الفرق بين موطني وموتني !
كبير هو الفرق بين من عمل ونادى وصرخ من أجل الوطن، وقدم في سبيل رفعته ابنه شهيدا وشقيقه معتقلا واخته أصبحت أرملة شهيد، وابيضت عين أمه من الحزن على بنيها الذين توزعوا على السجون، وبين ذلك الذي يلبس (كرافه) ويجلس خلف مكتب دائري وجهاز المكيف لا يتوقف صيف شتاء، ويضع (السوجار) على مكتبه من أفخر الأنواع والماركات.
كبير هو الفرق بين فلسطيني نجحت ابنته في الثانويه العامه وزغرد وفرح وحضر الناس ليهنوه فقدم لهم (بسكوت علي بابا) وصنع لهم الشراب المركز، ووقف يستقبل المهنئين وقلبه يرقص فرحا، ومن ثم ذهب يستدين قسط طفلته الناجحه ليؤمن لها حياة كريمة، ويضمن لها مكانا متقدما تخدم خلالها نفسها ووطنها، وبين ذلك الذي نجح ابنه بمعدل 50% وضجت المنطقة من أصوات المفرقعات والألعاب النارية، وقدم أفخر أنواع الحلويات ونزلت له التهاني في صفحة الاجتماعيات في الصحف اليومية، وضمن لابنه منحة في إحدى الدول بتخصص مميز .
كبير هو الفرق بين طالب جامعي تخرج من الجامعه بعد معاناة شديدة تجرعتها عائلته لتوفير مصاريف وأقساط الجامعة، وتخرج بتفوق وفرح الجميع بتخرجه لا يجد فرصة عمل لأن والده البسيط لا يملك واسطة لتعيينه، أو كونه ينتمي أوتنتمي عائلته لعائلة محسوبه على المعارضه، وبين ذلك الذي تخرج بعد سنوات طويلة من دولة أجنبية وحضر ليجد الوظيفة بانتظاره كونه يملك الواسطة ووالده صاحب نفوذ وهو ممن يقولون له في البلد (الكبير).
كبير هو الفرق بين من يبيع على بسطه (بقدونس) يستيقظ الفجر وينزل للسوق يهلل ويدعو الله التوفيق ويسأله الرزق الحلال، ويبدأ يومه بتقليب (البقدونس) وتنقيته من الورق الأصفر ورشه بالماء وعيونه تتوجه لآخر النهار، ليجمع الغله ويذهب للسوق لشراء بعض الحاجيات ويدخل السعادة على أسرته التي ودعته فجرا وهي تدعو له بالرزق والتوفيق، وبين ذلك الذي لا يذهب لمكتبه إلا بعد الساعة العاشرة ليجد فنجان القهوة على مكتبه يقف له الجميع أثناء دخوله، يتصفح الجريدة ويجري من هاتف العمل بعض الإتصالات ويصرخ على بعض الأفراد ومن ثم يحدد موعد غداء في أحد المطاعم، ويصل منزله آخر النهاء منهك من العمل وخدمته للوطن، ويقول: "البلد بدها تعب" .
الفرق كبير بين مجموعة شباب قررت تنظيم مسيرة لدعم الأسرى أو الأقصى وخرجت تصرخ بحناجرها بالروح بالدم نفيدك يا أقصى، فهاجمهم جيش المحتل وأطلق عليهم الغاز المسيل للدموع فأصاب زيد برصاصة في القدم، بينما كان معتصم يصرخ من غاز الفلفل وإصابة عينه برصاص مطاطي، وكان خالد قد وقع بين يدي القوات الخاصة التي أوسعته ضربا ومن ثم اقتادته للسجن، وبين مجموعة من الشباب رقصوا فرحا لوصول فنان مصري كبير أتى ليغني في إحدى مدن الوطن عن العشق والغرام، ليعزز صمود الفلسطيني على أرضه .
الفرق كبير بين مرابطة تخرج من ساعات الصباح تلف بوابات المسجد الأقصى تحتك مع الجنود، وتصرخ في وجه المحتل "لن تهزم أمة قائدها محمد"، وبين تلك التي يتفق الجميع على انتهاء صلاحيتها، ناهيك عن منظرها البشع تقف تتحدث عن ضرورة الشراكه وعن دورها النضالي البارز في عقد المؤتمرات المنادية بحرية المرأة ونظام "الكوته" .
هذه مجموعة من الفروق في وطن صغير محتل يعيش حالتين تظهره الأمثلة السالفة الذكر، يردد بعضهم كلمة موطني بدم وعرق وكد وتعب، وأخرون يتحدثون عن "موتني" بوساطة وبدون تعب وعلى أكتاف الفقراء، عاش الوطن والمواطن ومات "الموتن" و"المواتن".
وسوم: العدد 633