الحج قديما و حديثا ...
للحج آداب عظيمة وأخلاق قويمة يحسن بالحاج أن يلتزم بها ليكون حجه كاملاً مبروراً وسعيه مقبولاً مشكوراً، ومن تلك الآداب والأخلاق
* حُسن العشرة للأصحاب، ومن ذلك أن يقوم الإنسان على خدمتهم بلا منة ولا تباطؤ, وأن يشكرهم إذا قاموا بالخدمة، وأن يتحمل ما يصدر من الرفقاء من جفاء أو غلظة ونحو ذلك, وأن يرى الحاج أن لأصحابه عليه حقاً، ولا يرى لنفسه عليهم حقاً, فذلك من كريم الخلال ومن حميد الخصال, وما ترفع به الدرجات وتحط السيئات.
* ومن الآداب مع الأصحاب أن يحرص الحاج على الالتزام بالمواعيد، وأن يتلطف بالاعتذار إن حصل خطأ أو تأخير أو خلل, وأن يتحمل ما يصدر عنهم من عتاب إذا هم عاتبوه، وأن يتقبل العذر من غيره إذ هم أخطؤوا بتأخر أو خلل, فذلك دليل على سمو النفس، وبُعد الهمة وحسن المعاشرة، فالعاقل اللبيب الكريم هو من يتحمل أذى الناس ولا يحملهم أذاه.
* كذلك حفظ اللسان بتجنب فضول الكلام وسيئه، والبعد عن الغيبة والنميمة والسخرية من الناس، وبالحذر من كثرة المزاح ، و أن يحذر الحاج المماحكة والمخاصمة والمجادلة.
* استشعار عظمة الزمان والمكان الذي هو فيه، فذلك يبعث في نفس الحاج أو الحاجة أهمية الإخلاص والتفرغ لأداء مناسكه ، بخضوع وخشوع وإجلال لله عز وجل.
شدتني هذه "التوصيات" ان صح التعبير، من خلال قول الشيخ الجليل "محمد الحمد "عن مقال نشر بصحيفة الرأي للزميل الكاتب محمد سليمان قوله أن الغاية من ذلك التزام الحاج أو الحاجة عند أداء الفريضة بهذه الآداب و ان لا يعود الى ما كان عليه قبل أداء فريضته و ارتكاب الكثير من المعاصي و الآثام ....
أيام زمان كان السفر للحج شاقا ، حيث يركبون الجمال والدواب وغير ذلك عبر البلاد البعيدة مثل الحجاج القادمين من بلاد المغرب العربي أو أقاصي الشام وتركيا وبلاد شرقي آسيا كالهند والصين وباكستان وبخارى وطشقند والقفقاس وغير ذلك من مشارق الأرض ومغاربها .. قاصدين المدينة المنورة ومكة المكرمة.. فقد كان هؤلاء الحجاج قديماً يودعون أهاليهم ومعارفهم وداع المفارق، وعند عودته إلى وطنه يستقبله أهله استقبال الناجي من الهلاك، والفائز برضا الله وثوابه.و ان لم يعد أحدهم الى بلده و عائلته و حيث جاء خبر وفاته ، فان عائلته تتمنى له الرحمة لأنه دفن في التراب السعيد و أحبه الله .
تغيرت بعض العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية الخاصة بالإعداد لرحلة الحج والقدوم من الحج مثلاً ومنها أن أهل الحاج قديماً كانوا يجتمعون لعدة ليالٍ قبل سفر الحاج وخروجه من بيته وبلده للذهاب إلى مكة وذلك لتوديعه مع القافلة أو المجموعة الذاهب معها..
أما الآن في أيامنا فقد اختلف الأمر.. فقد صار بعض الحجاج يذهبون للحج دون أن يعلم جاره أنه مسافر للحج مثلاً ؟! ودون أن يذهب الحاج بنفسه إلى بيوت أقاربه وجيرانه ومعارفه كي يستسمحهم (أي يطلب المغفرة منهم) عن أي ذنب اقترفه نحوهم، أو ليسدد ديونه .
ودون أن يكلف الحاج نفسه بأخذ الطعام والشراب والمؤونة كي تكفيه عدة أشهر على الطريق.. فما من حاجة إلى ذلك فالطعام والشراب والعلاج متوفر في كل مكان يصلون ويمرون به ، خلال طريقهم أثناء سفرة الحج هذه.
قديما كان الأهل عندما يغادر الحاج منزله إلى الحج يبدأون بطلاء جدران الدار من الداخل والخارج ويأخذون بتزيين مداخل البيت بالرسوم والألوان الشعبية.. بعكس هذه الأيام فالزينة جاهزة ويشتريها الأهل من محلات بيع الزينة مثل أغصان النخيل ولافتات الترحيب وصور ورسوم الكعبة وعبارات المباركة بالحج التي تكون مطبوعة ومصنوعة على اللافتات الجاهزة (سعياً مشكوراً وحجاً مبروراً وذنباً مغفوراً إن شاء الله)
وهناك البعض من الحجاج يجلبون بعض الهدايا للأهل و الزوار، عند قدومهم للتهنئة بأداء فريضة الحج وسلامة العودة إلى الوطن والأهل والدار.. وقد ظلت هذه الهدايا القادمة من الأراضي المباركة متوارثة من جيل إلى جيل ومن زمن إلى زمن حيث هي "هدايا الحج " يعني مرتبطة بهذا الطقس والواجب الديني المقدس (الحج) وهي مثل:
سجادات الصلاة الملونة والمزخرفة، ومسابح اليد للتسبيح، والحنة للشعر، والعطور والروائح كالمسك والعنبر، وماء زمزم الشافي ، وساعات يدوية للرجال والأولاد، وحلي الزينة للبنات كالأساور والأقراط والعقود ، و التمور والبخور ومصاحف القرآن ومنسوجات مطرزة ،وهدايا أطفال الخ ...
أما في عصرنا هذا وبعد أن تقدمت وسائل المواصلات والاتصالات وكثرت السيارات والطائرات والشوارع والمطارات، فقد أصبح الأمر أكثر سهولة وأمناً واطمئناناً للحجاج وأهاليهم ، في تلك الرحلة غير المقلقة للجميع. فقد أصبح الحاج خلال أيام يصل إلى مكة، أو خلال ساعات بالطائرة مثلاً.. وأصبحت وسائل الراحة من الطعام والإقامة والتنقل مؤمنة وميسورة، بدرجة كبيرة و أصبح الحاج يؤدي مناسكه وهو مرتاح البال مطمئن لا يشغل ذهنه إلا في عبادة الرحمان و قراءة القرآن وأداء الصلوات .
وسوم: العدد 633