أمريكا لَمْ تَعُد تَبحثُ عَنْ عُملاءَ ..!
بعدَ الكارثةِ المُزلزلةِ لأحداثِ يَوم الثُلاثاء/11أيلول/سبتمبر التي شَهدتها الولاياتُ المتحدة الأمريكيِّةُ عامَ 2001م..والتي زلزلَت أركانَها زلزلةً شديدةً وَفجَعت النِّاسَ مِنْ كلِّ مِللِ الأرضِ..أعادَ الأمريكانُ النظرَ في سياساتِهم الخارجيِّةِ..وأجروا مُراجعاتٍ استراتيجيِّةٍ واسعةٍ وفي العُمقِ على كافةِ المستوياتِ..مِنْ أبرزِها إلغاءُ فلسفةِ الاعتمادِ على عُملاء مُوالين مُخلصين ضُعفاء..واعتمادُ فلسفةٍ جديدةٍ..تَقومُ على اصطفاءِ حُلفاءَ أقوياءَ عُقلاءَ أوفياءَ..ولَعلّهم عَادوا إلى ملفاتِهم التَاريخيِّة واستفادوا مِنْ تجربةِ زعيمِهم العاقلِ الرئيس فرنكلين روزفلت بَعدَ أن التقى الملك عبد العزيز آل سعود عام 1945م..وأسّسا تَحالُفَ أندادٍ أقوياء..وصفَه الزعيمُ السنغافوريِّ المعروف(لي كوان يو1959-1990م) قائلاً:"التفاهمُ الذي تَوصّلَ إليه روزفلت والملك عبد العزيز على ظهرِ السفينةِ كوينسي لم يَكنْ قليلَ الأهميِّةِ فقد كان أساسَ الاستقرارِ في الخليجِ"أجل فهذا الأنموذجُ الجادُ الصادقُ للتحالفاتِ البشريَّةِ بين روزفلت وعبد العزيز..جَعلَهم على يقينٍ بأنَّه السبيلُ الصحيحُ الذي يُغنيهم عَنِ الاعتمادِ على عُملاءَ ضُعفاءَ..فالحُلفاءُ الأقوياءُ الفاعِلُون والمُؤثِرون في بُلدانِهم..وفي سياساتِ مناطقِهم الإقليميِّةِ..والذين لهم وجودٌ ومُقومٌ دوليٌّ قويٌّ فاعلٌ..أجدى وأضمنُ وأنفعُ لمصالحِهم..وهذا بِكلِّ تأكيد تحولٌ استراتيجيٌّ في السياسةِ الأمريكيِّةِ..مِنْ اتباعِ مَنهجيِّةِ هيمنةِ الأعلى على الأدني..إلى القبولِ بمنهجيِّةِ التعاملِ مع النديِّةِ الفاعلةِ للآخرِ..وأحسبُ أنَّ الاتفاقيِّةَ النوويِّةَ(الأمريكيِّة-الإيرانيِّة) جَاءت في سياق هذه الاستراتيجيِّةِ الجديدةِ لأمريكا..بِكُلِّ تأكيدٍ الأمريكان يُدركون الفرق( بين النهج السعوديِّ والنهج الإيرانيِّ) فالأخلاقيِّةَ الإيرانيِّةَ تَرتكزُ على عقيدةِ إقصاءِ الآخرِ..وفقَ عَقيدةِ(الأئمةِ المختارين من الله الرافضة للآخر)لا تُطمئنُ بحالٍ مِنَ الأحوالِ..وتَستدعي الحذرَ الشديدَ الدقيقَ الدائمَ..وهذا ما جَعلَ الاتفاقيِّةَ بينهم تَمُرُ بمخاضٍ صعبٍ ومؤلمٍ..ولا تَزالُ الشكوكُ والمحاذيرُ تَحُفها مِنْ كلِّ جَانبٍ..ولضمانِ اتقاءِ شرورِهم وغدرِهم..عَمدَت أمريكا إلى إعادةِ تأكيدِ وتَرسيخِ تحالُفِها معِ الزعيمِ السعوديِّ القويِّ المُتمرّس..زَعيمُ الحَزمِ والحَسمِ والأمنِ الأمانِ..خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - سلمه الله تعالى..وقد كتبتُ منذُ عقدٍ مِنَ الزمنِ أنبِّهُ إلى مثلِ هذا الخيارِ الجادِ الفاعلِ للتحالفاتِ والموازناتِ الإقليميِّةِ الدوليِّةِ..ويومَها نبهتُ في محاضرةٍ لي في عَمّان العاصمة الأردنيِّة إلى المعنى الدقيقِ للوسَطيِّةِ قائلاً:الوسطيِّةُ هي الحُضوريِّةُ القويِّةُ الفاعلةُ في ميادينِ الحياةِ..فالقوى العالميِّة تبحثُ اليومَ عَنْ أندادٍ اقوياءَ فاعلين في مواجهةِ تحدياتِ العالميِّةِ والعولمَةِ..وطرحتُ بعدِها فِكرةَ(أنسنةُ قيمِ قُدسيِّةِ حياةِ الإنسانِ وحريِّتِه وكرامتِه ومصالحِه وصونُ سلامَةِ البيئةِ وإقامةُ العدلِ والسلامِ للجميعِ)لتكونَ كُلِّياتٍ عُليا لمعاييرِ التحالفاتِ والتوازناتِ الدوليِّةِ الراشدةِ وضوابطَها الأخلاقيِّةِ بينَ الأممِ..واليومَ أجددُ الدعوةَ إلى تأملِ رسالةِ(أنْسَنَةُ القيمِ) فَفيها خيرٌ كبيرٌ ونفعٌ وفيرٌ..وهي أساسُ العدلِ والسلامِ العالميِّ الصادقِ..والله المستعان.
وسوم: 636