بعض الإعلاميين مع الإنقلاب لكن هم في الأصل من رجال «أحمد شفيق»، وبعضهم «تمامه» لدى دولة معروفة في المنطقة، وبعضهم مع انحيازه للسيسي فإنه ينحاز لثورة يناير، ويرى أن السيسي هو خير من يمثلها، لكن الرجل يعلم في قرارة نفسه أنه ممثل الثورة المضادة وولاؤه بالكامل لحسني مبارك.
ومن شاركوا في الثورة والثورة المضادة هم من يدفعون الثمن الآن، ويبدون في ذهول عندما يكتشفون أنهم بالقرارات الأمنية يعاملون كما لو كانوا من أعداء النظام الجديد، ويسألون عن السبب؟! ولا يعرفون أن النظام الذي شاركوا في تأسيسه هو عدو ليناير بكل تفاصيلها ومكوناتها، وأنهم سيدفعون ثمن مشاركتهم فيها وانحيازهم لها، ولو هاجموا الإخوان ودافعوا عن السيسي بالروح وبالدم!
وفي هذه الأجواء فإن دولة السيسي الإعلامية أبرزها لقاء «أحمد موسى» مع «توفيق عكاشة» في قناة «صدى البلد»، قد يشطح أحدهما فيتصور أنه شريك في الحكم فيحتاج لقرصة أذن ترده لجادة الصواب. لكن يظلا هما رجاله، الذين لا يتوليان فقط الدفاع عنه ولكن في استمرارهم في شيطنة يناير!
ويا رفاق الميدان سابقاً، الاستبداد كأس ودائر، فاشربوا نصيبكم منه حتى الثمالة!
وسوم: العدد 631